مقالات

في كرة القدم وشغفها!!

02/07/2021, 09:18:45
المصدر : خاص

أنا متابع شغوف لأخبار كرة القدم وبطولاتها الكُبرى، وبداية تكويني الثقافي أسهمت بها المطبوعات الرياضية (مجلة الصقر القطرية، ومجلة الرياضي الكويتية، وجريدة النادي الأهلي)، والأخيرة لي معها قصة عجيبة غيّرت مسار حياتي تقريباً، منذ التبَست عندي -ذات ليلة بعيدة- مع جريدة حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي المصري اليساري (الأهالي)، ورويتها ذات يوم بقولي:

"في مساء صيفي من العام 1983م، بقيت أتردد على مكتبة الوعي الثوري في شارع 26 سبتمبر منذ دخول العصر، بعد إعلامي أن الصحف المصرية وصلت، وستُوزع في أي وقت من مساء ذات اليوم، وفعلًا وصلت الجرائد في وقت متأخر قبل إغلاق المكتبة بقليل، ومن كثر استعجالي أخذت الصحيفة بعنوانها الأحمر، ثم صعدت مستعجلاً من الزقاق المظلم، للحاق بموعد العشاء، وحينما اختليت إلى فراشي في الغرفة السفلية لمطالعة الصحيفة، اكتشفت أنّي حملت معي صحيفة عريضة ملطخة بالحبر ليس بها أخبار رياضية، وبها أخبار سياسية كثيرة، أذكر منها خبراً بارزاً عن فعاليات ونشاطات سياسية للنقابات المصرية ضد التطبيع، وأخباراً أخرى عن نشاطات رئيس الحزب، ومواد طويلة أخرى، وكان للرياضة نصف صفحة داخلية بائسة، بها أخبار عادية وهامشية، حدقت مليّاً في اسم الصحيفة، كان اسمها 'الأهالي' بعنوانها الأحمر بدلًا عن صحيفة 'الأهلي'، التي يأخذ اسمها في الترويسة اللون الأحمر نفسه، التي كنت أقصدها في الاستعارة العجلى.

لم يكن باستطاعتي العودة مرّة أخرى إلى المكتبة، التي كان موعد إغلاقها قد تم من وقت طويل، فبدأت أقرأ الأخبار القصيرة، ومطالعة الإعلانات للتسلية، لكنّي وجدت نفسي مندمجاً بقراءة موضوعات وأخبار غير قصيرة، عن الحرب الباردة، ومؤامرة أمريكا على كوبا، وحين صحوت صباحاً، وقبل إرجاعها، استكملت مسحها من الصفحة الأولى إلى الأخيرة. صحيح أن الموضوعات بعناوينها كانت فوق مدركاتي الصغيرة، لكنّي بدأت بالانجذاب إليها، وشعرت معها أنّي قريب من خطابها، لهذا صِرت أتابعها من وقت لآخر، وإن كان شغفي بالرياضة وأخبارها لم يزلْ مقدّماً على ما سواها من اهتمامات"، - 'منصة خيوط'. ولم أزل حتى اليوم احفظ أسماء لاعبي الأندية والمنتخبات، وأشجّع أندية كبيرة، ومنتخبات منذ أكثر من أربعين عاماً (مثل بايرن ميونخ، وليفربول، ويوفنتوس، وبوكاجونيورز، والنادي الأهلي، ومنتخب الأرجنتين، ومنتخب فرنسا و.. و...)، أقعد ساعة كاملة يومياً أمام شاشة التليفزيون، أتابع حصاد الرياضة من قناة "بي إن سبورت" بكل التفاصيل الدّقيقة التي توردها، واتسمَّر في كثير من الحالات لقرابة ساعتين لمتابعة مباراة شيّقة بين منتخبين أو نادِيين كبيرين.

وغير كرة القدم تستهويني لعبة 'التنس الأرضي'، ولديّ حصيلة معرفية معقولة عن نجوم ونجمان 'التنس الأرضي'، منذ  السويدي بيورن رون بورغ،  والأمريكي الأعسر جون ماكنرو، والتشيكية القوية مارتينا نفراتيلوفا، وصولاً إلى روجيه فدرير، ورفائيل نادل، ونوفاك جوكوفيتش، وسيرنا ويليامس، ونعومي أوساكا، وأنس جابر.. بقيت أحتفظ بصور للاعبة الجمباز الرومانية ناديا كومانتشي لفترة طويلة، ضمن أرشيفي الرياضي من مجلات وصحف منذ حصدَتْ العلامة الكاملة في ألعاب الجمباز في أولمبياد "مونتريال" بكندا في العام 1976م.

