مقالات
عن الرئيس ونائبه وتصوراتهم الدولية
تعطي متابعة خطاب رئيس مجلس القيادة، رشاد العليمي، وعضو المجلس الأقوى منه، عيدروس الزبيدي، الانطباع بأننا أمام مبعوثين أو ممثلين وسفراء إقليميين ودوليين، تتركز أولوياتهم على الاهتمامات ذات الأبعاد الجيوسياسية التي تمس المصالح الدولية. وغالبًا لا يعرف المبعوثون والممثلون والخبراء الدوليون عن بلدنا سوى البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، وخليج عدن، وقربه من المملكة العربية السعودية (أحد أهم مراكز الطاقة العالمية)، بينما يجهلون إلى حدٍّ كبير طبيعة الصراعات المحلية المعقدة والمتداخلة، وصراع اليمنيين مع الإمامة، والبنية السياسية والاجتماعية للقوى والمكونات المحلية. ومن امتلك منهم معرفة محدودة بقضايانا وصراعاتنا ومآسينا، فإنه لا يتفاعل معها ولا يشعر بها.
قد يتفاعل بعض هؤلاء المبعوثين والسفراء في بداية فترة تعيينهم، في محاولة لبناء علاقات عامة مع العديد من النخب السياسية والتجارية والأمنية اليمنية، لكنهم يُصابون بالملل سريعًا، ويعتريهم نفور حاد إزاء القضية اليمنية بأبعادها المحلية. وفي المحصلة، تظل اليمن وقضاياها المحلية ومعاناة شعبها غائبة وغير مرئية في أعين هؤلاء. وتتأرجح أشكال اهتمام القوى الدولية، وتحديدًا الغربية، حول قضايا الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن، والتركيز على ما يسمونه “الحرب على الإرهاب” من منظور الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية النافذة.
وفقًا لمنظور المصالح الإقليمية والدولية، فإن الحوثي، وإن أظهر تمردًا محدودًا ومشاغبة محسوبة تجاه الملاحة الدولية، يُعد كذلك شريكًا محتملاً في مواجهة “الإرهاب السني”، على نحوٍ مقارب للحشد الشعبي الشيعي في العراق، الذي تشكل في مرحلة تقاطعت فيها المصالح الإيرانية والعراقية الشيعية مع المصالح الأمريكية، وانخرط في معركة مشتركة مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، علنًا ضد تنظيم الدولة. لكن المحصلة كانت سحق المكون السني في العراق، وإبادة جماعية وفق الحاجة الأمريكية هناك، رغم أن الحشد يشكل أيضًا تهديدًا مشاغبًا للملاحة الدولية.
التماهي الكامل في خطاب الرئيس ونائبه الزبيدي مع أولويات وشواغل المصالح الدولية، دون اعتبار للحسابات والمصالح المحلية والوطنية، يشير إلى استعداد لإبرام تسوية سياسية غير معقولة مع الحوثيين، وربما التعامل معهم باعتبارهم شركاء في “الحرب على الإرهاب”، تحت مساندة ورعاية أمريكية. وفي الوقت نفسه، يشير هذا الاستعداد إلى استحالة خوض معركة وطنية ضد الحوثيين، إلا عندما يتعلق الأمر بالاستجابة للمصالح والأجندات الإقليمية والدولية، كحماية الملاحة البحرية وأمن الخليج.
وبالقدر نفسه، أبدت الدول الغربية النافذة استعدادًا للتعامل مع الحوثيين وتطبيعهم كسلطة، ودعم تسوية سياسية تمنحهم موقعًا مهيمنًا في السلطة الحاكمة، دون أي اعتبار للمصالح الوطنية اليمنية، في حال استجاب الحوثي للمطالب الأمريكية والغربية والخليجية المتعلقة بأمن الخليج، والتعهد بعدم استهداف المصالح والمنشآت السعودية، والالتزام بإنهاء التهديد للملاحة الدولية في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن.
لم يعد الحوثي، في خطاب الرئيس العليمي ونائبه الزبيدي، سوى تهديد لأمن الخليج والمصالح الدولية في البحر الأحمر. وصار هؤلاء المسؤولون، على رأس السلطة الشرعية، يُلحقون القضية اليمنية وشروطها المحلية وأبعادها الوطنية بالحسابات والأولويات الخارجية. أضحت قضيتنا الداخلية مُلحقة بأمن الخليج والولايات المتحدة. فالتصورات الخليجية والغربية هي التي تحدد طبيعة تفاعلات وسلوك مجلس القيادة والحكومة تجاه القضايا الداخلية.
يخلو خطاب وأداء مجلس القيادة والحكومة من أي دوافع أو محركات محلية ووطنية تصنّف الحوثيين كتهديد خطير ومصيري للبلاد، ولمصالح الشعب، وللمرتكزات والقيم التي لا يمكن أن تكون اليمن موحدة دونها.
يمكن فهم دوافع وحسابات عيدروس الزبيدي، فالرجل لديه مشكلة مع وحدة الدولة، ويرفض الاعتراف بدستور الجمهورية اليمنية ونظامها القانوني، ويؤكد في أكثر من مناسبة، دون مواربة، أن مشاركته في الحكومة اليمنية متصلة فقط بمدى خدمة مشروع المجلس الانتقالي، الذي يتبنى الانفصال، ويتحرك من موقعه في الحكومة اليمنية كزعيم انفصالي.
يشارك في مؤتمر أو اجتماع دولي بصفته ممثلًا لحكومة الجمهورية اليمنية، ثم يدعو المشاركين لدعم مساعيه في تقويض الدولة اليمنية وإنهاء وحدة البلاد التي يمثلها. تلك تركيبة متناقضة، تساعد في فهم سلوك ومواقف وخطاب الرجل، الذي ينظر إلى الحوثي بعيون دولة الإمارات، ومن منظور الحسابات والمصالح الدولية، التي يكابد دومًا في عرض خدماته واستعداده للدفاع عنها.
“القضية الجنوبية” نفسها لم تعد، بالنسبة للرجل، سوى أداة ملائمة لخدمة المصالح الدولية. فقد أصبحت معاناة السكان في عدن ومصالح أبناء الجنوب غير مرئية، ومجرد تفصيل هامشي لا يريد الرجل أن يصرفه عن اهتماماته الدولية وجهوده في حماية أمن الخليج وخطوط الطاقة والملاحة الدولية.
مواقف الحكومة اليمنية، في خطاب وسلوك الرئيس العليمي ونائبه الزبيدي، غارقة في الأولويات والشواغل الدولية، وخالية من أي مصالح وطنية أو شعبية تنظر إلى الحوثيين باعتبارهم عدوًا جذريًا للشعب والبلاد. تلك مسؤولية لا يمكن أن يستشعرها من يعتقد أنه جاء إلى السلطة عبر قوى خارجية، لا عبر إرادة الشعب.