مقالات
فلسطين حرب إبادة ومؤشرات فشل
حرب السابع من أكتوبر 2023 لم تكن معزولة عن حروب الاحتلال الاستيطاني المسعرة ضدًا على الشعب الفلسطيني، منذ ثلاثينات القرن الماضي، من قِبل الصهيونية وحلفائها: الأمريكان، والبريطانيين، والأوروبيين.
ما يميّز حرب السابع من أكتوبر أنها حرب إبادة. فمنذ الوهلة الأولى أعلن وزير الحرب هذه الإبادة بالحرمان من الغذاء، والماء والدواء مع القصف المتواصل لأكثر من مئتي يوم.
يزعم نتن ياهو أن حرب الإبادة التي يشنها على غزة من أجل الضغط لإطلاق سراح الرهائن، بينما يصفها بعض الإعلام العربي بالنزاع، وتتخذ منها الإدارة الأمريكية الشريكة في حرب الإبادة صفة الوسيط.
الغريب أن الحاكم العربي، منذ أن قال السادات لكارتر: إنه يملك 99 من أوراق اللعبة، أصبح حريصًا على الوسيط الأمريكي، وتخلى عن الرباعية الدولية، وربما كانت السلطة الفلسطينية الأكثر ارتهانًا لهذه الوساطة الحريصة على استمرار الحرب.
حرب الإبادة تجاوزت المئتي يوم، والوسيط الأمريكي يختزل القضية كلها في وضع اشتراطات كاذبة على اجتياح رفح؛ لإيهام الحاكم المصري، ولتبادل الأكاذيب مع الحكم العربي، ولمواجهة الانقسام الأمريكي حتى داخل حزبه.
ما يجري في فلسطين حرب إبادة تطال كل معالم الحضارة والحياة وعوامل الوجود الفلسطيني كتطهير عرقي، وتدمير معالم وجوده الحضاري والتاريخي لآلاف السنين. الإبادة لا تعني غزة، وإنما تعني وتمتد إلى كل فلسطين أرضًا وبشرًا وتاريخًا.
وحقًا، فإن إلغاء الحقيقة والحق بحرب تعود إلى مطلع القرن الماضي لاحتلال شعب من قِبل آتين من أمم وشعوب شتى، هو المستحيل عينه، وهو ما عجزت عنه بريطانيا العظمى عبر وعد بلفور 1917، وحرب 1948 وما بعدها حتى اليوم، ويعجز عنه اليوم الجيش الإسرائيلي الذي تشترك معه القوة الأمريكية، والمدعوم من بريطانيا وأوروبا الاستعمارية بتعاون كل وسائل العصر الاستخبارية.
العجز عن الانتصار بحرب الإبادة، التي دمّرت غزة، وقتلت أكثر من خمسة وثلاثين ألفًا، وأكثر من خمسة وستين جريحًا غالبيتهم من الأطفال والنساء والمسنين، بالإضافة إلى اليقظة الاحتجاجية، خصوصًا في الدول المؤيدة لحرب الإبادة: أمريكا، وفرنسا، وبريطانيا، وأستراليا، والدولة الإسكندنافية- دفعت وتدفع إلى احتمالات الآتي: هل تستمر الحرب؟ أم هل تنجح الوساطة الثلاثية؟ وما احتمالات استمرار الحرب، وفشل الوساطة والحرب؟ وما عواقب الفشل؟
الاحتمال الأول: استمرار الحرب. فنتن ياهو، وإدارة حربه، والتيار الشعبوي العنصري والاستيطاني مع نهج الحرب، واستمرار الإبادة. يتقمص نتن ياهو روح قادة العصابات الصهيونية، ويستعيد أساطير يوشع بن نون، ومقولة التلمود: "كن يهوديا صِرفًا، وإلا فلا تلعب بالثورات"، بينما هو في حقيقة الأمر صهيوني صرف، واستعماري فاشستي، وإرهابي عنصري متعطش للدماء.