أحببت بجنون ماردونا منذ كأس العالم للشباب، التي فازت بها الأرجنتين في العام 1979 في اليابان، وتوّج فيها كأفضل لاعب، وذلك بعد عام واحد من فوز منتخب الأرجنتين الأول بكأس العالم بقيادة الهداف ماريو كيمبس، وأحببت ميشيل بلاتيني منذ صار لاعباً في 'يوفنتوس' وكارل هانز رومنيجه لاعب 'بايرن ميونخ'، ومحمود الخطيب لاعب 'النادي الأهلي'، وجاسم يعقوب لاعب 'نادي القادسية' الكويتي، ومنصور مفتاح في 'نادي الريان' وحسين سعيد لاعب 'نادي الطلبة' العراقي، واليوم صرت أعشق ميسي لفنّه، ورونالدوا لمثابرته ومواقفه الإنسانية، واستمتع بلعب البلجيكي الأنيق كيفين دي بروين لاعب 'مانشستر سيتي'.

المناسبات الرياضية الكبيرة  تملاْ الكثير من ذهني بالشغف، مثل بطولة 'أمم أوروبا'، التي تُقام هذه الأيام في أكثر من عشرة ملاعب في أهمّ مدن أوروبا (لندن، روما، بوخارست، ميونخ، جلاسكو، كوبن هاجن، أشبيلية، أمستردام) لأول مرّة في تاريخ البطولة.
هذه البطولة بدأت متابعتها  بالقراءة منذ نسخة 'يورو 80'، التي استضافتها إيطاليا، وشاركت فيها ثمانية منتخبات فقط، تقابل في نهايتها منتخبا ألمانيا الغربية وبلجيكا، وانتهت وقتها بفوز الألمان بهدفين لهدف.
أما أول مشاهدة لي للبطولة، فكانت في نسخة فرنسا في يونيو من العام 1984، التي فازت بها فرنسا لأول مرّة، بتغلّبها في النهائي على إسبانيا بهدفين نظيفين.

في تلك النسخة، قدّمت فرنسا للعالم لاعبين عباقرة، مثل  ميشيل بلاتيني وتيجانا.
وفيها سجل ميشيل بلاتيني (لاعب الوسط الأنيق) تسعة أهداف كاملة، وضعته على رأس قائمي هدّافي البطولة عبر تاريخها، حتى جاء من يحطم هذا الرقم في 'يورو 2021'.
أتذكر من هذه البطولة أنها أُقيمت في شهر رمضان، وكنت أرافق بعض أصدقاء الطفولة  الشغوفين بكرة القدم إلى سوق المنطقة لمشاهدة بعض المباريات، التي تلتقط من بثّ 'قناة عدن' بالأبيض والأسود.

اليوم في 'يورو 20'، التي تلعب بعد عام كامل من موعدها الأصلي، بسبب جائحة 'كوفيد- 19' للعالم، أخذت البطولة طابعاً مختلفاً، بسبب تعدد ملاعب المنافسة في شرق القارة ووسطها وغربها، حتى إن ملعباً آسيوياً بالمعنى الجغرافي دخل في البطولة، وهو ملعب العاصمة الأذربيجانية الأولمبي (كون أذربيجان الدولة الآسيوية الإسلامية المُطلة على بحر 'قزوين'، في وسط آسيا، تلعب في البطولة الأوروبية، وعضواً في اتحادها القاري 'يويفا - UEFA')، هذا التمدد الأول في تاريخ البطولة أظهر تعدد  أوروبا الثقافي، وأظهر مدى شغف العالم بكرة القدم، وأنها صارت لعبة تتطوّر في كل البلدان، وأن كثيراً من المنتخبات، التي كان يُنظر إليها بالمتواضعة، صارت اليوم تلعب أدوراً متقدّمة في البطولة.

أكتب هذه المادة بعد أن وصل ثمانية منتخبات إلى دور الثمانية [إيطاليا، وبلجيكا، وإسبانيا، وإنجلترا، وسويسرا، وتشيكيا، وأكرانيا، والدنمارك]، بعد أن خرجت من الدور ثمن النهائي (دور 16) منتخبات وازنة، وكانت مرشّحة للذهاب بعيداً في البطولة، مثل: ألمانيا، والبرتغال، وفرنسا، وهولندا، وكرواتيا.

