مقالات

عن النُخَب وعقلية التاجر المُحتال!!

01/04/2022, 07:02:49
المصدر : خاص

سيدخل معظم اليمنيين شهر رمضان فقراء تماماً، إلا من جوعهم وصبرهم الطويل على حكامهم.

 اعتاد هذا الشعب، منذ سنوات طويلة، على موجات غلاء عاتية قبيل دخول هذا الشهر وأثنائه، لأن التّجار  يفرضون نسباً إضافية على أسعار السلع الضرورية، لتغطية ما ينفقونه في هذا الشهر على "الزكاة والصدقات والاتاوات"، التي تكثر في هذه الأيام الفضيلة.. فيصير الشعب هو الذي يزكِّي ويتصدّق على فقرائه، ويَرشي مسؤوليه من قوتِه، وليس التجار ورجال الأعمال من يفعل ذلك.

 فالتجار تبعاً لهذه اللعبة القذرة، ليسوا أكثر من سماسرة جشعين يقتطعون من أقوات الناس أثمان ما يملكون، ويظهرون أمام الملأ كمحسنين ومُتّقين.


 فلو افترضنا أن التاجر أضاف نسبة 20% زيادة على أسعار السلع التي يتاجر بها تحسباً لإنفاقه على "الصدقات والزكوات والرشوات".. هل تتوقّعون أن ينفق هذه النسبة كاملة، أم أن عقل التاجر المحتال سيبحث أيضاً عن هامش ربح إضافي من هذه السرقة، لإضافتها إلى ربحه الكبير من بيع السلعة أصلاً..؟ الإجابة لا تحتاج إلى تفكير!!

اليوم يستغل التجار والمستوردون، وبغطاء من الجهات الرسمية والمتنفذين، حالة الحرب الروسية- الأوكرانية لإشعال حرائق عاتية في كل بيت يمني يعيش على الكفاف.. يقومون بنهب المجتمع ثم يتصدّقون على أبنائه بالقليل من حقه، ويرددون أنهم يطعمون الجوعى لوجه الله.

اتذكر قصة أوردها الراحل علي النوبي في كتابه "مسيرة اليمن"، يقول فيها إنه التحق هو وأخوه أحمد النوبي بمكتب الأيتام الكائن أمام "قصر السلاح"، حتى بلوغه الصف السادس، وكان عليهما أن يواصلا دراستهما في المدرسة المتوسطة، ولكن بسبب ازدحام المدرسة عادا إلى مكتب الأيتام للدراسة في فصول متقدّمة، غير أن سيف الإسلام الحسن -نائب الإمام أحمد في صنعاء- "حينما تسلّم معلومية تقرير الإدام (الأكل)، رفض ذلك وأمر بإلحاقهما مع زملائهما بالإنشاءات في أعمال البناء كنجّارين، و"موقّصين" (مشكّلين للأحجار). وقال النوبي: "لم يناسبنا ذلك، فذهبنا بعده أثناء دورته إلى منطقة "علمان" شمال شرق قرية القابل، فراجعناه، ونحن نلهث وراءه وهو على حماره، وشكونا عليه، وكان رده علينا قاسياً، حينما قال: ما دام وقد ختمتم الختمة، وتعلمتم الصلاة، فما بقي لكم إلا أن تعملوا حيث أمرناكم بعد أن علمناكم وأطعمناكم لوجه الله".

حكّام اليوم -بتمرسهم وخبرتهم اللصوصية وعقليتهم الاستحواذية- ينظرون إلى ما ينفق على موظّفي الدولة تحت مسمى -أنصاص المرتبات" في أوقات متباعدة بأنه صدقة يقدّمونها لوجه الله، وهم في الأصل من ينهب هذه المرتّبات في كل مرّة.. الإيرادات المهولة، التي يجتبوها تحت مسميات عديدة (جمارك، ضرائب، تحسين، دعم، مجهود، زكاة، أوقاف)، لا تنفق في مصارفها، وعلى الخدمات الأساسية لأبناء المجتمع، بل توجّه كلها لتعزيز أدوات الحكم، وتصليب وتقوية طبقته ونخبته، التي فُصِّلت فقط على فِئة محددة في المجتمع، أو تنتمي إلى منطقة محددة في البلاد، وصارت أشبه بـ"أوليغارشية" مغلقة تتحكّم بالقرار والموارد وتحتكرها، من منطلق أحقيّتها بالحكم.

هذا الشعب بلا سند حقيقي، لأن نخبه "السياسية والاجتماعية"، التي عوَّل عليها لإخراجه من هذه الورطة  صارت هي الأخرى تتكسب من آلامه، وتتاجر بجوعه في طريق تسوّلها الطويل على أبواب أمراء الحرب، وحسنات دواوين الأمراء.. فضَّلت، هذه النّخب، ملاذاتها الآمنة في مستقراتها الجديدة (في الرياض وأبو ظبي وإسطنبول وبيروت)، بعيداَ عن جحيم الداخل وجوعه، ومع ذلك تُصرُّ على تقديم نفسها كصوت له.

