مقالات
هناك طريق لكنك لا تريد أن تراه!
أحدث تصريحات مسؤول رفيع تقول إن الحكومة ستكون عاجزة عن دفع مرتبات الموظفين. هذا البند لن يكون الأخير في لائحة العجز الطويلة للحكومة ومجلس القيادة الرئاسي: من العجز السياسي إلى العجز العسكري ومن الخدمات إلى الإقتصاد والقائمة لا تنتهي.
غير أن الحكومة، إذا ما افترضنا أنها ستكون قادرة على مواجهة تحدي توفير المرتبات فإنها تبدو مستسلمة تماماً حيال الإنهيار الذي يحيل هذه الأجور إلى مجرد ورق بلا قيمة. ما الذي يمكن أن يصنعه مرتب موظف لديه عائلة مكونة في المتوسط من خمسة أفراد قيمته لا تساوي مائة دولار في أحسن الدرجات الوظيفية؟
هناك انهيار للعملة يحدث على مدار سنوات مع انصراف تام عن مواجهته، بالتوازي معه هناك انهيار شامل وعام يضرب حياة اليمني وبلده في كل اتجاه.
في المقابل لدينا "شرعية " تخلت عن مسؤولياتها وواجبها الوطني حيال التهديدات اللانهائية للبلد وشعبه. مع ذلك يتشبث أفرادها ومكوناتها بالمناصب في ظل حالة عجز وفساد وتبديد لما هو متوفر، صيّر بعض المسؤولين والقيادات الحكومية والنافذين إلى قطّاع طرق. الفجوة بين واقع الشعب المؤلم وحكومة المسؤولين رهيبة. الشعب يقاسي المجاعة حرفياً بحثاً عن ريالات بلا قيمة. المسؤولون خارج البلاد مع عائلاتهم يعيشون التخمة والرفاهية ويتقاضون مرتبات هائلة بالعملة الصعبة، وكثير منهم أصبحوا لاجئين!
هل هناك حكومة في العالم مسؤولوها مغتربون ولاجئون ويتقاضون مرتبات باهظة في نفس الوقت؟
آخر إحصاءات البنك الدولي تقول إن أكثر من 82 في المئة من سكان البلاد يعانون من "الفقر متعدد الأبعاد". هذا المفهوم لا يقتصر على فحص مؤشرات الحرمان في الدخل والقدرة المعيشية والحصول على الغذاء، بل يشمل الحرمان من التعليم والصحة والمياه النظيفة ومختلف الخدمات.
تخيّل أن 8 من كل عشرة يمنيين هم فعلياً فقراء، بلا دخل أو تعليم ولا صحة ولا مياه نظيفة ولا خدمات. إذا كانت مشكلة الكهرباء تحولت إلى معضلة منذ عشر سنوات في ما يفترض أنها عاصمة مؤقتة، وتعز، المحافظة الأكثر كثافة سكانية، بلا كهرباء ولا ماء، فماذا عن ثلاثة أرباع سكان البلاد الذين يتوزعون في الأرياف؟
مع ذلك فالواقع أقسى وأكثر فداحة من إحصاءات وتقديرات المنظمات الخارجية. وصف محافظ البنك المركزي أحمد غالب قبل أيام الوضع بالكارثي. بعيداً عن عالم المسؤولين، يكفي المرء أن يلقي نظره على محيطه ليرى الواقع بدقة أكبر ووجع بلا حدود.
المحبط أن الكل غارقون في اهتماماتهم الخاصة. لا أحد يشعر بفداحة هذه المآلات المرعبة، وليس هناك فاعل محلي يستحث الناس للوقوف في وجه هذه الهرولة المخيفة إلى المجهول.
مجرد الحديث عن إنقلاب مليشيا الحوثي باعتباره صالحاً لتفسير كل شيئ، أصبح مملاً وسامجاً.
ما من شك أن الحوثي هو العصا الذي انهالت به قوى اقليمية ودولية، بمشاركة قوى محلية، على رؤوس اليمنيين. هذا أمر أصبح مستهلكاً.
السؤال: ماهي مسؤوليات الذين يفترض بهم مواجهة هذا الشر؟
الإكتفاء بالقاء اللائمة على الحوثي هو هروب من المسؤولية، هروب من مسؤولية مواجهته وفرار من واجب وضع حد لتبعات سيطرته وما ينتجه وجوده من سوء في حياة اليمنيين بصورة يومية.
هو تخلي عن الواجبات الوطنية والأخلاقية في مواجهة مخاطر وتهديدات تحدق بالبلاد في زمن الحرب يرقى إلى الخيانة. ليس صحيحاً أن الخيارات محدودة. هناك الكثير من المتاح والممكن عمله : من ترشيد الموارد ومواجهة الفساد إلى استعادة الإرادة السياسية والسيادة على القرار الوطني في الداخل والخارج. أنتم فقط من اختار الطريق السهل.
لدينا بحار وجزر وثروات مستباحة على واحد من أكبر السواحل في دول العالم العربي، ولدينا موانئ ومطارات ومنشآت اقتصادية وموارد غازية ونفطية ومعادن، بعشرات مليارات الدولارات، انتم من وضع مفاتيحها بيد الغير. بلد يتمتع بموقع جغرافي استراتيجي خطير يمكن أن يتحول بالإرادة السياسة إلى قيمة تفاوض جبارة مع القوى الكبرى قبل الصغار، عوض أن تركع متسولاً للطارئين، ثم يصبح هذا الموقع ميزة مجانية بأيديهم بفضل تخليك عن بلدك!
كمواطن، لستُ معنياً بتفهم عجزكم وضعفكم وانبطاحكم لمليشيا الحوثي و لا للغرباء الذين ينهبون ثرواتنا بصمت ويجوعونا بواسطتكم. أنتم مسؤولون أمام المواطن عن الواجب الدستوري والقانوني الذي لم يؤدَ وعن المسؤوليات التي جرى خيانتها.
إذا كان هناك من فرض عليكم القبول بتجميد ثرواتنا للحفاظ على أمنه، فعليه أن يغطي بالمقابل ما يضمن الحد الأدنى من كرامة شعب وبلد. لا يمكن أن يقوم أمن الآخرين على عظامنا. لديك الكثير لتفعله ،فاوض، ساوم ، ناور والعب في ساحة السياسة من أجل بلدك، ففي النهاية ثمة طريق وأنت فقط لاتريد أن تراه، لأنك لا تريد أن تخسر مصالحك الشخصية.
لقد جرى بيع بلدنا بالمجان، لا التزامات لأحد تجاه أحد، مجرد واجهة خادعة لمسمى تحالف، تقوم فيه العلاقة على هيمنة الغريب، بالأصح واجهة ناعمة لاحتلاله.
هل تعلم أيها اليمني الجائع ماذا يجري لثرواتك في البر والبحر الآن بينما هناك من يدمر حياتك عمداً؟
إذا كانت شاحنات النقل الثقيلة تقطع مئات الكيلو مترات محملة بالمعادن المنهوبة من محافظة مجاورة لعدن إلى دولة تصنف بأنها قريبة للحوثي كسلطنة عمان عبر جميع النقاط العسكرية، فماذا يفعل الآخرون؟
ماذا يفعل "الأشقاء" المسيطرون تحت ستار" شرعية التحالف " في البحار اليمنية والجزر والموانئ ومنشآت الغاز الإستراتيجية والنفطية وفي المحاجر والصحاري والجبال والسهول وحتى في الجو؟
ليس الحوثي وحده مسؤولاً .. جميعكم شركاء في تحويل بلدنا إلى خارطة للمجاعة ومجرد صفر على قارعة العالم.