مقالات
شاعر سبتمبر وأكتوبر الكبير عبدالله عبد الوهاب نعمان (2)
ولما أحدق الحصار بصنعاء، وتفجّرت طاقات الشعب مقاومةً واستبسالاً، تبدَّى عبدالله عبدالوهاب ككاتب سياسي من الطراز الأول، وهو كذلك منذ البدايات شعرا ونثرا وسخرية، فتوالت تعاليقه الإذاعية على امتداد سنتي 1967م 1968م، وكان المرحوم عبدالله حمران يؤدي تعليقات عبدالله عبدالوهاب أداءً يناسب جودة الكتابة وحصافته السياسية، التي ترمي إليها تلك التعاليق، وكانت تُذاع من كاتب تلك التعليقات غير مصحوبة باسم كاتبها حتى لم يعرف من كاتب تلك التعليقات إلاَّ أقل الناس؛ لأن الكاتب لم يكن ذا أسلوب معروف من قبل تلك التعليقات.
والمعهود عنه أنه شاعر، وكاتب صحفي، وكانت تلك التعاليق، التي يكتبها عبدالله عبدالوهاب، تتمتع بأدبية العِبارة ووضوح الفكرة وواقعية الموضوع، وكانت مميَّزه بتعابيرها على سائر التعاليق الإذاعية والمقالات الصحفية.
فأخذ الكاتب يتكشف شيئاً فشيئاً، فظهر عبدالله عبدالوهاب ككاتب سياسي مطوي على أديب.
وبعد انجلاء الحصار عن صنعاء، وبداية ما يسمَّى بالاستقرار، أصبح عبدالله عبدالوهاب وزيراً للإعلام مدة شهور، فغلب الوزير على المعلق والشاعر والأديب، وكاد أن يبدو من سائر الوزراء الذين لا يحتاجون إلى موهبة، وكانت رياح تلك الفترة عاصفة، فقلَّما تعمّر تشكيل وزاري مدة سنة.
فكانت وزارة عبدالله عبد الوهاب نعمان أقصر عمراً، فعاد هذا بالخير على فنٍ جديد يكنّه عبدالله عبدالوهاب، فتفرّغ من بداية السبعينات، وقبل ذلك، للشعر الغنائي، فوجد فيه نفسه كما وجد فيه شعر الأغنية الأصالة الخلاقة، فتتابعت أغنيات عبدالله عبدالوهاب من خلال صوت أيوب طارش، فتلاقى شعر ممتاز بصوت ممتاز الأداء، فتوالت عرائس الأغنيات الشعرية، وسمعنا مثل أغنية "نجم الصباح"، "مدارب السيل"، "دق القاع"، "بكر غبش"، "طاب البلس"، إلى جانب أناشيد وطنية مثل "رددي أيتها الدنيا نشيدي"، و"املأوا الدنيا ابتساما"، و"ياسمات بلادي باركينا" و"أرض الجنتين جم العطاء".
بهذا تألق عبدالله عبدالوهاب كشاعر غنائي متفرّد كسائر الأفذاد في شعر الأغنية من أمثال: عبدالرحمن الأبنودي، ومجدي نجيب، وأحمد رامي، وعمر الحلبي، وحسن حمزة، ومرسي جميل عزيز.
ولعل انتقال عبدالله عبدالوهاب من القصائد الثائرة والتعاليق السياسية إلى شعر الأغنية أعظم تحقيق لذاته الفنية، وموضوعيتها الفكرية.
وتشيْ أغانيه بأنه دخل عالم حب حقيقي، أو تصوري يعادل الحقيقي، فقد أبدع شعر الأغنية على أصولها، إذ لم ينفصل عن تقاليد الشعر العربي كلياً، ولا تقيّد بها كلياً، فاعتمد على التوقيع التعبيري لا على سنتيمترية الأوزان، من أمثال هذا المقطع..
نجم الصباح
قل للصباح إن لاح
قلبي جراح
ظلام مغلق ما عليه مفتاح
فالمعاني عند عبدالله عبدالوهاب شائعة في الشعر العادي والعالي، إلاَّ أن صيغته جديدة غنائياً، فتفرَّد في فن الشعر الغنائي وكأنه فنَّه الخاص؛ لأنه في سائر شعره الثائر لم يحقق مستوًى يعادل مستوى الزبيري أو جرادة، على حين حقق في الشعر الغنائي مستوًى مرموقاً من حيث الكيف والكم، فأحدث ثورة غنائية بعد أن تماهى في الثورة السياسية من آخر الأربعينات إلى أول الستينات.
ودخل في غمار الناس من أول الستينات إلى 1967م، ثم انتقل إلى كتابة التعليق السياسي؛ فأجاده. وبعد أن تحوّل عبدالله عبد الوهاب نعمان من وزارة الإعلام إلى مستشار، انقطع لشعر الأغنية فأحدث فيه ثورة إبداعية تواصلت أنفاسها، حتى انقطعت أنفاسه في مطلع ثمانينات هذا القرن طاوياً عمره الزمني تاركاً على ربوات التاريخ عمره الفني الذي لا يموت.