مقالات
الدكتور المقالح وشعر العامية في اليمن!
كتاب الدكتور عبدالعزيز المقالح "شعر العامية في اليمن" هو رسالة الدكتوراة التي حصل عليها عام 1979 من جامعة عين شمس، لكنه بقي شبه مجهول. لم تعاد طباعته، ولم يهتم الدكتور المقالح بالرجوع إليه، مع أنه أهم كتبه البحثية.
هذا واحد من أهم الكتب التي تناولت الشعر الحميني، لكن ذلك جاء بتعويم هذا العنوان في إطار أوسع أطلق عليه المؤلف "شعر العامية في اليمن".
شعر العامية أو الشعر الشعبي -كما يسميه آخرون- مفهوم واسع يضم أنواعا عديدة من الشعر، ويذهب الدكتور المقالح لإدراج الشعر الحميني ضمن هذا التوصيف: شعر العامية في اليمن.
لماذا اختار الدكتور عبدالعزيز المقالح هذا العنوان لكتابه "شعر العامية في اليمن" بدلاً من "الشعر الحميني"، رغم أن سرده عن اللغة العربية الفصحى والعامية ترد فيه حيثيات تناقض الاسم الذي اختاره لكتابه، وتتفق ضمنياً مع رأي الدكتور جعفر الضفاري صاحب أول رسالة دكتوراة عن الشعر الحميني في جامعة لندن في العام 1966، ورؤيته لطبيعة هذا الشعر الغنائي اليمني الملحون، ولماذا لا يصنّفه ضمن الشعر العامي.
في مقدّمته للكتاب يقول الدكتور المقالح إنه كان بامكانه أن يختار لكتابه عنوان "الشعر الحميني في اليمن"، لكنه آثر عنوان "شعر العامية في اليمن"؛ لأن القراء في اليمن مازالوا يجهلون معنى تسمية الشعر العامي بالشعر الحميني، إلى جانب أن هذه التسمية مازالت محل خلاف وجدل منذ ما يقرب من ثلث قرن حتى الآن - زمن صدور الكتاب آنذاك - ولم يهتدِ أحد بعد إلى المعنى الحقيقي لهذه التسمية.
ولم يختر المؤلف عنوان "الشعر الشعبي في اليمن" لكتابه؛ لأن النظريات الحديثة تقول إنه ينبغي أن يكون الشعر الشعبي مجهول المؤلف كشرط أساسي لوصفه بالشعبية، أما إذا ما عُرف المؤلف فإنه يصبح شعراً عامياً لا شعبياً.
توضيح الدكتور المقالح لأسباب التسمية يقدّم تبريرات غير كافية لفهم تسميته الشعر الحميني بالشعر العامي.
ما أدهشني في هذا الكتاب القيِّم والنادر أنه يكاد أن يكون مرافعة أدبية رفيعة المستوى لدحض وصف الشعر الحميني باليمن بصفة "العامية".
بتعبير آخر، الكتاب في أحد جوانبه دراسة لغوية وأدبية تنمُّ عن دراية ومعرفة موسوعية، يقدّم فيها الدكتور عبدالعزيز المقالح عرضاً علمياً جاداً لما سُمي بصراع اللغة العربية الفصحى والعامية.
ويتبنّى فيه رأياً يتفق فيه مع الدكتور جعفر الضفاري في أن اللغة المستخدمة في الشعر الحميني ليست عامية، بل أكثر فصاحة من الفُصحى، مستعرضاً الصراع بين عربية شمال الجزيرة وجنوبها، كتفسير لهذا التصنيف لشعر رفيع المستوى ب"العامية".
لكنه، رغم احتواء كتابه على ما يفوق مبررات أي ناقد لاعتماده هذه التسمية، يسميه "شعر العامية في اليمن"، وهي تسمية ينقضها سرده العلمي الرفيع الذي ينم عن إلمام ودراية أدبية ولغوية لا نظير لها عند كل من تناولوا هذا الموضوع ودرسوه، وقدموا حوله بحوثا ورسائل ماجستير ودكتوراة في جامعات عالمية.
ربما نجد تفسيرا لهذه التسمية بكون كتابِه دراسة مقدمة لجامعة مصرية، والشائع في الأوساط الأكاديمية المصرية أن تصنيفها للشعر أنذاك ينحصر في نوعين: الشعر الفصيح والشعر العامي.
وإذا بالغت في تقديري، لسبب التسمية، يمكنني القول إن تبنُي النخبة الأدبية المصرية للغة العربية الفصحى، وعدد منهم أساتذة أو أصدقاء أو تلاميذ للدكتور عبدالعزيز المقالح، يصل إلى حد التعصب للفصحى الجامدة، في تاريخها وحاضرها ومراجعها المتعمدة في الجامعات، وقواعد البحث والدراسات العليا آنذاك.
في كتاب الدكتور المقالح، كما في كتابات أخرى، ما يجعلني أرى في تسمية "الشعر الحميني" بهذا الاسم، الذي لم يأخذ به الباحث، منطقا لغويا وأدبيّا وتاريخيا حاسما، وملائما لهذا الشعر الغنائي اليمني.
