مقالات

ماذا تبقّى من "عمر الجاوي" بعد ربع قرن من رحيله؟

22/12/2022, 18:21:52

قبل رُبع قرن تماما (23 ديسمبر 1997م) توفي عمر عبدالله السقاف (عمر الجاوي)، الرمز الوطني الكبير، عن ستين عاماً، ودُفن في مقبرة الوهط بلحج، حيث وُلد في العام 1938م، بعد حياة شديدة التنوّع والثراء لجهة الأنشطة والمِهن التي ارتبط بها، أو صارت جزءاً حيوياً من التعريف به، والساندة لتاريخه الشخصي اللصيق ببعض محطات التاريخ اليمني المفصلي في أربعين عاماً، بين منتصف الخمسينات ومنتصف التسعينات، في مُدن مثل القاهرة، وتعز، وموسكو، وصنعاء، وعدن.

ففي الأولى (القاهرة) بزغ نجمه "الشاب" كناشط طلابي في صفوف مؤتمر الطلاب اليمنيين الموحّد، الذي انعقد في يوليو 1956م، وناشط سياسي في إطار الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو) - منظمة سياسية شيوعية مصرية - وتم طرده مع محمد جعفر زين السقاف ومحمد عبدالله باسلامة في العام 1959، بعد أحداث مدينة طنطا بين الطلاب اليمنيين المنقسمين حول أحداث الموصل المشهورة (صدام بين البعثيين والناصريين من جهة والشيوعيين القريبين من عبد الكريم قاسم من جهة ثانية)، وتعرّض الطلاب الماركسيون في طنطا للضرب من قِبل الطلاب البعثيين والحركيين بإيعاز وحماية من الأمن المصري، حين كانت علاقة النظام بالبعثيين قويّة في السنوات الأولى للوحدة المصرية - السورية في إطار "الجمهورية العربية المتحدة"، قبل أن تنقلب إلى الضد بعد  الانفصال الذي قاده البعثيون في 1961م، ليشرب البعثيون من الكأس نفسها.


وفي الثانية (تعز)، حين وصلها مطروداً مع رفيقيه، ووصلها بعدهم بأسابيع قليلة 24 طالباً متضامناً، منهم: محمد أحمد عبد الولي، أبوبكر السقاف، أحمد الشجني، عبدالله حسن العالم، حامد علوي علي حميد شرف، جعفر عيدروس السقاف، خالد فضل منصور، عمر غزال، حمود طالب، ومحمد عمر إسكندر عبد السلام الحداد، نجيب عبدالملك أسعد، أحمد الخربي وغيرهم، وعمل فيها في صحيفة الطليعة - التي كان يصدرها عبدالله عبد الرزاق باذيب في تعز، الذي طردته هو الآخر السلطات الاستعمارية من مدينة عدن بسبب مقالاته الصحافية - قبل أن يعاد ابتعاثه (أي الجاوي) من جديد إلى الاتحاد السوفييتي مطلع الستينات.


في الثالثة (موسكو)، حيث صار طالباً في كلية الصحافة بجامعة موسكو، ورئيساً لرابطة الطلاب اليمنيين في عموم الاتحاد السوفييتي، وتخرج  منها مطلع العام 1967م بعد حصوله على الماجيستير (الدبلوما) عن رسالته "الصحافة النقابية في عدن 1957 - 1967".

 في الرابعة (صنعاء)، التي  استقر بها ابتداء من منتصف 1967م، في لحظة مفصلية من تاريخ النظام الجمهوري، بعد أن استطاعت القوات الملكية التضييق على العاصمة، والبدء بحصارها، مستغلة خروج القوات المصرية وانقسام الصف الجمهوري.. فلم يتوانَ في تسلّم رئاسة تحرير "صحيفة الثورة"، حينما كان محمد عبده نعمان وزيراً للإعلام في حكومة ما بعد 5 نوفمبر.. وحين اشتد حصار المدينة كان ضمن القيادة المدنية للمقاومة الشعبية التي تشكّلت للدفاع عن صنعاء، ورأس نشرة المقاومة الشعبية التي رفعت شعار "الجمهورية أو الموت".

 بعد أحداث أغسطس 1968، كان مطلوباً للاعتقال، لكنه  اختفى لمرتين الأولى في صنعاء والثانية في الحديدة، حيث ساهم بشكل مباشر في تشكيل حزب "العمال والفلاحين"، مع رفيقه في المقاومة سيف أحمد حيدر - صار الحزب لاحقاً يحمل اسم حزب "العمل اليمني"، بعد إعادة هيكلته في 1971م، وله  امتداد في عدن.

في الخامسة (عدن)، التي انتقل إليها بشكل دائم  في العام 1969م؛ تولّى رئاسة هيئة الاذاعة والتلفزيون مطلع السبعينات، وكان ضمن الهيئة التأسيسية لاتحاد الأُدباء والكُتاب اليمنيين في أواخر اكتوبر 1970 (26 أكتوبر)،  وفي أبريل 1971م، أعاد إصدار مجلة "الحكمة" باسم "اتحاد الأُدباء"، بالإضافة ترؤسه لدائرة الإعلام والنشر في الاتحاد، قبل أن يصير أميناً عاماً متفرّغاً، ابتداء من المؤتمر الثاني، المنعقد في صنعاء في 1980، إلى جانب عمله سكرتيراً للجنة الدستورية المشكّلة ببيان طرابلس (نوفمبر 1972)، التي أنيط بها إنجاز دستور دولة الوحدة.


