مقالات

مأرب.. الزفرة الأخيرة للحوثي..

24/02/2021, 19:48:43

أرادها الحوثي معركة خاطفة في مأرب، ضربات كثيفة ومتتالية، يربك فيها الخصم ويظفر بالنّصر، أعدت مليشيا الحوثي خطة مُحكمة ثم فجّرت المعركة في توقيت واحد ومن كل الجبهات، مرّت الساعات الأولى باختراقات محدودة، لم يكن الجيش والقبائل في حالة تأهب قصوى؛ لكنهم أيضا لم يكونوا مرتبكين كثيرا على غرار ما حدث المرّة السابقة قبل حوالي عام من هجوم الحوثي على 'نِهم' ومأرب. 

انتظمت صفوف الجيش، وتداعى المقاتلون من كل مكان؛ لكن الجماعة الحوثية كانت مصممة على المُضي دونما توقّف، وواصلت الدّفع بخطة المواجهة حتى النهاية وما تزال تحاول.

الهجوم لم ينتهِ؛ لكن الخطة مبدئيا قد أُُجهضت، ولم يتبقِّ للحوثي سوى المكابرة، وإطالة زمن المحاولة، مهما كانت الكلفة باهظة، والثمرة منعدِمة. 

لقد مضى ما يقارب عام مُذ تمكّن الحوثي من اختراق جبهة 'نِهم'، والتقدّم نحو الجوف، والسيطرة على مركز المحافظة، أواخر فبراير/ شباط 2020، ذلك النصر الذي روّج له الحوثي باعتباره انجازا استراتيجيا له، فيما الحقيقة أن خسارة 'نِهم' -مع كونها مثلت ضربة للشرعية- إلا أنها لم تكن تعبيرا حقيقيا عن قوة الحوثي، ولم يتحقق له ذلك المكسب بناءً على مُمكنات ذاتية بقدر ما كان تعبيرا عن ارتباكات داخل قوات الشرعية، تسببت بذلك التراجع وصولًا إلى محاولة الحوثي حينها تجريب حظّه وتفعيل جبهة مأرب، استغلالًا لزخم النّصر، ورغبة منه بمواصلة الدّفع بالمعركة لتهديد مأرب، كما يحاول الآن في هجمته الثانية والواسعة. 

قبل عام ظل الحوثي يناوش على أسوار مأرب دونما إمكانية لتحقيق تقدّم معتبر، بعدها قرر إبقاء المعركة في مستواها المتجمّد، ثم بدأ بوضع خطته للسيطرة على المحافظة، وما إن دار عام كامل، وتوافرت ظروف محلية وإقليمية، تبدو مشجّعة له، إذا به يفاجئ الجميع بإعلان مأرب هدفًا حاسمًا، ويحشد لذلك أقصى ما يملك من قوة ضغط، وأكفأ عناصره القتالية، ليتمكن من إنجاز نصر، يُعيد ضخّ القوة في شرايين مليشياته المتجمّدة. 

أراد الحوثي مأرب لأكثر من هدف وغاية، سياسيا وعسكريا ومعنويا، فلقد مرّ زمن طويل والجماعة الحوثية لم تعد تحقق أي نصر بطولي يحفظ لها مهابتها كجماعة باطشة ومُهابة، وباتت بحاجة لرافعة معنوية تستعيد بها زخمها القتالي، ومأرب هي الكنز الوحيد الذي يمكنه أن يمنحها ذلك الوهج المفقود. 

إن البنية النفسية لمليشيا الحوثي قائمة على وهم القوة وادعاءات البطولة، ودوما ما تصدّر نفسها كقوة لا تقهر، سواء في أوساط المجتمع الخاضع لسيطرتها أو ما تروجّه للعالم، وإذا ما فقدت هذا العنصر المعنوي، يعاني خطابها من الجمود، وتسعى لخلق أي حدث صالح لضخ شحنة جديدة من المعنويات؛ لتعزيز تماسكها أكثر. 

على أن هذا المكسب المعنوي بقدر أهميته للجماعة هو حاجة عارضة إذا ما قُورن بحاجة الجماعة لفريسة ضخمة كمأرب، حيث منابع النفط والغاز ومصفاة صافر ومحطة الكهرباء، ناهيك عن ما صارت تمثله المحافظة من وزن سياسي في خارطة القوّة على مستوى البلد، كل ذلك كان وما يزال يفتح شهية الحوثي للولوج إليها مهما كان الثمن. 

يعلم الحوثي صعوبة السيطرة على مأرب بالكامل، لأسباب كثيرة، كما أنه شبه يائس من إمكانية ضمها للمحافظات الواقعة تحت سيطرته؛ لكنه لا يكفّ عن المحاولة، كرغبة منه بتجريب الحظ أولا وبتصدير أجواء للآخرين داخلية وخارجية، مفادها أنه ما يزال يشكل تهديدا على معاقل الشرعية الأساسية، وفي ذلك نوع من إثبات الذات، ولو بإثارة الجلبة دونما تحقيق الغاية. 

