مقالات

نكسة لبنان ونكبة اليمن أو كلتاهما (*)

23/07/2021, 08:40:43

شدَّني في عمود الأستاذ الكبير حازم صاغية، ليوم الأربعاء الماضي 21 تموز/ يوليو 2021، في جريدة 'الشرق الأوسط' والمعنون "لبنان: أنكبةٌ أم نكسة"، هذا السياق:
"وظيفة لبنان التقليديّة تضمحلّ، بحيث لم تعد المواءمة سهلة بين هذا النظام، وربّما أيّ نظام، وبين وساطةٍ تآكلت الحاجة الإقليميّة والدوليّة إليها، ناهيك عن تآكل أدواتها والقدرة على أدائها، سيّما مع الهجرة الراهنة والمتعاظمة للكفاءات اللبنانيّة. نشهد ذلك بصور مختلفة ومتفاوتة في المدينة والمصرف والمرفأ والمطار، كما في المستشفى والجامعة والفندق والمطعم... إنّ تراجع مستوى التجاوب العربيّ والعالميّ مع ما يجري راهناً في لبنان يعلن جزئيّاً تلك الحقيقة.
وثالثاً، أنّ «حزب الله» سيبقى طويلاً، ما لم يحصل تطوّر استثنائيّ، العاملَ الأشدّ فعلاً وتأثيراً في حياة لبنان واللبنانيّين. هنا لا نتحدّث فقط عن السلاح. نتحدّث أساساً عن اصطفاف طائفيّ شديد التلاحم في وقوفه وراء السلاح، وتالياً شديد الترسيخ لواقع التفكّك الطائفيّ ولتفاقمه. إنّ قيام دولة، ولو بالحدّ الأدنى، هو ما يمنعه مجرّد وجود هذا الحزب ذي القوّة المستفحلة".
هذه القراءة الفاحصة والأنيقة تنطبق إلى حدٍ كبير على الحالة اليمنية بانكشافها المؤلم، من حيث أن الشرعية قد تآكلت الحاجة الإقليمية والدولية إليها، وليس وسطائها فقط، فصار هؤلاء الرُّعاة يبحثون عن شركاء جدد وفاعلين من أجل تنفيذ مخططاتهم، لإضعاف اليمن وتقسيمه، حتى  بالاعتماد على أولئك الذين كانت ولم تزل توصِّفهم في بياناتها وقراراتها كانقلابيين وتفكيكيين (الحوثيين والانتقاليين)، ناهيك عن تآكل أدوات الشرعية نفسها، والقدرة على أداء وظائفها. فقد أثبتت سنوات الحرب أن الأدوات التي تراهن عليها وتعمل بها غارقة في الفساد والعجز، وهي جزء من مشكلة اليمنيين وأزماتهم منذ عقود طويلة، وعملت هذه الأدوات على استدامة الحرب التي تتكسب منها، فصار فعل التكسب هذا يسبق إخلاصها لموضوع السلام.
الكثير من الكفاءات العلمية والمهنية، من اليمنيين، قد صارت خارج البلد، تبحث عن فرص عمل، في وقت سدت أمامها أطراف الحرب كل أبواب النجاة في بلد يتفكك  ترابه، ويجوع أبناؤه، وتتشرّد كفاءاته العلمية في العواصم؛ وإن طابوراً طويلاً من المؤهلين ينتظر على أبواب السفارات في العواصم التي لم تزل تستقبل اليمنيين بدون إجراءات مغلّظة، وتنتظر أمام مكاتب المفوضيّة السامية  أنصاف الفرص للوصول إلى مستقرات جديدة في أوروبا، والعالم الجديد، كلاجئين إنسانيين، هروباً من جحيم الحرب، ناهيك عن طابور موازٍ سلَّم نفسه بكل ما يملك لقراصنة الماء، من أجل الوصول إلى موانئ جنوب أوروبا في المتوسط، ويدفع الكثير منهم أرواحهم ثمناً لمثل هذه المغامرة شديدة الخطورة في الهجرة غير المشروعة.
سنوات الحرب، وصلابة أدواتها، جعلت الاستثمار في حاجات الفقراء تصل إلى ذروتها، بجعل مهنة الحرب هدفاً لألوف الشبان المنخرطين في جبهاتها، وعلى متراسي التقاتل .