في المؤتمر العام الرابع للاتحاد في 1990- بعد أن تحقق الشعار المرفوع للاتحاد طيلة عقدين كاملين (تحقيق الوحدة اليمنية في الصدارة من مهام أجيالنا المعاصر)- ترك موقع الأمين العام ورئاسة تحرير مجلة الحكمة ليتفرغ تماماً لحزب "التجمع الوحدوي اليمني"، الذي أعلن قيامه في 3 يناير 1990م، مع رفيقه محمد عبده نعمان، كأول حزب يعلن عن نفسه في عدن، بعد شهر واحد فقط من التوقيع على اتفاقية الوحدة (30 نوفمبر 1989).

(2)

الإجابة عن السؤال المتبقي من الجاوي بعد رُبع قرن من رحيله والموضوع كعنوان للمادة، تختزلها  بكل تأكيد كل هذه السيرة النيّرة التي حوّلته إلى رمز كبير في تاريخ اليمن المعاصر، ولا يمكن لأحد المزاودة عليها، والمتبقّي منه أيضاً جملة أعماله المطبوعة في الأدب والثقافة والسياسة والشأن العام.


 سيبقى كتابه  (الزبيري شاعر الوطنية)، الذي أثار وقت صدوره في العام 1973م جملة من ردود المثقفين المتنوّعة، واحدا من كتب المقاربة المهمّة للمنجز الوطني لأبي الأحرار، الذي انقسم حوله المثقفون.
وكتابه (الصحافة النقابية في عدن )، الذي هو في الأصل موضوع رسالته العلمية في جامعة موسكو، يتصل بتحليل فترة في غاية الأهمية من تاريخ عدن بين 1957 - 1967م، متعلقة بنضال النقابات العمالية ضد الوجود الاستعماري، التي استخدمت صحيفتيها "العامل" و"العمال".


وكتابه (حصار صنعاء)، حيث نقل تفاصيل كثيرة عن المدينة تحت الحصار الملكي في شتاء 1967م، ودور المقاومة الشعبية في الدفاع عن  العاصمة، بعد أن هرب منها المسؤولون الحكوميون، وكبار قادة الجيش.
وكتاب "السياسة الاستعمارية البريطانية في عدن" للباحثة الروسية فالكوفا، الذي قام بترجمته من اللغة الروسية إلى العربية، ليضع القارئ أمام رؤية الاستشراق الروسي لممارسات الاستعمار الأوروبي في بلدان العام الثالث، وأنموذجها عدن، ومجموعته الشعرية الوحيدة (صمت الأصابع)، التي صدرت بعد وفاته بستة أعوام، وتقدّمه في مسار إبداعي يجهله الكثيرون.

فالمجموعة في محصّلتها استبصارات كتابية لموضوعات متجسّمة وملتقطات لوقائع  وحالات لم تَسِلِ في الكتابة السياسية عند صاحبها بل تقطّرت جمالياً في نصوص شعرية، بمستدركات ظرفية لا يمكن أن تحاكم بأدوات قراءة تتقدّم بعض نصوصها بأكثر من نصف قرن، كما قلت ذان مرة في تناولي لها: وتبقى افتتاحيات مجلة الحكمة، التي كتبها على مدى عشرين عاماً، وتضمن بعضها كتاب "عشر سنوات ولم يزل حياً"، الذي صدر بعد وفاته بعشرة أعوام، هي الصوت الأنقى للجاوي في رؤيته للقضايا الوطنية الكبيرة وفي مقدمتها قضية الوحدة التي كرس معظم حياته للمناداة بها، والتنظير لها، ودخل في سبيلها عشرات المعارك والسجالات والمناظرات مع مثقفين وسياسيين في الشمال والجنوب، وإن استهدافه بمحاولة اغتيال في صنعاء، في سبتمبر 1991، وراح ضحيتها رفيقه حسن الحريبي لم تثنه عن مواقفه الصلبة ضد التشدد والاستبداد والانعزال، التي هي في الأصل سمات متجسّمة في السلطة، التي لم تستطع ترويضه، وبقى يعارضها ويعرّي أدواتها حتى آخر نفس.

مقالات

السلام مع ذيل الكلب!

منذ سنوات طويلة، ونحن نقرأ أو نسمع عن السلام في اليمن، وعن تسوية سياسية، وعن حوار عبثي، وعن رحلات مكوكية، بين العواصم التي تخوض معاركها على الأرض اليمنية، والضحايا هم اليمنيون فقط.

مقالات

عن الأحكام التي تسبق الجريمة

أظن أن النفس البشرية، حتى في أشد حالات نزوعها نحو الشر والجريمة، تبحث في الغالب عن مبررات لأفعالها، ومنها تلك الأحكام الذاتية التي يطلقها الإنسان على غيره، قبل أن يرتكب في حقهم جرما معينا، وهذه الأحكام غالباً لا تمت للقيم الإنسانية بصِلة

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.