لو كان جائزاً هذا الخلط بين الشعر العامي وشعر الموشحات الغنائية، بخصائصه المتميزة، لكان الباحثون قد أطلقوا على "الموشحات الأندلسية" اسم الشعر العامي الأندلسي.
في اليمن أنواع عديدة من الشعر يمكن إدراجها ضمن مسمى "الشعر العامي" في العصرين الوسيط والحديث، لكن الشعر الحميني لا ينطبق عليه سِمات الشعر العامي.
الشعر العامي لا تحدده لغة موحدة، في كل منطقة له لهجة ومفردات، وهو يحتكم لتقاليد وأسلوب كل لهجة ومفرداتها.
أما الشعر الحميني فهو شعر ملحون يتساوى التعبير به في كل اليمن، مفردات وأسلوب وشكل.
مضامين الإجادة فيه مضامين عليا ورفيعة. الشعر العامي يحتوي طيفا واسعا من اللهجات والمضامين العامية، ولا يتساوى في الإجادة ولا في اقتصاد استخدام اللغة اليومية الدراجة مع الشعر الحميني، الذي ينتقي مفردات عامية بحذر شديد، وتكون معروفة في كل الأصقاع اليمنية.
-الفصحى والعامية في اليمن
لا يوجد في اليمن صراع بين الفصحى والعامية -بحسب رأي الدكتور المقالح. شعر العامية في العصر الوسيط، يقصد الشعر الحميني في زمن الدولة الرسولية والطاهربة وصولا إلى القرن التاسع عشر، ما يزال يتردد في الأغاني والأسمار والأحاديث.
العامية اليمنية لم تكن متطورة عن الفصحى العربية الشمالية ولم تنحدر من عاميتها. العامية اليمنية شقت طريقها في ظل الفصحى وعلى مقربة منها. الدكتور المقالح -بهذا الرأي- يتفق مع الدكتور جعفر الضفاري أن العامية المستخدمة بعض مفرداتها في الشعر الحميني هي اللغة العربية الفصحى المستخدمة في اليمن قبل الإسلام، سواءً الحِميرية أو الفصحى الجنوبية، وأن المفردات العامية التي استخدمت في الشعر الحميني كانت معروفة في كل الأصقاع اليمنية، وبإمكان القارئ العربي أن يفهم معانيها.
العامية في زمن نشأة الشعر الحميني نوعين: عامية المثقفين؛ وهي الفصحى غير المعرَّبة. وشبه العامية؛ وهي العامية المطعمة بتعابير وألفاظ عامية. والنوع الثالث عامية العامة، وهي العامية الصرف.
العامية اسم أو مصطلح لغوي لمستوى معين من الكلام يصدر عن العامة، وهم الغالبية الساحقة من أي شعب - دونما تقيد بالقواعد النحوية والصرفية. ودونما التزام بضوابط الإعراب المتبعة في المستوى الرسمي أو الخاص من اللغة. ولم تأخذ العامية شكل اصطلاح علمي إلا في العصر الحديث حين ظهرت الجامعات "كأن الدكتور المقالح يشير هنا إلى قيد أكاديمي مصري كان ضمن أسباب اختياره للتسمية، التسمية التي كان جُل كتابه يشير إلى عدم ملاءمتها للشعر الحميني".
العرب في عصور الازدهار الحضاري لم يكونوا كلهم يتكلمون اللغة العربية الفصحى. وقد ظل الالتزام اللغوي مقصورا على لغة الكتابة دون الحديث. ولم يسلم من هذه الازدواجية اللغوية - برأي الدكتور المقالح - كبار الكُتاب والمثقفين العرب في عصور الازدهار؛ أمثال الجاحظ الذي يعلل لتلك الازدواجية في أحد كتبه بقوله: "وإن وجدتم في لغة هذا الكتاب لحنا أو كتابا غير معرّب، ولفظا معدولا عن وجهته، فاعلموا أننا تركنا ذلك؛ لأن الإعراب يبغض في هذا الباب، ويخرجه عن حده. إلا أن أحكي كلاما من كلام متعاقلي البخلاء، وأشِحاء العلماء كسهل ابن هارون وأشباهه".
ويضيف المقالح أن رأي الجاحظ هذا لم يكن غريباً، فقد وافقه فيه كبار علماء عصره، ومنهم أبو حيان التوحيدي الذي كان يرى - كالجاحظ - أن الإعراب يفسد نوادر المولدين كما يفسد اللحن كلام الأعراب.
ويصل الأمر بصاحب المثل السائر في تعاطفه مع أدبيات العامة إلى حد قوله إن "الجهل بالنحو لا يقدح في فصاحة أو بلاغة، وأنه ليس الغرض من نظم الشعر إقامة إعراب كلماته، وإنما الغرض أمر وراء ذلك".
