مقالات

26 سبتمبر.. الذكرى الستون والأمل!!

23/09/2022, 13:12:34

تحلُّ الذكرى الستون لثورة السادس والعشرين من سبتمبر في بلد يتعقّد وضعه يوماً بعد آخر، بعد أن كان حدثاً مثل  هذا يخلق حالة من التضامن الجمعي لمشاعر اليمنيين حياله، بعيداً عن حالة التشظِّي التي عاشها المجتمع لعقود بسبب الأزمات المتلاحقة، وأفضت، في نهاية المطاف،  إلى حرب أكلت أحلامهم الخضراء واليابسة في ثمانية أعوام.

بقي الحدث العظيم، الذي اختلف في توصيفه المهتمون بين ثورة وانقلاب، ثم احترب اليمنيون في إطاره بين جمهوريين وملكيين، وانقسم الإقليم والعالم في النظر إليه من زاوية المصالح والاستقطاب، حالة (متهتكة) يؤمّل أن تتعافى لتتعافى معها اليمن، غير أن ظروفاً كثيرة ومديدة حالت دون أن يتحقق هذا التمنّي لأسباب تتصل بوضع اليمن الخاص.

الظروف، التي سرَّعت بانضاجه في ذروة حضور حركة التحرر العربي في حياة الشعوب مطلع الستينات، عادت بلبوس أخرى  لكسره، بدءا من انقسام الصف الجمهوري ثم ارتدادات نكسة حزيران67، وانقلاب 5 نوفمبر 67، وأحداث أغسطس 68 وصولاً إلى التسوية العرجاء  1970 التي أُطلق عليها زوراً وبهتانا "مصالحة يمنية" برعاية طرف غير نزيه انخرط في الحرب ضده، وهو السعودية، التي فرضت مستخدميها من اليمنيين، محسوب بعضهم  على الثورة نفسها، لإفراغه من مضامينه الحيوية، ليصير مع الوقت شعارات جوفاء  تستثمرها السلطة في استجداءاتها المتصلة للحسنة الوطنية والشرعية الوطنية في وعي الجماهير.


ومع ذلك، تبقى 26 سبتمبر، كتتويج لتراكم نضالات اليمنيين في أزيد من ثلاثة عقود، ثورة، ولا يمكن أن تكون غير ذلك.. ثورة مكتملة الأركان انطلاقاً من سعيها لتغيير المفاهيم وخطواتها الأولى نحو الانعتاق على قاعدة أهداف تحسست قبل كل شيء الطريق إلى المساوة بين اليمنيين، وبناء دولة بمضامين تقدّمية بعيداً عن الاستبداد الوراثي وخرافاته.

انقسام اليمنيين حول الحدث  تأسس على معضلة جهوية ومناطقية واضحة، وتكثفت في التحيّزات السكانية وانتماءاتها المذهبية، فمعظم المنطقة الزيدية في شمال اليمن بقيت تناصر الملكيين لأسباب كثيرة، ومنها الاعتقاد الصلب الذي كرّسته الإمامة في بنية الوعي في هذه المناطق بقدسية الحاكم، ولا يمكن أن تحيا بدون إمام للزمان.. وكان لبيئة المحاربين الكبيرة في هذه المناطق دورها الكبير في تقوية الصف الملكي عسكرياً  في حروب السنوات الثمان، ووصلت ذروتها، في أواخر شهر نوفمبر 1967م، حينما أطبقت حصارها على العاصمة صنعاء وكانت قريبة من إسقاطها بعد أن أسقطت كل مدن ومناطق الشمال، لولا البطولات التي سطرتها القوى (اليمنية) الجديدة دفاعاً عن المدينة خلال سبعين يوماً بين ديسمبر 67 وفبراير 68م، فبددت كل رهانات السعودية، وأربكت حساباتها في إسقاط النظام الجمهوري، ومن بوابته الرمزية العاصمة صنعاء، وكان هذا النصر المُنتزع في الوقت الصعب مبرراً كافياً لتقدم هذه القوى الشابة - بحواضنها العسكرية والشعبية والسياسية - نفسها كشريك فاعل في إدارة الدولة من زاوية أنها ضحَّت بالكثير من منتسبيها من أجل الحفاظ على النظام الجمهوري، في وقت هرب أكثر رؤوس السلطة والقادة العسكريين من ميدان المعركة.
القوى الجديدة، التي حظيت بقليل من التعليم وساعدت في انضاج وعيها الهجرة إلى مستعمرة عدن ودول القرن الأفريقي طيلة فترة الأربعينات والخمسينات، ورأت العالم يتنفس الحرية والعلم والتطور، اختارت الطريق الصعب في دفاعها عن الجمهورية والثورة، لأنها رأت فيهما خلاص اليمنيين من كابوس الاستبداد والتخلّف والانغلاق، ودفعت من أجل هذا الخيار أثماناً باهظة من الأموال والدماء التي انسكبت في جبال ووهاد وسهول اليمن.


