مقالات
فلسطين تذبح وتباد وتهجر
لأكثر من قرن بدأت تتوافد على فلسطين أعداد غفيرة من اليهود من أوروبا ومناطق مختلفة، ومنها البلدان العربية في منتصف القرن العشرين.
كانت الهجرة اليهودية مخططا صهيونيا استعماريا كثمرة كريهة للمؤتمر الصهيوني في بازل 1897. إسرائيل دولة بنتها بالأساس الهجرة اليهودية الأوروبية،
وقامت على تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه الضاربة في التاريخ منذ الكعنانيين في القرن الثالث قبل الميلاد. الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتهجير شعبها عبر التقتيل والتشريد، وتهديم القرى والأحياء هو نهج الاحتلال الصهيوني، وبناة الدولة الإسرائيلية (الجيش)؛ وهو جيش تأسس من العصابات الصهيونية الكثيرة من أهمها: الهاجاناه، وأرجون، وشيترن. تبنى البريطانيون، وفيما بعد الأمريكان والأوربيون - التمكين كـ "وعد إلهي" لدولة الاحتلال الاستيطاني عبر الثمانين عامًا الماضية، والوظيفة الأساس استمرار قمع الشعب المحتل، وتدمير قُراه وتهويدها، وتهويد المقدّسات، وتزييف التاريخ، وتأسيس دولة احتلال على خرافة أرض الميعاد.
الخرافة (الأرض الموعودة)، ونظام الفصل العنصري، ونهج الحروب: 1948، و1956، و1973 ضد البلدان العربية، وحروب وإرهاب يبدأ ولا ينتهي ضد الشعب الفلسطيني- هو السياسة العامة لحكومات إسرائيل المتعاقبة، كما أن الاحتلال الاستيطاني، ونظام الفصل العنصري، والإصرار على اجتثاث الشعب الفلسطيني وتهجيره من أرضه هو الهدف الأساس لدولة الاحتلال.
الاعتقاد الصهيوني، والميثولوجيا اليهودية قائمة على اعتبار الضفة الغربية هي يهودا والسامرة، وأن غزة ليست من الأرض الموعودة. الاعتقاد الخرافي كان المبرر للفرار من غزة عام 2000 تحت وطأة وضراوة المقاومة الفلسطينية. شنت إسرائيل خمسة خروب تدميرية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وضد حركة المقاومة الإسلامية حماس، وعجزت عن كسر إرادة المقاومة.
سردية الحرب الدائمة المدعومة من أمريكا وأوروبا ما تزال حاضرة وبقوة، ونهج التهجير لغزة إلى سيناء، والضفة الغربية، وإلى الوطن البديل (الأردن)، هو البند الأول في نهج الحرب منذ البداية. يدرك النظام في مصر الخطة، وتعاني منها الأردن، ورغم تخوف الحكام، إلا أن الشعب الفلسطيني عصي على التهجير الثالث والكسر، كما أن الشعبين المصري والأردني لن يقبلا تهجيرًا جديدًا للفلسطينيين، والخطر الداهم هو التهجير إلى البلدان التابعة والمطبعة، وهو هدف أساس للاحتلال، وقد يقبل به المطبعون.
صعود اليمين التوراتي إلى الحكم في إسرائيل: ابن غفير، وسموتريتش، ووزير الدفاع يواف غالانت، أظهر المخطط الذي يشترك فيه اليمين، واليسار الصهيوني؛ وهو مد الاستيطان إلى ما تبقى من أرض فلسطين، وتهجير الفلسطينيين.
حرب يوم الغفران الأخيرة 7 أكتوبر 2023 أعادت إلى الأذهان حرب 1973، وأكدت أن إرادة الشعوب لا تموت، وأن شعبًا صغيرًا وأعزل يستطيع هزيمة أكبر قوة. جيش الدفاع، الذي لا يقهر، أهين وأذل بما لا مزيد عليه عندما تصدى له بضع مئات من المقاومة الإسلامية حماس. المستوطنات التي هُجِّر منها أبناء غزة في 1947، و1967، قام أبناؤها الأوفياء بالاقتحام الشجاع إلى اسدود، وعسقلان، وعشرات القرى الفلسطينية المحتلة.
