مقالات
في السياسة والحرب
في السياسة لا يتكلم الدّين، ولا تتحدث الثقافة ولا الحضارة. في السياسة المنبر للمصالح فقط دون سواها، فيه تتخاطب وعليه تعتلي. والمصالح خليط شتى، يختلط فيها المال بالسياسة والتجارة بالثقافة، ويتقدم فيها التكتيك على الاستراتيجيا في غير حالة.
فلا دين للسياسة، ولا قاعدة ثابتة لتعريفها أو تصريفها أو للتعاطي الأمثل معها.
قد يقف مسلم مع مسيحي أو يهودي في صراعه مع مسلم. أو يستند كاثوليكي على أرثوذكسي، أو شيعي على سُنّي، ضد أخيه في الدين أو المذهب، أو يؤازر فرانكفوني "انجلوسكسوني" في مواجهة "فرانكفوني" ، أو يحارب يمني إلى جوار من يكره اليمن وأهلها.
في مجال بعيد عن السياسة، لا يغدر حيوان بحيوان لصالح الانسان!
تأسيساً على هذا المثال - مثالاً - ما حدث مؤخراً في ساحة الحرب الأذريّة - الأرمنيّة، وأثار التساؤل الاستنكاري في هذا الإطار أو لفت إلى المشهد الشاذ في هذا المضمار. وما حدث ثمة لم يكن سابقة في التاريخ، ولن يكون بالضرورة خاتمة للموضوع. ففي الحروب - كما في السياسة - تستوي الجمرة والتمرة، وتغدو المُسلّمات أوهاماً، وتتزحزح الثوابت بعيداً عن أمكنتها.
إذا ما لقيت الابن يقتل أباه، والأخ يقتل أخاه في لعبة السياسة ومعتركها الخرائبي الدامي، فكيف لك لحظتئذٍ أن تتفكّر في دين أو مذهب، أو تتأمل في فكر ثقافي أو بُعد حضاري. وما زالت عبارة نابوليون بونابرت تتردد في الأرجاء - متجاوزةً تخوم التاريخ وحدود الجغرافيا - حين أشار بعقيدة راسخة إلى أن "الله يقف مع المدفعية الثقيلة" وحدها.
فلا هلال ولا صليب ثمة في السياسة، ولا في الحرب.
لك أن تدرس القِيَم وتقرأ في المُثُل، وتتحدث عن المبادئ، كما تشاء، ولكن خارج حدود نهج السياسة ومنهج الحرب.
ففي السياسة، كما في الحرب، تنعدم الأخلاق أولاً وتالياً، مثلما تنعدم تماماً من القاموس والناموس - مفردةً ومعنى- ملفوظ "مبدأ". ولا عجب في حالة امرئ تأتي به إلى بيئة غير سياسية، وفي مشهد السلم، فترصد سلوكه مع الذات والآخر، ومجريات الواقع، ثم تحيد به إلى بيئة تنضح سياسةً أو في مشهد الحرب، فتجد الفرق الشاسع والبون الواسع بين سلوكه السابق والجديد، اذْ يتبدل هذا السلوك من الضدّ إلى الضدّ - شكلاً وموضوعاً - بمجرد هذه النقلة من تلك البيئة إلى الأخرى.
إن اللعبة السياسية تكشف كثيراً من الحقائق كانت غائبة عنك، حين كنت بعيداً عن أجواء تلك اللعبة. إنها تكشف معادن الناس على أصولها، وأخلاقهم الحقيقية من دون قشور ولا رتوش أو أقنعة. وفي أتون الانغماس في هذه اللعبة، يستوي المنتمي إلى عرق آريّ أو دم أزرق مع ذي العرق الأخضر والدم الأحمر أو حتى الأسود. كلهم - بدون استثناء - يغدون كلاباً مسعورة، ويجيدون النباح بدلاً عن الغناء .
الأمور ذاتها، والصفات نفسها، التي تنطبق على اللعبة السياسية وأهلها، تنطبق تماماً على لعبة الحرب وأطرافها.
انظر حواليك ترَ النماذج شتّى، والحالات تترى في هذه وتلك.
ففي السياسة والحرب يستوي سليل الأنبياء وربيب الشياطين. لا فرق البتة!