مقالات
أفول إيران.. بقاء الحوثي!
معركة كسر العظم التي تدور الآن بين الكيان الصهيوني وإيرن، تعيد الحوثي إلى المشهد، ليس فقط بالمشاركة المنسقة في المعركة إلى جانب طهران، بل باعتباره ذراعها المركزي لمواجهة الغرب كما قال قائد القيادة المركزية الأمريكية الأسبوع الماضي.
خلال هذه الجولة من المعركة التي لم تنته بعد، تعرضت طهران لضربات مدمرة. في الساعات الأولى كانت القيادة العسكرية المركزية للحرس الثوري والقوات المسلحة مشلولة بالكامل بعد الإجهاز على الصف القيادي الأول، وكانت منشآتها النووية تحت القصف للمرة الأولى.
لكي تتمكن من الرد، احتاجت طهران إلى قرابة يوم كامل لتعويض قادتها وترتيب هيكلها القيادي العسكري، واضطرت لإبلاغ أمريكا وفرنسا وبريطانيا وروسيا لتدافع عن نفسها!
ما من شك أن إيران بعد هذه الضربة لن تكون كما قبلها. صحيح أنها استعرضت قوتها من خلال القوة التدميرية لقدراتها الصاروخية في قلب الكيان الصهيوني، لكن الخسارة التي لحقت بها سيكون أثرها طويل، وربما تسرع باستسلام ناعم عبر الوساطات الدبلوماسية للتهدئة!
من السيناريوهات المرجحة، إذا طالت المواجهة واتسعت رقعتها، المضي في دعم تغيير داخلي للنظام الإيراني، وكانت تلك هي التهديدات التي بعث بها أول خطاب لنتنياهو بالتزامن مع بدء الهجمات. كأنه أراد أن يقايض طهران: إسقاط النظام أو التخلي عن البرنامج النووي.
في كل الأحوال، تقف الولايات المتحدة الأمريكية وقوى دولية أخرى خلف إسرائيل، ما يعني أن إخضاع النظام الإيراني سيتم، بكل الوسائل، وتلوح إمكانية تلبية أمريكا لطلب إسرائيل بالانضمام للحرب. ربما تكون بريطانيا وفرنسا أيضاً تستعدان لذلك وفقاً لمؤشرات عديدة مع أيّ تطور محتمل.
لقد جرى تفجير صاعق القنبلة الضخمة في المنطقة ومن المستبعد أن تتوقف المعركة دون نتائج تجعل من طهران أكثر إذعاناً. في أفضل الأحوال ستكون إيران بلا مخالب أو طموحات توسعية.
ما هو المهم بالنسبة لنا كيمنيين في هذا السياق؟
الحوثي حليف أساسي لإيران وقوة تشكلت في مدارها، وإذا ما استخدمنا وصف قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا فإنه الاستثمار الرئيسي لها. بالتأكيد هو يقصد أنه الذراع التي تعوض الفضاء على حزب الله في لبنان . هو قال أن إيران تبنت الحوثي بالكامل، ليكون ذراعاً لها متجاوزاً الخليج غرباً باتجاه السواحل الأفريقية.
النهاية الحتمية لهذه الحرب هي خضوع طهران. بصرف النظر عن الاستمرار في إطلاق الصواريخ، إحساس النظام نفسه بدنو تغييره يجعله قابلاً للمقايضة: بقاء النظام مقابل التخلي عن البرنامج النووي. لذلك لجأت طهران، بتشجيع أمريكي رغم تورط واشنطن المباشر في الهجمات، لفتح قنوات اتصال خلفية مع إسرائيل عبر قبرص، كما أعلنت الأخيرة.
إن خضوع إيران وهزيمتها يعني بالضرورة أن الضعف سيعتري الأذرع على رأسها الحوثي. بمعنى أن ضرب الرأس، سيقود إلى ما يشبه الحتمة: كسر الأذرع، وفي الحالة اليمنية من المفترض أن على اليمنيين الاستعداد لما بعد هزيمة الحوثي.
غير أن المفارقة ستكون مذهلة: على عكس ما يلحق بطهران، فإن المتوقع أن الحوثي في صنعاء سيكون هو الكاسب الأكبر في النتيجة في المعادلة المحلية اليمنية!
هل لأن الحوثي مخلوق خرافي فاق صانعه؟
في هذه اللحظة سنكون في مواجهة لا مفر منها لاختبار السردية التي تملكت اليمنيين طيلة عشر سنوات : هل كان الحوثي ذراعاً إيرانياً خالصاً؟
إن نظرية الارتباط الشرطي بين الحوثي وإيران تعرضت لاختبارات كثيرة في الأعوام الماضية وثبت أنها ليست صحيحة كلياً على الأقل. حتى تلك التي جعلت من البيئة الدولية سبباً لتمكينه بدت غير صالحة للبرهان خلال الأشهر الأخيرة على الأقل.
لقرابة الشهرين وجهت الولايات المتحدة الأمريكية حملة عسكرية ضد المليشيا الحوثية، خسرت خلالها الأخيرة بنية عسكرية مهمة، وهيأت الضربات بصورة من الصور للأطراف المحلية، ومن خلفهم التحالف، قيادة معركة حاسمة.
لم تكن طهران هي التي سعت لإيقاف الحملة، ولم تقدم أي إسناد مرئي للحوثيين، بل التحالف. جرى الضغط على أمريكا لإيقاف الهجمات ولم تكد تنتهي حتى سارع التحالف، لإحياء "خارطة سلام " شبعت موتاً، كانت الرياض طرحتها قبل 3 سنوات، وكأن الحوثي في ذروة قوته!
ذلك يعني في ما يعنيه أن مهندس الوضع في اليمن، حريص على التعامل مع مختلف المتغيرات، كأن حصيلتها صفر ضمن رؤية تفضل إبقاء الحوثي بل والرهان عليه!
على ضوء هذه الإستراتيجية، من غير المتوقع أن تتغير مقاربات التحالف في الملف اليمني ولو بعد الخروج المحتمل لطهران من معادلة القوة في المنطقة. حتى في حال اجتثاث نظام الملالي الطائفي وإعادة نظام الشاه، كتداعيات محتملة للحرب الجارية بين إيران وإسرائيل، فلن يكون بانتظار اليمنيين غير الأسوأ على الأرجح.
لعل ذلك يعيدنا إلى الجذور وطرح السؤال للمرة الألف: هل كان انقلاب الحوثي تدبيراً إيرانيا محضاً؟
والأهم: هل يمثل بقاء الحوثي مصلحة إيرانية خالصة أم أنه مهم لآخرين فاعلين في الملف اليمني حتى مع أفول إيران؟