مقالات
ثورة سبتمبر.. معركة اليمن ومصر ضد الاستعمار والرجعية 2-2
لم يكن أمام قادة الثورة اليمنية وهم يتابعون ردود الفعل الدولية والإقليمية على الثورة، وبداية العمل القادم من الخارج لاستهداف النظام الجمهوري سوى طلب الاستعانة بمصر فــ "ذهبت برقية بتوقيع الزعيم عبدالله السلال إلى الرئيس جمال عبد الناصر ينبئه فيها بأن الشعب اليمني قد ثار وأنه يخشى على ثورته من التدخلات الأجنبية ومن الاستعمار البريطاني في جنوب الوطن بالذات، فالثورة كما حددت أهدافها بصراحة تامة تسعى إلى القضاء على حكم الفرد المطلق في شمال البلاد والقضاء على الاحتلال الأجنبي في جنوب البلاد." [د. عبد العزيز المقالح ثورة سبتمبر في كتاب خريف الغضب]. بعدها وصلت الباخرة المصرية "السودان" إلى ميناء الحديدة يوم 5 أكتوبر 1962 وعليها سرية من القوات المصرية بكامل أسلحتها يصل عددها إلى 100 جندي، ثم تزايد إلى 200 جندي يوم 16 أكتوبر من نفس العام.
لقد كانت المخاطر المحدقة بالنظام الجمهوري من الخارج كما تفصح الوثائق البريطانية، تفوق ما كان يتوقعه قادة ثورة سبتمبر، والقيادة المصرية حينها، ولم يكن يتوقع الطرفان – اليمني والمصري – آنذاك سرعة العمل والتنسيق لإجهاض الثورة، بين الاستعمار البريطاني، والمملكة العربية السعودية، وشركات النفط والبترول الأجنبية العاملة في الخليج.
كان التدخل القادم من الخارج لإمداد الملكيين يأتي من الشرق عبر بيحان وشريفها، ويقوم به البريطانيون، ومن الشمال والشمال الغربي عبر نجران وجيزان ويقدمه السعوديون. وما يؤكد على أن هدف الاستعانة منذ الأسابيع الأولى للثورة اليمنية بالقوات المصرية كان من أجل صد تدخلات الاستعمار والرجعية، أن الجيش اليمني ومعه جنود الجيش المصري انطلقا لتأمين الحدود اليمنية من التدخلات الخارجية التي تقدم السلاح وترسل المرتزقة للقتال ضد الثورة والنظام الجمهوري، حيث قامت القوات آنذاك خلال فبراير ومارس 1963 والمعروفة بحملة رمضان، والتي استطاعوا من خلالها السيطرة الكاملة على مأرب، والوصول إلى الجوف، وبذلك تمكنوا من إحباط عمليات نقل السلاح، ولكن ذلك كان لأسابيع قليلة. وعندما أدرك السعوديون بعدها صعوبة في إيصال الإمدادات، تم التنسيق بين البريطانيين من خلال بيلي ماكلين عضو البرلمان البريطاني وبين السعوديين، وذلك من خلال إرسال أحد الخبراء الانكليز إلى اليمن لوضع تقرير حول ما يحتاجه الملكيون وكان الضابط الذي اختير للمهمة هو ديفيد سمايلي حيث يقول: "وخلال هذه الفترة تقريبا اتصل بي ماكلين تلفونياً واقترح عليّ أن أرافقه إلى اليمن على نفقة السعوديين لأعد تقريراً للأمير فيصل ولي العهد، حول الوضع العسكري" [ديفيد سمايلي، مهمة في الجزيرة العربية ص21].
