مقالات
متى تنتهي حفلات الشماتة؟
على وقع احتجاجات ومطالب حقوقية في أكثر من محافظة، قرأت عدّة منشورات تشمت من طريقة التعامل مع المحتجين.
أضحت ثمة حالة ملازمة للشماتة بمن خرجوا في 2011 بشعارات "ارحل"، في كثير مناسبات، وبتساؤلات: "كيف كانت المظاهرات حلال وأصبحت الآن حرام؟".
المشكلة لا تعلم لمن موجّه هذا الخطاب الآن؟ هل للسلطة الانتقالية في عدن، أم للسلطات الشرعية في الحكومة، التي لا يخفى على أحد أنها شرعيات متعددة؟
هل الخطاب موجّه للسلطة المحلية في تعز أم للسلطات الأمنية؟ هل لسلطات أبين الانتقالية أم للسلطات التابعة للشرعية؟
أسئلة كثيرة لا تنتهي، تشير جميعها إلى مأزق أصحاب خطاب الشماتة، إذ يبدو وكأنهم منفصلون عن الواقع، كأنهم ليسوا مستوعبين، ما يجري، ولا يدركون حجم الهوة التي سقطت فيها البلاد.
أنا متأكد أنه من بين ثنايا هذه السطور سيبدو من يردد كالعادة: "2011 هي السبب. ذلك ليس غريبا".
هذه أصبحت حُجة وحيلة أنذال وجبناء تجاه من يرون أنهم مستضعفون في الأرض، وأصحاب الحلقة الأضعف في حلقات الصراع المستمر.
بعيدا عن الجدل بشأن النتائج والأسباب التي أدت إلى كل هذا، الفرق واضح.
من خرجوا في 2011 خرجوا ضد نظام متوحّد وسلطة قائمة ومستقرة لأكثر من ثلاثين سنة.
المحتجون، خلال ذلك العام، خرجوا وكان هناك نظام قائم بذاته، وليس وليد لحظته، بل وصل به الحال إلى درجة السأم من السلطة، حسب تعبيراته.
كان هناك أيضا خزينة مالية واحدة، وإيرادات منتظمة، وإجراءات اقتصادية كثيرة، وكل شيء يمضي في فلك واحد.
أوضاعنا الحالية غير. بعد نحو 15 سنة من الجحيم، المليشيا نكَّلت بالجميع، ولم تترك مجالا للشماتة بطرف من الأطراف.
من المُخجل أن أكثر الأصوات كيدا وشماتة تأتي غالبا من جانب تيار يتعرَّض للتنكيل والتشريد والتقسيم، رغم خدماته الجليلة للجلاد.
كما أن رئيسه، الذي حكم البلاد 33 عاما حتى ظن أنه خالد مخلدا، أراد الانتقام من المحتجين بطريقته المجرَّبة، لكنه لم يستطع استعادة زمام الأمور، وأحاطت به خطيئته كخاتمة سُوء وعار مذموم.
هذه نهاية أخرى، وباب مفتوح للشماتة لمن أرادها نكايات ومكايدات غير لائقة في ظل أوضاع مُخزية للجميع.
في نهاية المطاف، لا يوجد أحد مستثنى من هذا الوضع المريع، ولذا من الجيد أن نكبر بحجم الجراح والعار الذي أورثناه للبلد وللأجيال.
الحرب ولَّدت أحقادا وضغائن ونفسيات مسحوقة لا تجرؤ على توجيه أدنى نبرة غضب تجاه الجلاد الحقيقي، وإلى من ينتهك حقوقها.
بدلا من ذلك، يغرق هؤلاء في حفلات الشماتة والتشفي بكل شيء.
الأسوأ أنهم يتخذون صورا مؤلمة وحزينة مثالا للإسقاط المريض على ما كانته الأوضاع.
استغلال الأوضاع الإنسانية، وتدهور الخدمات، وعذابات الناس، مجالا للسخرية والشماتة، لا تنم عن شخصية سويَّة بقدر ما تعبِّر عن أحقاد مريضة، فضلا عن أن لا أحد في منجى من النار والتنكيل.
هاتوا لي -مثلا- أي مكوّن قبلي أو اجتماعي أو تيار سياسي لم يتعرَّض للأذى والانتهاكات الحوثية، ومثل ذلك أي محافظة، بما فيها تلك المحافظات التي أرادت عدم الصدام مع مسيرة الخراب، وسالمت واستسلمت بدون أية مقاومة.
هناك محافظات لم تخرج حتى بمسيرة واحدة ضد نظام صالح خلال 2011، ومع ذلك تعرَّضت للقمع والاختطافات، والتعسف والحرمان من أبسط مقوّمات الحياة.
كل المؤشرات تبيِّن أننا جميعا أمام جائحة لا تبقي ولا تذر، ومن الأفضل عدم الوقوع في هذا الفخ، ولا خطابات التشفي والشماتة؛ لأن أهلنا يحترقون، ولا غير.