مقالات

فرصة للنجاة أم حلقة صراع جديدة؟

16/04/2025, 07:04:42

الضربات العسكرية الأمريكية على مليشيا الحوثي تدخل شهرها الثاني. ما هو مؤكد أن هذه الجماعة، التي استدعت التدخلات الخارجية بالانقلاب في سبتمبر 2014 وبالهجمات على الملاحة في البحر الأحمر، تتعرّض لضربات غير مسبوقة أمريكياً.

يحرص الأمريكيون، منذ أطلق ترمب موجة الغارات الجوية، على تكرار تأكيد النأي بأنفسهم عن ما يطلقون عليها حرب "أهلية في اليمن".

ردع إيران وجلبها إلى طاولة التفاوض خاضعة هدف أمريكي أساسي، وقد تحقق ذلك نسبياً من الضربات على الحوثيين، في مسقط مع هرولة نظام الملالي لإغراء ترمب بصفقة استثمارات تزيد عن 4 تريليونات دولار.

هذ المبلغ الضخم، الذي يمثل أضعاف ما عرضته السعودية والإمارات، أسال لعاب الرئيس التاجر، وقد يدفعه إلى عقد صفقة  لمراقبة البرنامج النووي، وليس تفكيكه.

أيّاً تكن مآلات التفاوض الأمريكي - الإيراني، فإن مليشيا الحوثي، كذراع متقدِّم لطهران، وورقة إيرانية بديلة لحزب الله، لن يكون حالها بعد الضربات كما قبلها.

يتحدَّث الأمريكيون بثقة عن استهداف قيادات رفيعة في الجماعة، ومخابئ ومخازن سلاح وأنفاق، وشبكات اتصالات وبنية عسكرية متطوِّرة.

لا يمكن التحقق من صحة ما تعلنه أمريكا، لاسيما ما يتعلق باستهداف قيادات كبيرة، كما أن الأمريكيين لم يعلنوا عن أسماء قيادات بعينها جرى استهدافها، باستثناء الإشارة إلى قائد القوة الصاروخية للحوثي.

يعود ذلك بالطبع إلى وحشية المليشيا في خنق المجتمع، وفرض سيطرة كاملة على سلسلتها القيادية.

غير أن ما يرقى إلى درجة اليقين هو أن المليشيا تعاني، كما لم يحدث لها من قبل، في استهداف قدراتها وبنيتها العسكرية، لكن ذلك بالتأكيد ليس كافياً للحسم بدون قوات برية على الأرض، إذا كان الحسم هدفاً أصلاً.

هنا يثور السؤال لدى اليمنيين المناهضين لعبد الملك الحوثي مع الكثير من الأمنيات: لماذا لا تستغل" الشرعية" المعترف بها دولياً الفرصة للانقضاض على المليشيا، وتخليص البلاد من هذا الشر الذي دمَّر حياة شعب، وتسبب بتمزيق اليمن؟

السؤال بالطبع لا يبحث عن جواب بقدر ما يشير إلى مأزق يعيشه اليمنيون، تعيشه الشرعية منذ سنوات، بعد أن فقدت القدرة على تقرير وجهتها، سلماً أو حرباً.

يمكن ملاحظة ذلك في تهرّب قيادات الشرعية من القيام بمسؤولياتهم في مواجهة المليشيا كواجب وطني دستورياً وأخلاقياً، مع استمرار الحوثي في شن الحرب على  اليمنيين في أكثر من جبهة وفي خنقهم اقتصادياً.

يدرك الجميع أن الشرعية لا تمتلك قرارها، وأنها بعد إعادة هندستها في 7 أبريل 2022 زادت ضعفاً وخضوعاً.

واليمنيون يعرفون أكثر أن هناك من تخلى عنهم، ووضع المفاتيح في جيوب غير يمنية، وهذا هو الجزء الذي يجعل من مأساة هذه البلاد سلسلة لا نهائية لأزمات مركّبة ومفتوحة.

يمكننا أن نلمس ذلك الخلل الجسيم في تصريحات القيادات، فطارق صالح، مثلاً، وهو الطرف الذي يتم تسويقه ضمن حسابات تتعلق بإعادة سلطة النظام السابق، يطالب بتشكيل 'تحالف دولي' لمواجهة مليشيا الحوثي.

يحدث ذلك بينما لا يزال الرجل والشرعية عموماً رهن حسابات ومصالح التحالف السابق وأطرافه!

أما رئيس مجلس القيادة، د. رشاد العليمي، فيبدو بلا حول. بشّر، في الذكرى الثالثة لنقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة، بأن "صنعاء باتت أقرب من أي وقت مضى". مع ذلك، فإنه لا يزال يوجّه المناشدات للمجتمع الدولي!

