مقالات

لماذا نخجل من القول: إننا جائعون أو مرضى؟

09/08/2025, 15:13:34

قرأت معظم ما جاء من مقالات صدرت في كتاب بمناسبة أربعينية الشاعر فؤاد الحميري.

جميع تلك المقالات تحدثت عن صفة مهمة، هي شعور فؤاد الحميري بالكرامة، معظمهم قالوا بصورة أو بأخرى إن فؤاد لم يحاول طلب المال من أحد سواء حين كان جائعا أم حتى في مرضه الأخير المميت، وبعضهم قالوا كنا نحاول بطرق ملتوية حتى نمنحه المال.

في تلك المقالات هناك شيء خفي، لقد أراحنا فؤاد الحميري من عناء تقديم المساعدة المادية له، وذلك في أعرافنا كرامة.

ما كان يفعله فؤاد ـ رحمه الله ـ لم يكن نتاج صفة الخجل الفردي الذي عرف به فقط، بل كان مزيجا من تربية اجتماعية قاسية نشأنا عليها جميعا.

نحن نخاف أن نقول: نحن جائعون أو مرضى، وبحاجة إلى المساعدة.

لقد تربينا بطريقة تجعلنا نتصرف في أصعب الأوقات وكأننا لا نريد لهذه الذات أن تهتز، أو أن تُجرح على مستوى الكرامة.

لكن الاحتياج دائما لا يرتبط بالضعف، وطلب المساعدة ليست دائما نقصا في الرجولة أو الكرامة.

الكثير يخفي جوعه ومرضه كما لو أنه أحد العيوب التي يحاول تغطيتها.

الحديث عن الجوع اليوم أو المرض ليس نقصا في الكرامة، بل هو نتيجة فشل سياسي واجتماعي كبير، وانهيار في منظومة الحقوق الإنسانية.

الشباب الذين يعانون البطالة ليسوا أناسا لا يتحملون المسؤولية، وليسوا عاجزين، وليست قضيتهم قضية أخلاقية أو ذاتية، بل هم يعانون بسبب الفشل السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وانهيار منظومة الحقوق.

بين فترة وأخرى نرى الكثير من الحملات في فيس بوك أو تويتر أو مواقع التواصل الاجتماعي لإنقاذ ذلك الناشط أو السياسي أو الكاتب أو الصحفي أو الإعلامي أو الشخصية الاعتبارية من الموت جوعا أو مرضا.

يتبرع البعض، لكن الموضوع لا يتعلق بكون المرء ضعيفا ومحتاجا.

المؤسسات والجهات والكيانات التي ينتمي لها هؤلاء الأشخاص، أو التي عملوا معها لسنوات طويلة لو أنها منحتهم أقل حقوق الإنسان وهي التأمين الطبي مثلا وتأمين التقاعد، ربما لما رأينا الكثير من هؤلاء الأشخاص الذين تحولوا إلى حالات تسول لأشخاص يتألمون حينما يمد لهم أحدهم يد العون، لأنهم يعتقدون أن أول مبلغ يأخذونه في حالة الضعف هو أول جرح في تاريخ الكرامة الذاتية، وأول ضربة موجعة لصورة الذات التي بنيناها لعقود.

لماذا نخاف أن نقول نحن جائعون أو نحن مرضى وبحاجة إلى المساعدة أو العلاج؟

لم يعد الناس يعرفون الفارق بين الكرامة والحقوق، ورغم التعريفات الكثيرة للكرامة، إلا أننا نحمل المفهوم الخاطئ والأصعب، وهو الاستغناء المطلق عن الناس.

في الأدبيات الحقوقية، الحق في الغذاء أو العلاج ليس منّة من أحد، بل التزام سياسي واجتماعي على الدولة والمجتمع تجاه كل فرد.

لهذه الأسباب جميعها يفضل البعض الموت في المستشفيات مرضا أو جوعا على أن يتحول إلى حالة إنسانية يتداولها الناس، أنقذوا فلان وتفقدوا فلان فإنه جائع أو لا يملك إيجار منزله.

أنا كاتب هذا المقال ورغم الجرأة في ما كتبته في المقال، إلا أنني أنتمي لكم وأكثر الناس جبنا وخجلا من أن أقول أنا جائع أو أنا مريض، وبحاجة للمساعدة.

مقالات

حضرموت .. أزمة واحدة وسرديتان

هذا نصٌّ تحذيريٌّ يحاول قراءة مسارٍ يتشكّل أمام أعيننا لا مجرّد سرد أخبارٍ متفرّقة. خلال الأيام الأخيرة تمدّد الغضب المعيشي في حضرموت من انقطاعات الكهرباء والوقود إلى ساحاتٍ أوسع، فيما تصاعد الجدل حول معنى “النظام والقانون” وحدود القوة. في الوادي، خصوصًا تريم وسيئون، بدأت الحكاية من مطالب خدميةٍ واضحة ثم انزلقت إلى احتكاكاتٍ وتفريقٍ بالقوة وتوقيفات. ظهرت تعبيراتٌ قبليةٌ رمزيةٌ تؤشّر إلى أن المجتمع يرفع سقف حمايته الذاتية حين يشعر بأن القنوات المؤسسية لا تُنصفه. هذا لا يحوّل الاحتجاج إلى فعلٍ قبليٍّ خالص، لكنه يذكّر بأن الفراغ السياسي يُملأ سريعًا بأطرٍ اجتماعيةٍ تقليدية عندما تغيب الاستجابة الجادّة.

مقالات

الزمن اليمني الجميل .. ما هو؟

سوى الذكريات.. ذكريات الزمن، ذلك القريب منه والبعيد، الجميل فيه وغير الجميل، لم يعد ثمة ما تهتم به غالبية اليمنيين في حاضرها، هروباً مؤقتاً من واقعها المحاصر باليأس والإحباط، أو التفكير في مستقبلها الغامض المجهول.

مقالات

الوصفة السحرية لصناعة القطعان

منذ زمن طويل، يحاول علماء النفس وفلاسفة السلوك فهم العلاقة بين الذاكرة والذكاء؛ فكلاهما من أعمدة الشخصية الإنسانية، لكن تفاعلهما قد ينتج صورًا متباينة جذريًا من البشر. وإذا أردنا تبسيط هذه العلاقة، يمكننا النظر إليها عبر ثلاثة أنماط رئيسية:

مقالات

المعنى آخر أسلحتك للبقاء

ليست المتاعب ولا الصدمات، لا الفشل ولا كل ضروب القسوة، هي ما قد تدفعك إلى الانتحار، مهما كان ما تواجهه من حياة موحشة؛ بمقدورك مجابهتها، حتى لو كنت وحيدًا جدًا وتعيش في صحراء خالية من البشر،

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.