مقالات

هكذا حاكم المياحي الحوثيين!

26/05/2025, 13:24:59

من كان يظن أن الحوثيين سيفرجون عن الصحافي محمد المياحي بسهولة، إما أنه لا يدرك قيمة البطولة التي اجترحها الرجل، أو أنه يحسن الظن بهذه الجماعة العنصرية الإرهابية.

ما فعله المياحي بحق المشروع الحوثي لم يكن بالأمر السهل، لأنه ببساطة لم يكن مجرد نقد جريء بحق المليشيات وزعيمها فحسب؛ بل كان خارطة طريق لخلاص اليمنيين.

ما فعله المياحي كان بمثابة اغتيال معنوي للجماعة الإرهابية، استهداف مباشر لوجودها، وتهديد حقيقي لمستقبلها.

لقد صوّب المياحي سهام قلمه نحو قلب المشروع الحوثي، وضربه في الصميم ومن المسافة صفر.

يقوم المشروع الحوثي بدرجة كبيرة على شخصية عبد الملك الحوثي، ويستمد قوته وتماسكه من بقاء هذه الرمزية في مكان عالٍ فوق مستوى اليمنيين.

وفي حين كان الحوثيون يبالغون في تضخيم صورة سيدهم لدى أتباعهم وإضفاء هالة من القداسة عليه، راح المياحي بكلماته يسوي به الأرض، ويعيده إلى حجمه الحقيقي ووزنه الطبيعي، ويقدّمه كما هو، بكل بشاعته وقبحه.

قال الحوثيون لأتباعهم: "لا طاعة للخالق في معصية عبد الملك"، وهمسوا في آذانهم بأن رفض أوامر آبائهم إن تعارضت مع رغبات السيد المزعوم، من أعظم القربات.

في حين قال المياحي في مقالته التي اعتُقل بسببها: "إن سماع عبد الملك هي الرذيلة بصورتها الحيّة والمُكتملة، وأن لغته المُهينة تكفي لتحوّل البشر إلى حيوانات".

وكنبي ينذر قومه، صاح المياحي بالناس: "لا تُهادنوا، لا تتكيفوا مع هذا الهوان الكبير، تمسّكوا بحرارة رفضكم وكأنّها اللحظة الأولى لسطوة السلالة على عاصمتكم".

ثم وضع خارطة طريق للنجاة قائلاً: "يكفي أن تحتفظوا بممانعة باطنية ضدّ هذه الجماعة الضالة، ولو لم يكُن لكم من فضيلة، سوى تحصين أُسركم من كابوس السُلالة".

عقب انقلابها المشؤوم في العام 2014م، أبقت المليشيات الحوثية على بعض الأصوات والأقلام المعارضة في العاصمة صنعاء، وحددت سقفًا محددًا لآرائهم، رغبة منها في تحسين صورتها أمام الرأي العام.

من بين تلك الأصوات الحرة والأقلام الجريئة، الصحافي محمد المياحي، الذي لم يلتزم بفتات الحرية، ولم يتقيد بسقف المليشيات، وإنما راح يهدم السقف على رؤوسهم.

ربما أن ما قاله المياحي في الجماعة وزعيمها لا يختلف كثيرًا عما قاله غيره عبر أعمال ساخرة وفي قوالب فنية وصحافية متعددة، لكن الجديد أن البطل بن دبوان قال ما قاله وهو في بيت فرعون.

كلمات المياحي لم تكن مجرد مقالة رأي بقدر ما كانت محاكمة علنية للحوثيين، وإعلان قيامة، وإطلاق صيحة، وقيادة عملية تمرد في وجه المشروع السلالي.

لن يغفر الحوثيون أبدًا لمحمد المياحي تحطيمه لصورة زعيمهم، وإنزاله منزلة الناس العاديين، والتعرض له بانتقاص وازدراء وتحقير.

في تبريره للحكم الجائر الصادر بحق المياحي من قبل جماعته، قال نصر الدين عامر، وهو أحد الوجوه الإعلامية للمليشيا بالمناسبة: "إن المياحي أساء لكافة الشعب اليمني، ولو كان في مكان آخر لتعرض للتصفية دون محاكمة"، والشعب اليمني في نظر الحوثيين هو عبد الملك الحوثي.

وتلويح القيادي الحوثي بإمكانية تصفية المياحي يعكس طبيعة السلوك الإجرامي الذي دأبت عليه الجماعة في التعامل مع خصومها، والإصرار على تقديمهم كمجرمين وأعداء.

من يستعرض نوع وحجم التهم السخيفة الموجهة للمياحي يدرك تمامًا مدى الأثر والأذى والإرباك الذي خلفته المقالة لدى قادة الجماعة.