عسقلان وأسدود مدينتان تعود إلى العهد الكنعاني قبل ميلاد السيد المسيح بثلاثة قرون، وقد عمل الاحتلال الاستيطاني على تغيير أسمائها، وإحلال المستوطنين محل أهلها.
حالة الضعف في المنطقة العربية كلها، وتدمير كياناتها القوية: العراق، وسوريا، واليمن، وليبيا، والسودان، ولبنان، وإضعاف مصر، وتونس هي اللحظة الأنسب لإسرائيل والدولة الاسعمارية لفرض التهجير، وتصريحات قادة إسرائيل لا معنى لها غير تحقيق هذا الهدف. خطاب نتياهو عن تغيير خارطة الشرق الأوسط معناه المباشر والجلي هو فرض التهجير على قرابة أكثر من مليوني فلسطيني في غزة، وثلاثة ملايين وربع المليون في الضفة الغربية، ولا تستطيع الحكومات المطيعة والمطبعة عصيان أوامر سيد البيت الأبيض، وعليها قبول نتائج حرب الإبادة المدعومة بالمطلق من أمريكا والغرب الاستعماري.
تدمير المنازل والأحياء على رؤوس سكان غزة، والحرب الشاملة على الضفة والقطاع، وإطلاق الذئاب الإسرائيلية لإبادة غزة وتدميرها، واجتياحات المستوطنين لعموم مناطق الضفة بما فيها ما سمي بألف وباء مناطق السلطة الفلسطينية كلها- تؤكد أن الهدف الأول والأخير هو استكمال التهجير، وفرضه بالحرب الشاملة، وتهديد المنطقة كلها بالبوارج الحربية الأمريكية، وبالأساطيل، وحاملات الطائرات؛ لتركيع الأنظمة التابعة.
تستخدم إسرائيل في حربها على غزة القنابل العنقودية والفسفورية المحرمة دوليًا على مرأى ومسمع من الأنظمة العربية والمجتمع الدولي.
بالأمس القريب، انتفضت الأمة العربية كلها لإحراق البوعزيزي نفسه في شارع من شوارع تونس، واشتعلت المنطقة من الماء إلى الماء، أما اليوم، فإن الإرهابي نتنياهو، وجيشه المكون من عصابات إرهابية يدمر غزة، ويشرد أبناء فلسطين، ويقتل الفلسطينيين في الضفة والقطاع، ويلقى المباركة والسند والعون من أمريكا وأوروبا، ومن يتبعهم من المطبعين العرب، ويساعدهم على ذلك حالة الضعف العربي الذي فرضه الطغيان الحاكم على شعوب الأمة كلها.
بالأمس القريب، كانت فلسطين قضية العرب الأولى، وتشكلت أحزاب قومية، وقامت ثورات وحروب تحرير، وتأسست أنظمة قومية، وبرزت خلافات فكرية وسياسية باسم القضية المركزية الأولى فلسطين.
بمقدار ما عبرت الانتفاضات المتواصلة، والمقاومة الباسلة في الضفة والقطاع عن صمود الشعب الفلسطيني وفدائيته، بمقدار ما أصيب به الكيان الإسرائيلي وجيشه الآتي من عصابات إرهابية شهيرة من إذلال، وبمقدار بوار وخذلان الأنظمة التابعة التي خدمت إسرائيل بقهر شعوبها وحربها على أمتها ومواطنيها.
غزة المحاصرة والمحروبة لبضعة أعوام ترزح تحت حرب إبادة وتدمير كلي، وحرمان من الكهرباء والماء والغذاء، والعجز العربي والمصري بخاصة عن إيصال الماء والغذاء والدواء لغزة المحاصرة- عار الدهر.
حرب الوحوش الإسرائيلية المدعومة من أمريكا وأوروبا يكشف الطبيعة الاستعمارية لهذه الدول المتبجحة بالديمقراطية، والدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان، والمفارقة الراعبة في حين تغدق أمريكا وأوروبا إمدادات الدعم بالمال والسلاح والذخائر على إسرائيلي، تقف جامعة الدول العربية عاجزة عن توفير الحماية لغزة وشعب فلسطين.