صحيح أن المشغلات في ذلك تتباين بطرائق التحشيد ومبرراتها، لكنّها تفضي في نهاية المطاف إلى إنتاج قاعدة للاستنفاع من القتل، تعمل بوقود ظلامات كثيرة، يحشي بها قادة الحرب عقول الصغار، الذين تسرّبوا من التعليم، ومن نظام الأسرة إلى الجبهات،  وفي الأخيرة لا نبرِّئ الكثير من الأسر من دفع أطفالها إلى هذه الحلبة بدوافع شتّى، لا تخلو من حافزات أيديولوجية وطائفية ومناطقية، غير أن الفاعل فيها، في نهاية المطاف، هو تحقيق مكاسب مالية، كما يحدث مع مجنّدي السعودية والإمارات، أو الوعود بتحقيقها من قِبل سلطة الحوثيين لذوي المنخرطين في حروبهم من المناطق التي يسيطرون عليها.
تسليم صاغية في هذا النص على بقاء "حزب الله" طويلاً داخل المعادلة اللبنانية- إن لم يحدث أمر استثنائي- مرده ليس فقط السلاح الذي يستقوي به على سائر اللبنانيين، وإنما لتصلبات الاصطفاف الطائفي في حاضنته الشيعية، وهو أمر ينطبق تماماً على الجماعة الحوثية، التي صارت مع تقدّم سنوات الحرب ذات فعالية أكبر على الأرض، ليس لقوّتها وإقناعها السياسي وسلامة مشروعها الوطني، وإنّما لتفكك ورخاوة المعسكر المناهض للجماعة (الشرعية وحلفائها)، وقدرتها على الاستثمار الفاعل في هذه التناقضات، والأهم تكشفات الرَّغبة لدى الفاعلين الدوليين والإقليميين في جعل الحركة جزءاً من مشروع المنطقة وميراثه المضطرب، الذي يُعاد به ترسيم المنطقة على أساس طائفي صريح، يقود مقدّماته في اليمن هذا الكيان الطارئ الفج على ثقافة اليمنيين وتعايشهم المذهبي الطويل.
_________________________________
(*) يفترض الأستاذ حازم صاغية في هذا النص أن "النكبة" و"النكسة" مصطلحان استقدما من الطبيعة واسقطا في السياسية  والاجتماع على محطتين فارقتين في تاريخ الأمة العربية المعاصر، وهما باسقاطاتهما في الوعي الجمعي "يُعفيان البشر من المسؤوليّة عن أفعالهم، ويردّان المسؤوليّة كلّها إلى قوى لا سيطرة إنسانيّة عليها، كالبراكين والزلازل المدمّرة...". وارتبط الأول باحتلال مساحات شاسعة من الأراضي العربية الفلسطينية في العام  1948م من قِبل عصابات صهيونية، استنبتها الاحتلال الإنجليزي، أما الثاني فقد ارتبط باحتلال قوات الجيش الصهيوني في يونيو/ حزيران 1967م لأراض مصرية وفلسطينية وسورية في ساعات قليلة، بعد أن أنزل هزيمة مدوّية بثلاثة جيوش عربية في يوم واحد.
ويقول: نستخدم اليوم هذين التعبيرين لوصف أحوال لبنان، وجزئيّاً منطقة المشرق العربيّ، لا كتعبيرين طبيعيّين، بل كدليلين على حجم المعاناة: هل هي «نكبة» نوعيّة، بمعنى أنّها عميقة جدّاً وجذريّة جدّاً فيما تجاوزها بالغ الصعوبة، وقد يكون مستحيلاً، أم هي «نكسة» كمّيّة لن نلبث أن نخرج منها مُعافين؛ غير أنه في نهاية المطاف يسلِّم بحقيقة أن لبنان  والمشرق يعيش في الحالة الأولى... ويقول: نعم، هي، على الأرجح، نكبة.

مقالات

السلام مع ذيل الكلب!

منذ سنوات طويلة، ونحن نقرأ أو نسمع عن السلام في اليمن، وعن تسوية سياسية، وعن حوار عبثي، وعن رحلات مكوكية، بين العواصم التي تخوض معاركها على الأرض اليمنية، والضحايا هم اليمنيون فقط.

مقالات

عن الأحكام التي تسبق الجريمة

أظن أن النفس البشرية، حتى في أشد حالات نزوعها نحو الشر والجريمة، تبحث في الغالب عن مبررات لأفعالها، ومنها تلك الأحكام الذاتية التي يطلقها الإنسان على غيره، قبل أن يرتكب في حقهم جرما معينا، وهذه الأحكام غالباً لا تمت للقيم الإنسانية بصِلة

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.