في هذه البطولة شاهدنا ملاعبَ ممتلئةً بالجماهير، منحت المباريات مذاقاً خاصاً، خصوصاً جماهير ملعب 'بوشكاش أرينا'، في العاصمة المجرية (بودابست)، قدّم فيها المنتخب المجري مستوًى متطوراً، أحرج منتخبات مجموعة الموت، التي ضمت إلى جانبه: فرنسا بطلة العالم في 2018، وألمانيا بطلة العالم في 2014، والبرتغال بطلة أمم أووربا 2016 - وبطلة دوري الأمم الأوروبية 2019.

شاهدنا لاعباً مثابراً، مثل كريستيانو رونالدو البرتغالي، يحطم رقم ميشيل بلاتيني الفرنسي كهداف تاريخي للبطولة، بتسجيله خمسة عشر هدفاً على مدى خمس بطولات، "بين عامي 2004 و2021"، بعد أن توقف رصيد الثاني عند تسعة أهداف، سجلها في بطولة واحدة، وهي بطولة العام 1984، التي استضافتها فرنسا، وعادل بها، مع مجموع أهدافه مع منتخب البرتغال، الرقم التاريخي لهدّاف المنتخب الإيراني علي دائي، بمائة وتسعة أهداف.

وشاهدناه يزيح جانباً زجاجات الكوكاكولا (أحد رُعاة البطولة) من أمامه، أثناء مؤتمر صحافي، محرّضاً الجميع على شرب المياه بدلاً عن تناول المشروبات الغازية، في فعل أسال الكثير من الحِبر حول تأثّر أسهم الشركة العملاقة  جراء هذا الفعل الشجاع، الذي لم يجرؤ أحد غيره على فعله، إلاّ ما فعله اللاعب الفرنسي بول بوجبا الذي أزاح زجاجة  بيرة من أمامه، غير أن الفارق بين الفعلين أن الأول قُرئ من زاوية صحيّة، والآخر من زاوية دِينية.

بطولة تمنح متابع مبارياتها وأخبارها متعة خالصة، يستوي معها القول المركّب على هيئة استفهام: أي كائن هذا الذي لا يتملكه الشغف بمشاهدة كرة القدم، أو "من المُحزن حقاً أن لا يملك البعض شغفاً بكرة القدم!"، حسب قول بليغ لصديقي أحمد الولي.
بتوقيت بطولة أمم أوروبا ذاته، ينظِّم اتحاد أمريكا اللاتينية لكرة القدم بطولة 'كوبا أمريكا  2021'، من عشرة منتخبات في دولة البرازيل، بعد استبعاد كلٍ من الأرجنتين وكولومبيا من التنظيم المشترك، بسبب جائحة 'كورونا'، وأسباب تنظيمية أخرى، فتلقفتها في آخر لحظة بلاد 'السامبا' بعد معارك قضائية ونيابية.

غير أن هذه البطولة لا تحظى بمتابعة بطولة أوروبا ذاتها، ليس فقط بسبب مواقيت مبارياتها المتأخرة، وإنما لمستواها المتواضع قليلاً عن بطولة 'اليورو'، و'ملاعبها الكابية'، رغم ترسانة النّجوم التي تلعب في هذه البطولة، مثل: ليونيل ميسي، نيمار، كافاني، لويس سواريز، تياغو سيلفا، كلاوديوبرافو، أرتوروفيدال، دي ماريا، سرخيو اجويرو، وغيرهم.

مقالات

الوجود كصُدفة..تأملات عن الحرية

كلّ شيء يؤكد أنّ وجودنا مجرد صُدفة. ولدنا دون تخطيط، ولا أهداف محدّدة. كان يُفترض أن تستمر حياتنا مدفوعة بالمنطق البرئ نفسهض. لكنّنا تعرضنا لخديعة وجودية مرعبة، تورطنا في قبول تصورات أولية جعلت وجودنا مقيّدًا للأبد.

مقالات

المصائب لا تأتي فرادى!

قُدِّمَتْ صنعاء على طبق من فضة، أو ذهب، للمليشيات كما لم يحدث من قبل عبر التاريخ، التي بدورها استولت على كل مقدرات الدولة والجيش والشعب في غمضة عين من التاريخ والعالم والزمن، وتحالف أبشع رأس نظام سابق مع أبشع سلطة أمر واقع لتحقيق غاية واحدة

مقالات

نمذجة مقيتة

لطالما ردّدتُ أنني لا أخشى السلطة بقدر خشيتي من كلابها! وعلى القارئ الكريم أن يستبدل مفردة الكلاب بأية صفة أخرى يراها ملائمة. ولعلّ من الأمثلة الساخرة على هكذا صورة مقيتة:

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.