تحاول الجماعة الفاشية فرض قواعد صارمة ورسم خطوط حمراء في مجتمع سيطرتها فيما يتعلق برموزها وقادتها، وفي المقدمة منهم عبد الملك.

يتعمد الحوثيون الإمعان في أذية المياحي والتنكيل به، ليس بهدف الانتقام منه وتأديبه فقط، وإنما لإرسال رسالة ترهيب لكل من يفكر في النيل من عبد الملك أو الإساءة إليه.

الإبقاء على المياحي معتقلًا الهدف منه محاولة إعادة الاعتبار لصورة عبد الملك في الذهنية اليمنية، وترميم ما لحق بها من خدوش وتهشّم وتمزّق.

لو أن المياحي سُجن على خلفية الاحتفال بثورة سبتمبر أو أي تهمة أخرى غير تهمته كإعلامي كشف حقيقة المليشيا وزعيمها، أعتقد أن الأمر كان سيختلف كثيرًا، ولن يكون الآن داخل المعتقل.

يشعر الحوثيون بفوبيا الإعلام ورهاب الصحافة، ويرون في كل كاتب مصدر خطر وعامل تهديد.

يدرك الحوثيون أن الإفراج عن الصحافي محمد المياحي سيساهم بشكل كبير في تشجيع الأقلام الصامتة في مناطق سيطرتهم لكي ترفع صوتها وتعبر عن آرائها.

يدركون أيضًا أن إطلاق قلم كالفيلسوف المياحي سيكون على حساب سرديتهم الهشة وروايتهم البالية والرثة.

لقد خبروا الرجل كثيرًا في السجن، وخاضوا معه حوارات مطوّلة، وحين اكتشفوا أنه خبير في تفكيك ونزع ألغامهم الفكرية من طريق اليمنيين، قرروا تمديد سجنه.

ورغم كل محاولات إذلاله وكسر إرادته، مع كل جلسة محاكمة هزلية، إلا أن المياحي كان يقف بكل شموخ وكبرياء اليمني، كما لو أنه قاضي المحكمة وليس المتهم، بينما كان قضاة المليشيات يقفون منكّسي رؤوسهم كمتهمين ومدانين لا يملكون من الأمر شيئًا.

قد يضاعفون معاناة أسرته، ويوجعون أطفاله ومحبيه، ويضغطون أكثر على والده وزوجته، ويرهقون فريق دفاعه، لكنهم لن ينالوا من كبريائه وشموخه وعنفوانه.

سيختلق الحوثيون كل يوم تهمة للصحافي محمد دبوان المياحي كي يبقوه لديهم ورقة ترهيب ووسيلة ردع في المجتمع.

وربما لن يفرجوا عنه إلا عبر صفقة تبادل، كما جرت العادة مع صحافيين وإعلاميين سابقين، ومبادلته بمقاتلين كنوع من استمرار ومواصلة التنكيل به.

غير أن المؤكد أن تحرير المياحي وغيره من المعتقلين والمخفيين قسرًا هو دين في رقاب أبطال الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، وحتى لو تأخر قليلًا فإنه حتمًا سيأتي، ونكسر جدران السجن، ونحطم أغلال الأسر، ونبيّض كافة السجون والمعتقلات، وستشرق شمس الحرية لليمنيين من كل الجهات.

مقالات

كيف يحِنُّ اليمنيون إلى أيامهم؟

وسط أنقاض الخراب الكبير الناجم عن حرب السنوات العشر الماضية وما تخللها من تدخلاتٍ خارجية مدمرة، لم يتبقَّ لليمنيين سوى الحنين إلى ماضٍ كان لهم فيه وطنٌ كبيرٌ، وأرضٌ متراميةُ الأطراف بين الشواطئ والخلجان البديعة والسهول والوديان الخصبة والجبال الشاهقة الشماء، عاشوا عليها حياةً عريضةً يتدافعون فيها للعمل وكسب أرزاقهم ولقمة عيشٍ كريمةٍ بكدِّهم وجِدِّهم، ويجتهدون لتربية وتعليم أبنائهم وإعدادهم لمستقبلٍ واعدٍ يليق بهم.

مقالات

أبو الروتي 37

كان أعضاء جبهة التحرير منتشرين في منطقة 'المنصورة'، وكان بهم غرور، ولديهم حب الظهور، وكنا نعرفهم من تصرفاتهم، كانوا يتصرفون كأنهم سلطة أو كأن السلطة بعد رحيل الاستعمار سوف تؤول إليهم وتُسلَّم لهم، وكان من السهل معرفتهم.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.