يمكن القول إن هذا هو أكبر وأشرس هجوم مفتوح نفذه الحوثي تجاه مأرب منذ بداية الحرب؛ وبقدر ضخامة الهجوم، يكون مستوى الانكسار، فعندما يحشد الخصم أقصى مستويات القوة لديه ولا يتمكن من إنجاز الهدف، تكون الخيبة عالية، ويعاني بعدها من عطالة طويلة الأجل. 

الحوثي لا يعترف بهزائمه، لكن الانهاك الذي تعرّض له في مأرب لم يسبق أن ناله في أي مواجهة طوال معاركه منذ بداية الحرب، هذه التكلفة المرتفعة، لن تدفع الحوثي إلى مراجعة قراراته، ذلك أنها جماعة لا تضع اعتبارا كثيرا للعنصر البشري، فحسبها أن تقاتل، ولا يهمها قانون الجدوى ولا التكلفة. 

سيدفن الحوثي جثث مقاتليه، ويعود لترتيب صفوفه، ثم يفتح أي جبهة أمامه، هو الآن في مرحلة تقليب كفوفه، يلتقط أنفاس زفرته الأخيرة على مأرب، وعلى الجيش والقبائل أن يستثمروا لحظة ارتخاء الهجوم؛ كي يواصلوا محاصرته أكثر. لا يكفي أن تلجم وقاحة جماعة عنيفة، لا بد أن تمارس ضدها تهديدا أكبر، وتحشرها في زاوية ضيّقة، ثم تواصل الضغط عليها حتى تكسرها أو تستسلم. تلك بداهة مكررة، لكنها قانون وحيد وأوحد كي تؤمّنون مأرب، وتفتحون نافذة أبعد للخلاص. 

أخيرا: 

لعلّ من مميزات الحوثي أنه يعيش حالة طوارئ دائمة في نطاق المحافظات، التي يسيطر عليها، ويستمر في تعبئة المجتمع سواء في أيام اشتعال المعارك أو هدوئها، وهذا ما يجعله متأهبا لأي معركة وفي أي مكان، وهذا أمر عائد لطبيعة جماعته التي يمثل الحرب عمودها الفقري وهدفها المركزي الدائم والمفتوح، بالمقابل خصوم الحوثي تشكيلة واسعة تضم طيفا مدنيا وقوة مقاتلة؛ لكنها عُرضة للكمون في زمن تجمّد المعركة. 

لهذا يمكننا القول إن الهجوم الأخير على مأرب، بقدر ما هو تهديد خطير؛ لكنه محفز للطرف الآخر؛ كي يستعيد تأهّبه ويقظته طوال زمن الحرب. 

وعليه يمكننا القول إن كان هناك من فائدة قدمها الحوثي للشرعية والجيش الوطني ولمأرب تحديدا من خلال هجمته الأخيرة، فهو أنه أعاد تحشيد القوة الداخلية للجيش والقبائل، وأيقظ المجتمع والنّخبة إزاء خطر الحوثي المُحدق، ومن المُهم ألا يعودوا لوضع 'الكمون'، فتلك فرصة لا تعوّض يمكن استثمارها والبناء عليها، لحلحلة الوضع، وصناعة مخرج مُمكن للبلاد.

مقالات

لا ضوء في آخر النفق!

عندما بدأت الحرب على اليمن في 26 مارس، بدون أي مقدّمات أو إرهاصات أو مؤشرات تدل على حرب وشيكة، حيث تزامنت هذه الحرب مع هروب عبد ربه منصور إلى سلطنة عُمان، وكان قرار الحرب سعودياً، ثم إماراتياً خالصاً، تحت مسمى "إعادة الشرعية"، التي في الأصل قامت السعودية بفتح كل الطرق لدخول الحوثيين إلى صنعاء وطرد الشرعية منها، وأن هذه الحرب لم تكن مرتجلة بل مخطط لها لإعادة اليمن إلى ما نحن عليه اليوم، من شتات وتمزّق.

مقالات

هنا بدأت رحلتي

أضواء خافتة تقسم الشارع بالتساوي بين الذاهبين والقادمين، قمر في السماء يوزع ضوءه بين سطوح المنازل وقناة الماء في ميدلبورغ، وأنا أجلس خلف ضوء دراجتي الهوائية، وخلف أمنيتي أن يستمر الطريق بلا نهاية.

مقالات

حديث لن يتوقف!

يومَ أعلن علي سالم البيض بيان الانفصال، في خضم حرب صيف 1994م، تنصَّلت جُل - إنْ لم يكن كل - قيادات وكوادر الحزب الاشتراكي عن مسؤوليتها تجاه هذا الإعلان المقيت، الذي لم تقوَ حُجَّته أمام كل ذي عقل بأنه كان اضطرارياً، كما حاول البعض الزعم به يومها، إذْ لم يجرؤ أحد على القول إنه يتفق مع مشروع الانفصال.

مقالات

أمير الشعر الحميني عبر كل العصور

"لا توجد كلمات غنائية أصيلة بدون ذرة من الجنون الداخلي". يطِلُ عبدالهادي السودي من بين هذه الكلمات، لكأنها كتبت فيه، وعن سيرته، وتفردهُ شاعراً، وعاشقاً، وصوفياً، وعلامة فارقة لِعصرهِ، وشاغلاً للأجيال من بعده.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.