فهل استغلت الشرعية، قبل ذلك، الظرف الدّولي المواتي لتقوم بواجبها حتى تجلب الدعم من القوى العالمية الأخرى؟

تصريحات الرجلين تعكس حالة العجز، وتشير ضمناً إلى القيود التي قبلت الشرعية بوضعها على معصمها، إذ بات الخارج هو من يقرر مستقبل الحوثي واليمن عموماً، وكأن الحوثي مشكلة الخارج وليس مشكلتنا التي تنازلنا نحن لهذا "الخارج" بالتصرّف حيالها!

وكما يبدو، فإن هذا "الخارج" لا يزال بصدد موازنة الأمور؛ ليقرر.

في هذا السياق، تسرِّب المصادر الأمريكية أخباراً عن اتصالات ومساعٍ لتحرّك عسكري على الأرض، آخرها ما نشرته صحيفة 'وول ستريت جورنال'، منتصف هذا الأسبوع، عن مشاركة "فصائل يمنية" في تحرك بري وشيك نحو الحديدة.

تتحدَّث الصحيفة بصورة رئيسية عن قوات طارق صالح المدعومة إماراتياً، وإذا صح ذلك فإن أبوظبي، على ما يبدو، تكون قد وضعت هذا الملف على رأس أولويات طحنون بن زايد -مستشار الأمن الوطني- أثناء زيارته، منتصف الشهر الماضي، لواشنطن.

هناك نقطة مهمة، وأظنها رئيسية في الخبر، تتحدث عن قرار سعودي بعدم التدخل بشكل قاطع في أي تحركات. ليس واضحاً ما إذا كانت الرياض ستصمد بوجه هذه المتغيِّرات في التعامل مع الحوثي، وتفضيل الاستمرار في العمل كـ"وسيط في الأزمة".

ربّما يدفعها الانخراط الإماراتي، في أي تحركات عسكرية، لتغيير موقفها، لاسيما أن الوصول إلى الحديدة سيشبه بصورةٍ ما وصول الإمارت إلى حضرموت، لكن من الغرب!

في هذا الاتجاه، يمكن الأخذ في الاعتبار المفاوضات المكثفة التي خاضها وزير الخارجية السعودي في واشنطن، وتكللت بالإعلان عن اعتزام واشنطن توقيع اتفاقية تطوير الصناعات النووية السلمية في السعودية. كما أن الإعلان عن تخرج كتيبة سعودية في أمريكا تدرّبت على منظومة 'ثاد' الأمريكية، الأحدث للدفاع الصاروخي، قد يرجح استعداداً سعودياً من نوعٍ ما.

إذا أضفنا إلى هذه المعطيات الضربات الأمريكية المركَّزة، خلال اليومين الماضيين، للمعسكرات والخطوط الأمامية للحوثي، واشتكى منها إعلام المليشيا، كما حدث في جبهات مأرب والجوف، فإن ذلك ربما يعكس رغبة في تحريك القوات اليمنية على الأرض في مواجهة الحوثي.

الخلاصة: ما تهتم له أمريكا هو إبعاد الحوثي عن البحر، ووقف هجماته على الملاحة. هذا الاهتمام الأمريكي المستجد، خلافاً لنهج ترمب نفسه الذي ضغط لإيقاف استعادة الحديدة من خلال فرض اتفاق 'استوكهولم' 2019، ربما يلتقي مع اهتمام التحالف أو أحد طرفيه للسيطرة على الحديدة.

كانت إستراتيجية التحالف، خلال العشر السنوات الماضية، تركِّز على السيطرة على السواحل وإهمال البَر، وقد يبدو ذلك مرغوباً الآن قبل دفع مختلف الأطراف إلى التفاوض.

السؤال: هل نحن أمام فرصة للنجاة  بالبلاد، أم حلقة جديدة من صراع مفتوح بأبعاد إقليمية ودولية أكبر يكرِّس الفصائلية، ويشعل التنافس المحلي؟

لا يهتم معظم اليمنيين الآن بأي أسئلة تتعلق بترتيبات المستقبل، فالخلاص من الحوثي هو الأولوية المُلحَّة، ولا يريدون أن يخوضوا في تفاصيل "الشيطان".

بنظرهم: الحوثي هو الشيطان.

مقالات

الزمن كطقس: عودة الإنسان إلى جذره الحِميري

في الأول من شهر "ذو ثابة" اليمني الحِميري، ترتجف الأرض من فرط الخصوبة، وتبدأ الرِّيح في هدهدة السنابل الأولى، ينطق الزّمن بلغة المسند، معلنًا بداية السنة الحِميرية، لا بوصفها رقمًا يُضاف إلى جداول النسيان، بل باعتبارها لحظة انبثاق لهوية اعتُصرت طويلًا بين فكي النسيان والاستلاب

مقالات

جثة مصلوبة على المدرّعة.. عنف بلا كوابح وأمن خارج القانون

المشاهد المصوّرة، التي أظهرت جثة المواطن اليمني همّام اليافعي وهي مربوطة على مقدّمة مدرّعة أمنية في محافظة أبين، أثارت موجة استياء وغضب واسع، وبعثت رسائل سلبية عن واقع المؤسسة الأمنية، ومستقبل مشروع الدّولة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.