مقالات
تعز.. مدينة عطشى وقيادة غائبة
تتفاقم الجراح في قلب تعز الصامدة، وتنزف المدينة وجعًا جديدًا، هذه المرة ليس من وطأة الرصاص والقذائف فحسب، بل من لهيب العطش الذي يكوي الأكباد. أزمة المياه تطل برأسها الكالح، لتزيد من قسوة الحصار الخانق الذي تفرضه الميليشيات الحوثية.
ترتفع أسعار صهاريج المياه كأنها أسعار البورصة، لتصل إلى أرقام فلكية، يصبح معها الحصول على قطرة ماء حلمًا بعيد المنال. أرقام تصرخ بوجع الحال.
عشر سنواتٍ عجاف تمر على تعز تحت وطأة الحصار، عشر سنواتٍ مُنعت فيها المدينة من ارتوائها من حقولها التي تقع على مرمى حجر، كونها في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي.
تعز، مدينة العراقة والصمود، من سطّرت أروع ملاحم البطولة في وجه التحديات، يلفها اليوم صمتٌ ثقيل، صمتٌ يخنق الأنفاس، صمتٌ يروي حكاية إهمالٍ وجفاء. تعز عطشى، أمام مرأى ومسمع الجميع.
إن صرخة الاستغاثة التي تطلقها تعز يجب أن تهزّ الضمائر وتشعل جذوة العمل. لا يمكن السكوت بعد الآن على هذا الإهمال. على مجلس القيادة الرئاسي والقوى السياسية أن يستفيقوا من سباتهم العميق، وأن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه تعز، المدينة التي تستحق منهم كل الدعم والاهتمام، لا التجاهل والنكران. والتاريخ لن يرحم أحدًا، كيف تُركت مدينةٌ صابرةٌ تواجه مصيرها وحيدة، عطشى، مهمشة، منسية.
تعز بحاجة إلى قياداتٍ قادرةٍ على استشعار نبض الشارع، تتلمّس احتياجات الناس بصدق، وتعمل بجدٍّ وإخلاصٍ لخدمة المدينة وأهلها. تحتاج إلى قياداتٍ تتمتع بالكفاءة والنزاهة والرؤية، قياداتٍ تستطيع أن تحول الأحلام إلى واقعٍ ملموس، وأن تعيد لتعز ألقها.
لا يمكن الحديث عن حلٍّ مستدامٍ لأزمة المياه أو أيٍّ من أزمات تعز الأخرى بمعزل عن ضرورة تحرير ما تبقى من المناطق التي لا تزال ترزح تحت سيطرة مليشيا الحوثي. هذه المناطق ليست مجرد بقعٍ جغرافية، بل هي شرايينٌ حيويةٌ للمدينة، تحتضن مصادر المياه التي كانت تروي ظمأها لعقود.
إن دعم الجيش الوطني والمقاومة الشعبية ليس مجرد واجبٍ وطني، بل هو ضرورةٌ إنسانيةٌ ملحّةٌ لإنقاذ تعز وأهلها. هم خط الدفاع الأول عن المدينة وعن كرامة سكانها. بتوفير الدعم اللازم لهم، وتسليحهم وتمكينهم، سيتمكنون من تحقيق التقدم المنشود على الأرض، ودحر قوى الظلام التي تعيق حياة الناس وتستغل حاجاتهم.
تعز بحاجة إلى دعمٍ حقيقي، وليس مجرد وعودٍ معسولة أو مساعداتٍ موسمية، بل دعمٍ مستدامٍ يلامس جوهر الأزمة ويعالج جذور المشكلة. دعمٌ يشمل توفير الموارد اللازمة لإعادة تأهيل البنية التحتية المتهالكة، وتوفير الخدمات الأساسية التي تليق بمدينةٍ بحجم تعز وتاريخها.
يجب أن تكون تعز في صلب اهتمامات الحكومة الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي. يجب أن تُعطى الأولوية لمشاريعها التنموية، وأن تُذلل العقبات أمام نهضتها. تعز ليست مجرد مدينة، بل هي رمزٌ للصمود والتضحية، وتستحق اهتمامًا استثنائيًا يليق بمكانتها.