أنفقت السعودية بسخاء على حلفائها الملكيين والقوات القبلية التي تُستخدم في معركتهم، لإسقاط النظام الجمهوري، وفي سبيل ذلك نقضت كل تعهداتها التي وقّعتها الحكومة المصرية ابتداء من اتفاقية جدة في أغسطس 65 وانتهاء بمؤتمر الخرطوم في أواخر أغسطس 67، بوقف الدعم ورفع الغطاء عن الملكيين مقابل انسحاب الجيش المصري، وكانت في كل مرّة تجد من المبررات السائلة سبباً في استمرار معركتها ضد اليمنيين وثورتهم، في وقت التزم المصريون بتعهداتهم، وغادروا تاركين اليمنيين يدافعون عن حلمهم الكبير.

لكن قبل ذلك، يتوجّب التوقف قليلاً أمام حالة الانقسام الذي ولّدته ثورة سبتمبر في الإقليم، جاء على خلفية التنافس والاستقطاب في ذروة الحرب الباردة، والأخطر أن الجغرافية التي حضر فيها الفعل الثوري وقعت جنوب أعتى مملكة مُحافظة في المنطقة، وهي العربية السعودية، ووقعت شمال المنطقة التي يسيطر عليها الإنجليز في جنوب اليمن (مستعمرة عدن والمحميات الجنوبية)، لهذا تحوّلت الأرض اليمنية إلى ساحة معركة حقيقية بين الطرف المصري، الذي تدخل بجيشه لحماية الثورة والنظام الجمهوري، وبين الطرف السعودي الذي استخدم كل شيء لإسقاط النظام الجديد، ليدفع الجيش  المصري ثمن هذا التدخل النبيل أكلافاً باهظة من قواته وعتاده وماله، وخرجت السعودية من معركتها الطويلة منتصرة ليس عسكريا بالمعنى التقني، وإنما باحتوائها للنظام الجمهوري بعد أن أفرغته من مضامينه الثورية التقدمية وإزاحة عناصره القوية بالقتل والتغييب ليسهل عليها وعلى أدواتها تكوين سلطة مستديمة موالية (من الملكيين والمشايخ  والجماعات الدينية والضباط القريبين ورجال المال الطفيليين)، الذين جعلوا من عملية الحكم حالة للتكسب والإثراء والنفوذ على حساب بناء الدولة ومؤسساتها القوية، ولهذا عاشت اليمن  في جزئها الشمالي الخاضع للهيمنة السعودية، طيلة سنواتها، في أزمات متلاحقة لتفضي في نهاية المطاف إلى هذه الحرب التي جرفت كل ما يتصل بفكرة الدولة والانتماء الوطني ومرموزاته الكبيرة، ومنها حدث ثورة سبتمبر 1962.

التوقف أمام ذكرى الحدث الستين، يبقى واحدة من  حالات مقاومة اليمنيين للتجريف الذي طال كل شيء في وطنهم حتى الأمل بالانعتاق الذي بشَّرت به الثورة، وتحاول جماعات ما قبل الوطنية وما قبل سبتمبر إطفاءه بجملة من التدابير أقلّها تشويهه وطمسه من الذاكرة.

مقالات

السلام مع ذيل الكلب!

منذ سنوات طويلة، ونحن نقرأ أو نسمع عن السلام في اليمن، وعن تسوية سياسية، وعن حوار عبثي، وعن رحلات مكوكية، بين العواصم التي تخوض معاركها على الأرض اليمنية، والضحايا هم اليمنيون فقط.

مقالات

عن الأحكام التي تسبق الجريمة

أظن أن النفس البشرية، حتى في أشد حالات نزوعها نحو الشر والجريمة، تبحث في الغالب عن مبررات لأفعالها، ومنها تلك الأحكام الذاتية التي يطلقها الإنسان على غيره، قبل أن يرتكب في حقهم جرما معينا، وهذه الأحكام غالباً لا تمت للقيم الإنسانية بصِلة

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.