وكان ماكلين ( الذي اعتبر حينها وزير خارجية لفلول الملكيين) خلال الأيام الأولى للثورة في المملكة، والتقى حينها بالملك سعود، وذهب إلى الحدود اليمنية السعودية والتقى بالأمير الحسن، وبعدها في أوائل ديسمبر كانت الزيارة الثانية، وقد التقى بالبدر، وأبلغه الأخير بالحاجة إلى الأسلحة والذخيرة. عند عودته إلى لندن، التقى ماكلين بوزير الخارجية دوغلاس هوم، وحثه على المساعدة البريطانية، وبدأ في استطلاع آراء مجلس الوزراء للحصول على الدعم.
وفي بريطانيا يقرر رئيس الوزراء ماكميلان تكليف وزير الطيران جوليان إميري، وهو زوج ابنته في نفس الوقت، في تنسيق العمل بين أجهزة المخابرات البريطانية، وبين الرياض وإسرائيل وغيرها للتعاون والقيام بعمليات سرية في اليمن ضد الثورة.
"وفي أول مارس 1963 زار ماكلين اليمن للمرة الثالثة. بعدها بوقت قصير زار وفد ملكي بريطاني إسرائيل، وبعد ذلك قامت طائرات إسرائيلية لا تحمل أي علامات برحلات جوية من جيبوتي لإلقاء السلاح على المناطق الملكية، وبحلول أوائل مارس، أكدت الملفات أن بريطانيا متورطة بالفعل في إمداد الملكيين بالسلاح، عبر شريف بيحان" [المؤرخ البريطاني مارك كيرتس].
وقد قامت إسرائيل بأربع عشرة طلعة جوية لتقديم الإمدادات وإنزال الأسلحة للملكيين في اليمن كما تؤكده الوثائق الإسرائيلية التي استند عليها الباحث يوجاف إلباز.
ومن هنا علينا عند قراءة الدور المصري في اليمن أن نفرق هل جاء للمساهمة في قمع القبائل الملكية، أم في مساندة اليمن ضد التدخل الأجنبي بقيادة بريطانيا والرياض، ومعهما الحلف المركزي الذي تشكل بعد فشل حلف بغداد بقيام ثورة تموز في العراق 1958، وكانت الأردن وإيران وباكستان من ضمن أدواته التي استخدمها لضرب الثورة.
لقد كان هدف المساعدة والمساندة من مصر وجيشها بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر تهدف في الأساس لمواجهة التدخل الذي سارعت إليه دول الرجعية العربية، والاستعمار بقيادة لندن منذ الأيام الأولى لقيام الثورة، والذي يمتلك من الإمكانات المادية ما يفوق إمكانات اليمن ومصر.
كما أن موقف مصر جاء في سياق نصرة الثورة العربية وحركات التحرر، ومواجهة الاستعمار، وتدخلاته، وليس للحرب ضد البدر، والقبائل و"التي لم تكن تشكل في معادلة الصراع رقما صعبا" كما يقول الباحث اليمني قادري أحمد حيدر.
وقد جاء تحقيق الانتصار في حصار السبعين واليمن وحيد من دون دعم، وقد تكالب عليها قوات المرتزقة المدربة تدريبا عاليا، لكن الثورة انتصرت، وثبتت الجمهورية، ودحرت الإمامة ومرتزقة الاستعمار والرجعية، الأمر الذي يؤكد على أنها كانت مرتكزة في قيامها على إيمان اليمنيين بالنظام الجمهوري، وفي الوقت ذاته لم ينس الشعب اليمني تضحيات مصر وجيشها الباسل على أرض اليمن، واعتراف قادة الجمهورية بذلك، كما أن القاهرة كانت ترى في انتصار السبعين انتصارا لمبادئها وتضحياتها، يقول الرئيس القاضي عبد الرحمن الإرياني: "رحم الله الرئيس جمال عبد الناصر، فقد قال لي عندما التقينا أثناء مؤتمر قمة عام 1970م، الذي توفي عقبه رحمه الله: "أنا مرتاح كثيرا للنجاح العسكري والسياسي الذي حققتموه، والحمد لله أن دماء الشهداء لم تذهب هدرا " [يحيى حسين العرشي الاستقلال.. والوحدة].