الأهم أن نتن ياهو، وإدارة الحرب والحكومة، قد رهنوا مستقبلهم ومصيرهم بالحرب؛ فنهاية الحرب تعني نهايتهم، إذ هم مساءلون عن فشلهم في حماية إسرائيل، وفشلوا في نجاح الإبادة، والتهجير القسري، وتحقيق وعد يهودية الدولة من البحر إلى النهر.
ما يعزز احتمال استمرار حرب الإبادة أن المبادرة مقدمة من بايدن وإدارته، وهما حريصان على تحقيق غايات الحرب في تدمير حماس، واستعادة الرهائن، وقهر إرادة الشعب الفلسطيني.
يردد نتن ياهو أن اجتياح رفح سيتم باتفاق أو بدونه، وهو يفصل بين الهدنة، واستمرار الحرب على رفح، ويكرر أنه لا توجد قوة على وجه الأرض تستطيع منعه من اجتياح رفح،
وعندما يقول: إنه مستمر في الحرب بدعم أمريكي أو بدونه، فهو يدرك أن بايدن لا يمكن أن يوقف الدعم العسكري والمالي والغطاء السياسي، وأن الخطاب الأمريكي تكتيكي، وليس موجهًا لإسرائيل؛ إذ هو محاولة لتخفيف الضغط الآتي من انقسام حزبه، والاحتجاجات المتصاعدة في المدن الأمريكية، ولبيع الوهم للحكم العربي.
الاحتمال الثاني: نجاح الوساطة. ويقينًا، فإن الوساطة الأمريكية شكل من أشكال استمرار الحرب؛ فأمريكا تريد أن تحقق بالضغط على حماس، عبر مصر وقطر، ما عجزت القوة الإسرائيلية عن تحقيقه.
أليس دالاً أنه عندما ترفض إسرائيل المبادرة تُحَمِّل الإدارة الأمريكية حماس المسؤولية، وتعتبرها العقبة أمام السلام؛ فإدارة بايدن تعتبر حرب إسرائيل ضد فلسطين وضد الأمة العربية حربها، ويشتد الضغط على مصر، وتتوالى الاتهامات لقطر.
وفي حين ترى إدارة بايدن بأنها بالمزج بين الحرب والضغط على مصر وقطر والسعودية للتطبيع، والضغط على حماس- تحقق نتائج الحرب- فإن إدارة الحرب الإسرائيلية ترى أن الحرب -والحرب وحدها- هي الوسيلة الوحيدة للإبادة، والتهجير للفلسطينيين، وقيام إسرائيل من البحر إلى النهر، وإخضاع الأمة العربية لإرادتها.
يراد من الوساطة والوسطاء أن يحققا نتائج الحرب، وتحقيق الأهداف الأساس لإسرائيل، وفرض التطبيع، وتحقق تسيّد إسرائيل على فلسطين والأمة العربية كلها.
بشائر ومؤشرات فشل الحرب جلية، وربما هو ما تستشعره إدارة بايدن، وبعض الحكومات الأوروبية، كما أن المحتجين في أمريكا وبريطانيا وأوروبا مصدر قلق لحكوماتهم.
تصاعد الاحتجاجات في الدول المشتركة والمساندة للحرب، والتململ في حكومات هذه البلدان، وتراجع دعمها المطلق للحرب -ولو شكليًا- مؤشر مهم لفشل الحرب.
العجز عن الانتصار بحرب الإبادة، والعجز عن إجبار الفلسطينيين على ترك وطنهم، واستمرار نهج التطهير العرقي والتمييز العنصري، ومد الاستيطان على كل فلسطين، وإذلال الأمة العربية بالحروب والمكائد والحكام المفجوعين والموالين- كلها تحيل سؤال اليوم التالي إلى قلب إسرائيل، وهو التساؤل عن مستقبل الاحتلال الاستيطاني، وعن الدعم الاستعماري الأمريكي والأوروبي، وعن التطبيع والوجود الأمريكي في المنطقة العربية.