مقالات

لا للتطبيع

02/09/2024, 08:11:44

يمتاز المثقف عن السياسي في مضمار التعاطي مع القضايا العامة (القضايا المتصلة بالدولة والمجتمع) أن السياسي قد يُغلِّب حالةً من الديماغوجيا أو البراجماتيا في اتخاذ هذا الموقف، أو إبداء ذلك الرأي تجاه هذه القضية أو تلك المسألة، أما المثقف فالمتوقع منه، أو المفترض فيه أن يكون أكثر احتكاماً إلى صوت العقل والضمير في مواقفه وآرائه؛ لأنه أكثر التصاقاً بالغالب الأعظم من الجماهير من جهة، ومن جهة أخرى يكون أكثر قلقاً وحذراً تجاه أحكام التاريخ والأجيال بهذا الصدد.

تأسيساّ على هذا المفهوم، ومنذ أن برزت ظاهرة التطبيع مع الكيان الصهيوني إلى سطح القضايا الجاذبة للاهتمام العام في الديوان العربي والشارع العربي، على السواء، كان المهرولون في هذا الدرب من الساسة يتزايدون، فيما المتهافتون من المثقفين يتناقصون. وإذا راح شيطان التطبيع يُخرج لسانه للتاريخ وللأجيال في ميادين عدّة، أبرزها السياسة والاقتصاد، فإن ميدان الثقافة ظل يغصّ بالأشواك على طول الخط.

وعندما أبرمت دويلة الإمارات اتفاقاً مع دويلة إسرائيل؛ لإقامة حالة تطبيع متكاملة في شتى الميادين، كانت هذه الخطوة مستفزة لمشاعر ومقدّسات العرب، وأثارت سخطاً واسعاً في أوساط المثقفين العرب، الذين لم يكتفِ عدد منهم بالتنديد بهذه الخطوة الوقحة، بل أعلنوا مقاطعتهم لجملةٍ من الفعاليات والملتقيات والمهرجانات والجوائز التي تعقدها وتستضيفها وتصرف عليها أبوظبي.

هذه المشاعر والمواقف، التي صدرت عن عدد غير قليل من المثقفين العرب، ليست جديدة ولا شاذة، بل سبق حدوثها وتكرارها في حالات عدّة سبقت وشابهت الحالة الظبيانية.

فلما زار الرئيس السادات دار الكيان الصهيوني صدرت مواقف ساخطة من المثقفين المصريين أنفسهم قبل أشقائهم العرب، واتخذت اتحادات ومنظمات ونقابات الأدباء والصحافيين والفنانين وسائر المبدعين في القاهرة إجراءات حازمة ضد كل من يدعو إلى التطبيع مع ذلك الكيان، أو مع أيٍّ من مؤسساته وتكويناته، أو يزور تلك الدويلة، أو يشارك في أية فعالية مع مثقف أو سياسي أو ناشط إسرائيلي. 

ونذكر يومها طبيعة الموقف الذي اُتخذ ضد الكاتب المسرحي الكبير علي سالم، وفي وقت لاحق ضد الفنان التشكيلي جورج البهجوري، وضد سواهما من مثقفي ومبدعي مصر.

وثمة حالات مشابهة حدثت مع غير أديب أو فنان تورَّطوا بالمشاركة في فعاليات وملتقيات خارج الوطن العربي، متزاملين مع مثقفين إسرائيليين، عدا أنهم راحوا في غير مناسبة يدعون إلى إقامة علاقات ثقافية أو إلى عقد حوار ثقافي مع مؤسسات صهيونية.

والأمر ذاته حدث مع الشاعر الكبير سعيد عقل على إثر تأييده الشائن للغزو العسكري الإسرائيلي لبلاده في 1982م، واقترافه جرائم إبادة في "صبرا وشاتيللا" لن تنساها الذاكرة الإنسانية أبد الدهر!

أكدت هذه المواقف وتلك المشاعر على جملة من الحقائق الساطعة في مجرى الصراع الشامل مع هذا الكيان المجرم، وبضمنها الصراع الثقافي والهوية، لعل أبرزها ما يشير إلى حقيقة أن يسعى سياسي عربي إلى التطبيع مع إسرائيل، أو يسعى تاجر عربي، أو تسعى راقصة عربية، فهذا أمر وارد، وقد صار من نوافل الواقع العربي اليوم، واعتيادات المشهد فيه، وربما لم يعد يثير زوبعة إلاَّ إذا كانت زوبعة في فنجان.

أما أن يسعى مثقف عربي أو تكوين ثقافي عربي إلى ذلك فهذا أمر آخر، قد تختلف مسمياته، ولكنها كلها ستصب في صفة واحدة: دعارة ثقافية!

مقالات

هكذا تكلم المناضل صاحب "اللستة"!

في اليمن، يمكنك أن تتعامل مع الحرية بالمسطرة التي تحددها تحيزاتك. ما تمنحه لنفسك يمكنك أن تمنعه عن غيرك بكل بساطة، بل الأدهى إضفاء طابع أخلاقي للمنع!

مقالات

شاعر سبتمبر وأكتوبر الكبير عبدالله عبد الوهاب نعمان (1)

كما أن السياسة ليست شارعاً واحداً، فإن الثورة ليست خطاً واحداً تعزف عليه الرصاص نشيد النصر والفرح، وإنما الثورة متعددة الخطوط عديدة المواقع، كل خط يؤازر موازيه، وكل موقع يساند مقابله؛ لأن الحياة كل والثورة هي كل عطايا الحياة، وأجمل عطايا الأحياء، فلكي تتآزر خطوطها وتتواصل مسيرتها تتعدد المواقع الثورية، ثورة الزنود إلى جانب جمرات القلوب، وثورات المحاريث والمعاول إلى جانب ثورات المعازف والأغاني والأشعار والأفكار.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.