مقالات
نظرة اليمني لذاته في المرآة
تقريبًا لا توجد كتابة موجَّهة للعقل والعين معًا، باتت أغلب الكتابات في زمن الأضواء واستقطاب المشاهدين موجهةً للعين فقط، ولهذا لا تصمد، وتنتهي بمجرد انتهاء الموسم، ويختفي بريق الأسلوب والمضمون.
أعتقد أن القليل جدًا يتذكر بعض الأعمال الدرامية من سنوات مضت. العمل الدرامي الجيِّد أيضا يحتاج إلى نص جيِّد مدهش نموذجي وفاتن، خصوصًا وسط هذا التدفّق في الإنتاج العربي و"المحلي".
لكن، لا بأس لو أن أحدهم اجتهد وقرر المغامرة بهذا المحيط العاصف في زمن السوشيال ميديا، والشاشات، خصوصًا في موسم رمضان الذي يشهد تدفقًا وبغزارة.
كل واحد ينجز على قدر قدراته المعرفية تقريبًا، ومن يقول لك: "أنا لا أشاهد دراما يمنية"، قل له: "خليك على 'نت فليكس' وشقيقاتها"، وتجنّب السِّجال الرهيب الذي يتكرر مع كل موسم وعند كل محاولة.
الحقيقة، أنا شخصيًا -مثل آخرين كُثر- لا أشاهد الدراما اليمنية أيضا إلا ما ندر، ومع ذلك أجد في كل موسم بعض الأعمال أو الحلقات، أو حتى القفشات والمشاهد والصُّور، تلخصنا، وتشبهنا بكل ما فينا من إرهاق ووجع وتعب، ومشاكلنا هي ذاتها اضطراباتنا وتقلباتنا وتناقضاتنا بكل شيء (الملبس، المأكل، المحيط، الشوارع، الصراخ، وحتى الطبائع التي تحضر في التمثيل لا يستطيع الممثل مغادرة واقعه)؛ هذا هو اليمني (أنا وأنت) كما هو. وللأسف هكذا ينظر إلينا الخارج، بل ومحيطنا العربي الأقرب لنا، ما لم نتغيَّر.
مهما كانت المكاشفة قاسية.. هل يجلب لك المخرج أو المسؤول عن أي عمل -مثلا- شارعًا في لندن، أو في جنوب أفريقيا، أو في دبي، ويسقط مشاهده عليه حتى يحسن المنظر، بينما الواقع يجب أن يكون كما هو.
كان لدينا كم شارع نظيف في بعض المدن والمحافظات جاء الأوغاد ولطخوا كل شيء، وضربتها التشوّهات، ونحن نعرفها جميعا.
الكلام طويل حول النَّقد والتناقد، والتجاذبات، والموسم لا يزال في مطلعه، فلا داعي للسخرية، وأنت أصلا كل ما تقوم به أنك تجلس خلف جهازك تنتظر فقط حفلة التنمُّر والنَّيل من الآخرين، وفي أعماقك فشل العمر كله يلتهمك.
أقول دائما إن أي عمل مكتوب أو مطبوع أو متلفز أو يُذاع عبر إذاعات وقنوات جماهيرية تصل إلى القارئ والمتلقي على أي شكل (إخباري أو درامي أو حتى قوالب في السوشيال ميديا) يصير ملكًا للناس وللجمهور، ومن حق أي متابع أو مهتم أن يقول ما يريد في هذا العمل، بشرط أن يكون بطريقة منصفة، دون تقليل، أو تجريح، أو إساءة أو انتقاص من جهد أي منتج.
نحن -اليمنيين- لم ندرك أن زمننا لم يكتمل بعد، ونحن أبناء هذا "الزمكن"، وسيظل هكذا ناقصًا حتى يكتمل.
لكننا، في الوقت نفسه، نكابر ولا نريد أن نتعلم، فقط ننتقد ظنًا مِنا أننا نصوِّب بهذا النَّقد كل تشوّهات العالم، بينما نحن في وحل، ولا ندري متى وكيف الخروج منه.
الدراما اليمنية ما هي بالضبط؟ هي مرجعيتنا اليومية، وهي نظرة اليمني لذاته في المرآة؛ في شاشة التلفاز -إن صح التعبير- دون رتوش أو تحسين أو مكملات ضوئية، أو إضافة اللوان، تقبلتها أم لم تتقبلها؛ هذا أنت، وهذا واقعك؛ ماضيك وحاضرك..
أعتقد أن من يغامر ببساطة -أقول- أشرقت شمس الشجاعة في كفه، فكتب وولد الفكرة، وقرر أن يُلقي بخيوط أشعتها في الفضاء الرَّحب الواسع.
في الخاتمة إشارة:
أنا هنا أوضح أني لست ناقدًا ولا مهتمًا، هي مجرد ملاحظة على السريع فقط.