مقالات
خابور ومظلمة المعلمين!!
لا يختلف اثنان، ولا ينتطح عنزان، على أن الجماعة في صنعاء استطاعوا كسر إضراب المعلِّمين طوال هذه السنوات التي يكافح بها هؤلاء لانتزاع حقوقهم القانونية والدستورية، المتمثلة بمرتباتهم؛ بشيئين، هما: الأكاذيب، والمتطوعون الفارغون من قُدسية مهنة التعليم، ولا يهمهم سوى تلك الملاليم، التي تعذِّبهم في سبيلها الجماعة، التي توظّفهم بالباطل والعاطل، وفاقد الشيء لا يعطيه.
قبل يومين، وصلت رسالة تلفونية، هذا مضمونها: "تهنِّئ وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ممثلة بقطاع التنمية الاجتماعية، كل المتطوعين في اليمن؛ بمناسبة الاحتفال بالتطوع والعمل الجماعي"،
طبعاً هذا كلام يُرادُ به باطل...
وهي رسالة ترسم معالم، وتحدد توجّه هذه الجماعة نحو السُّخرة والعمل المجاني، ومحاربة الموظفين، الذين لهم حقوق عند حكومة ما تُسمَّى بالأمر الواقع، التي تحتجز الكُميم -رئيس نادي المعلمين اليمنيين- الذي طالب بصرف مرتبات المعلمين، منذ تسع سنوات، وقد أضرت بهم الحرب، وانقطاع المرتبات، وصاروا على التسول والعوز والفقر والحاجة وافتراش الأرصفة، فكيف يصبح معلم بهذه الأوضاع داعياً ومربياً للكرامة وعزة النفس. لقد حوّلوا المعلم اليمني إلى كائن ذليل جائع، وأوصلوه إلى مرحلة الجنون، بل وتكاتفت الكثير من العوامل، التي ساعدت هذه الجماعة على النجاح، في تدمير العملية التعليمية والتعليم والمعلم كإنسان وكمعلم...
من هذه العوامل دخول عدد كبير من ما يُسمى بالمتطوّعين إلى العمل التربوي كمدرسين بدلاً من المعلمين ذوي الخبرة، الذين وجدوا أنفسهم -بين عشية وضحاها- يفترشون التراب، ويلتحفون السماء هُم وأطفالهم وأسرهم، بصرف النظر عن أن هولاء المتطوٍعين هم مسؤولية حكومة الأمر الواقع لكي توفِّر لهم فرص العمل والدرجات الوظيفية، وبحكم أنها سلطة غاشمة، وغير معترف بها، فهي لا تستطيع بناء دولة، ولكن بمقدورها الهدم والتدمير المنهجي والمنظّم.
الهدم أسهل من البناء، وهذا ما تجيده هذه الجماعة في غياب كامل للنقابات التعليمية، التي ظلَّت لسنوات طويلة تنهب اشتراكات من المعلمين؛ باعتبارها المدافعة عن حقوق المعلم والمعلمة اليمنية، ولكن عندما حصحص الحق، وجد المعلمون والمعلمات أنفسهم ضحايا التخلي عنهم من الجميع.
خلال الشهور السابقة، تصاعدت حِدة المطالب الشعبية بدفع رواتب الموظفين، وخاصة المعلمين، ووصلت إلى ذروتها ليلة 26 سبتمبر 2023م، وكذلك مع بداية العام الدراسي الحالي، وواجهت الجماعة صعوبة شديدة في توفير البدائل السنوية الرخيصة؛ مما اضطرها إلى المبادرة بسرعة كبيرة بصرف حوافز مبكِّرة، مما أدى إلى اجتذاب عدد كبير من المتطوعين والمتطوعات، والعمل على كسر الإضراب، الذي بدأ قوياً مع ظهور نادي المعلمين، الذي يرأسه أبو زيد الكميم، وهو معلّم ومن أسرة ميسورة، ولكن ساءه وضع المعلّمين والمعلّمات تحت حكم صنعاء، وما لبث إلا فترة قصيرة حتى تعرَّض للاعتقال، وهو الآن مريض في السجن. وتم كسر الإضراب مع مرور الوقت بمجموعات كبيرة من المتطوّعين، الذين حلّوا كمعلِّمين في كافة المدارس التابعة للجماعة في المحافظات، مما أدى إلى انهيارات متتالية للتعليم والقيم التعليمية، فوق ما هي منهارة، ثم تلاشت المطالب بالمرتبات تدريجياً بسبب حرب غزة، ومحاولة هروب الجماعة إلى الأمام، وذلك بمحاولات مستميتة للدخول في الحرب، وإطلاق المسيَّرات وصواريخ أُسكود، واختطاف السفن، وجعل قضايا الداخل خلف ظهرها: المرتبات، والفقر، والجوع الذي يعصف باليمنيين.
إشكاليات التعليم انحصرت اليوم بأمور من صميم واجبات الدولة، وهي تسليم المرتبات، وإحلال معلِّمين مؤهلين، وإحالة للتقاعد لمن بلغ أحد الأجلين، ودفع مستحقات الجميع.
إطلاق حرية الرّجل المعلّم النّبيل، أبو زيد الكميم، مطلب كل المعلّمين اليمنيين الحقيقيين..
ما يحدث للتعليم جريمة حرب حقيقية..
بات المعلمُ اليمني نسياً منسيا...