في الداخل، ثمّة قوى غاشمة بدأت تتاجر بالشعارات، وانتهت بالإمساك بالسلطة وأدواتها المتنوعة، فسخّرت كل الإمكانيات لتصليب وتقوية حضورها في حياة اليمنيين  بالحيلة والعنف معاً.. اجتاحت المدن، وأسقطت المؤسسات  بحُجة إسقاط الجرعة السعرية للمشتقات النفطية، وها هي بعد ثمانية أعوام تفرض الجرعة تلو الجرعة، ليس على المشتقات النفطية وحدها بل على السلع والخدمات الأساسية، وليس آخرها البترول والغاز المنزلي، التي صار الحصول عليها فعلاً بطولياً، وبأسعار فلكية من سوق (بيضاء) تديرها شبكات مرتبطة بصفها الأول، وتحت حمايتها؛ وتجد في ذلك مبررات كثيرة على رأسها العدوان والحصار، وتنتفي إسطوانة الحصار، عندما تشاهد أسواق العاصمة والمدن والمناطق التي تسيطر عليها غارقة بسلع وأدوات وسيارات فارهة، تستورد من السعودية والإمارات وأمريكا، تجتبي منها هذه السلطة المليارات في النقاط والمنافذ، التي تسيطر عليها، مقابل جمارك ورسوم متنوعة، ولا يطال هذه المنتوجات إلاَّ القادرون والمستفيدون من وجودها.

كثيراً ما تتباهى هذه السلطة بأنها جاء ت لتخليص الشعب من طبقة النظام الفاسدة، ومن هيمنة ووصاية الخارج، وها هي- بعد سنوات البارود والدم والجوع- تنتج طبقتها الأكثر فساداً، وبأدوات النظام السابق الفاسدة ذاتها، وصارت هي الأخرى خاضعة لوصايا قوى إقليمية متشددة، تتفنّن باستخدامها كمخلب ضد خصومها السياسيين في الإقليم، وداخل اليمن.

وما ينطبق على هذه القوى ينطبق على قوى أخرى بذات السلوك الاستحواذي والتعصب المناطقي في المحافظات الجنوبية، التي لم تزل تستجر الشعارات الكبيرة لاستعادة الدّولة، لكنها تُطعم شعبها التراب.. انتجت هي الأخرى طبقتها الفاسدة العسكرية والأمنية، التي تتكسب من المتاجرة بالأراضي والفوضى الأمنية والإتاوات، وبدلاً عن استعادة دولة -كما تدّعي- قامت بتسليم كل شيء فيها لقوى تتعّهدها بالرعاية والحماية وتوفّر لقياداتها  ملاذات آمنة، وأشغالا تجارية سريعة العوائد، أنستها معانات جماهيرها الجائعة، والمكتوية بلهيب الأصياف، والأسعار.. الجماهير، التي هتفت بأسماء القيادات المغمورة، وصعّدتهم من قاع الأميّة والتعصب إلى فضاءات سياسية لا عهد لهم بها.

وبين هاتين القوّتين الغاشمتين ثمة قوى مائعة هلامية، تُسمَّى بالشرعية، بطبقتها الأكثر فساداً ولؤماً، التي لا تريد، هي الأخرى، للحرب أن تنتهي، لأن استدامة الحرب توفّر لها عوائد كبيرة ومتنوّعة، لا يمكن أن تتحصل عليها في حال تفشى السلم وتعزز الاستقرار.

مقالات

لا ضوء في آخر النفق!

عندما بدأت الحرب على اليمن في 26 مارس، بدون أي مقدّمات أو إرهاصات أو مؤشرات تدل على حرب وشيكة، حيث تزامنت هذه الحرب مع هروب عبد ربه منصور إلى سلطنة عُمان، وكان قرار الحرب سعودياً، ثم إماراتياً خالصاً، تحت مسمى "إعادة الشرعية"، التي في الأصل قامت السعودية بفتح كل الطرق لدخول الحوثيين إلى صنعاء وطرد الشرعية منها، وأن هذه الحرب لم تكن مرتجلة بل مخطط لها لإعادة اليمن إلى ما نحن عليه اليوم، من شتات وتمزّق.

مقالات

هنا بدأت رحلتي

أضواء خافتة تقسم الشارع بالتساوي بين الذاهبين والقادمين، قمر في السماء يوزع ضوءه بين سطوح المنازل وقناة الماء في ميدلبورغ، وأنا أجلس خلف ضوء دراجتي الهوائية، وخلف أمنيتي أن يستمر الطريق بلا نهاية.

مقالات

حديث لن يتوقف!

يومَ أعلن علي سالم البيض بيان الانفصال، في خضم حرب صيف 1994م، تنصَّلت جُل - إنْ لم يكن كل - قيادات وكوادر الحزب الاشتراكي عن مسؤوليتها تجاه هذا الإعلان المقيت، الذي لم تقوَ حُجَّته أمام كل ذي عقل بأنه كان اضطرارياً، كما حاول البعض الزعم به يومها، إذْ لم يجرؤ أحد على القول إنه يتفق مع مشروع الانفصال.

مقالات

أمير الشعر الحميني عبر كل العصور

"لا توجد كلمات غنائية أصيلة بدون ذرة من الجنون الداخلي". يطِلُ عبدالهادي السودي من بين هذه الكلمات، لكأنها كتبت فيه، وعن سيرته، وتفردهُ شاعراً، وعاشقاً، وصوفياً، وعلامة فارقة لِعصرهِ، وشاغلاً للأجيال من بعده.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.