على ذلك، يرد في مقدمة كتاب "شعر العامية في اليمن" أن العامية ما هي إلا حالة من حالات تطور الفصحى، وأن شعر العامية في اليمن أو جانبا منه قد تمت كتابته بما يسمى "الفصحى الملحونة "، وهي بتغييرات طفيفة لغة اليمن قبل الإسلام، بل تكاد أن تكون اللغة نفسها التي كُتبت بها النقوش اليمنية القديمة على أسوار المدن، وفي جدران المعابد.
ويرى المقالح رأي الضفاري نفسه أن عامية اليمن هي فصحى لم يتم اعتمادها، وهو ما يمكن أن ندركه من إغفال القدماء لذكر الدخيل في القرآن الكريم من "العربية الجنوبية"؛ لأن هؤلاء كانوا يرونها لهجة يمنية لا لغة مستقلة. وقد أدرك كثير من الباحثين تلك الصلات بين عربية جنوب الجزيرة وشمالها.
يسرد الدكتور المقالح آراء عديدة لباحثين وعلماء لغويين، ويخلص إلى أن هؤلاء توصلوا إلى أن اللغة الجنوبية قد كانت الأصل الأول للفصحى العربية، بل للغات السامية الأخرى.
في هذا الكتاب يامكاني أن أعرض حيثيات مطوّلة لا يتسع لها مقال واحد، كلها تسند تسمية شعر الغناء اليمني ب"الشعر الحميني"، وتضعف إطلاق مسمى "الشعر العامي" عليه، حتى الاستفاضة في المطابقة بين الإجادة في الشعر العامي والفصيح، وتفوقه عليه، والقول إن المصطلح أساساً لا يقرر أفضلية لأحدهما على الآخر، كل ذلك لا يبرر إطلاق تسمية "العامي" وتجاهل مصطلح "الحميني".
-ماذا يقول الدكتور جعفر الضفاري
الشعر الحميني، رغم أنه استخدم ألفاظا من الحياة اليومية، وأهمل الحركات الإعرابية، إلا أنه ليس شعرا عامياً.
راجت نظرة عامة عنه بأنه أقرب إلى العامية، خلافا لحقيقته.
اَستخدم الشعر الحميني مفردات من الحياة اليومية ولكن باحتراز شديد، وبذوق خاص مرشد جنبه التردي في مزالق العامية. الشعر الحميني يباين في جوهره كل أنواع الشعر الشعبي في دنيا العرب، سواءً النبطي أو الزجل أو غيرها. وبالأحرى لا علاقة له بأنواع الشعر العامي والشعبي الأخرى في اليمن، وهي كثيرة ومتنوِّعة.
إن في وسع أي عربي قراءة نماذج من الشعر الحميني، متحدرة من القرن الثامن الهجري حتى اليوم، وتمثله، والاستلذاذ بأنغامه الشجية، ولكن عين هذا المرء لا يستطيع قراءة أزجال بن قزمان وغير ابن قزمان من قدامى الزجالين العرب، والاستمتاع بأنغامها، والتلذذ بمنظوماتها؛ لأنه لا يفقه لها معنى، إذ أن مثل هذه الأزجال واللغة في عامية مستهجنة لا تمت كثيرا بِصلة إلى اللسان العربي الفصيح.
يقول الدكتور جعفر الضفاري إن وشاحِي اليمن قد عرفوا أن اللغات العامية اليمنية متباينة تبايناً ظاهراً، في مفرداتها وتعابيرها، لذلك رأوا، بثاقب النظر، أن الأولى استعمال اللغة العربية الفصيحة الموحدة لجميع الأصقاع والمناطق اليمنية؛ لأنها الوحيدة القادرة على الإفصاح عن المكنونات والمختلجات؛ إذ أن اللهجات اليمنية - كغيرها من اللهجات العربية المتباينة، والمستعملة في دنيا العرب - لا تستطيع أن تكون وسيلة تعبير لأرق المشاعر وأنبل العواطف، فضلاً عن أن الكتابة في إحدى هذه اللهجات لن تلقى الرواج والاستحسان في قُطر تتعدد فيه اللهجات، وتتباين فيه
اللغات إلى حدٍ لافت للنظر.
الشعر الحميني كان نوعا من الشعر قائما بذاته، ومستقلاً عن بقية الأنواع الشعرية الأخرى.
والأنواع الأخرى في الشعر العربي هي: العربي، الموشح، البال بال.
وقد ذكر الشاعر الحجازي أحمد القازاني في كتابه "الزهر الباسم" أن هناك أنواعا نظمية رائجة في اليمن، لا تندرج تحت تسمية الموشح أو الحميني.
إن دلالة لفظ "المعرًَب" أكثر اتساعا من اللفظ "القصيد" أو "القريض".
ألفاظ وصور الشعر الحميني مستمدة من الشعر العربي الفصيح، واتكأ على المعجم الشعري في الشعر العربي الفصيح، والموروث، وخاصة الشعر الصوفي.
-المقالح يتفق مع الضفاري دون أن يسميه
في ذروة تفكيكه للتهميش اللغوي لفصحى اليمن، يقول الدكتور المقالح: "من كل هذا نرى أن فصحى عربية شمال الجزيرة وعامية جنوبها لا تثبت للتحليل الموضوعي العلمي، وكم كانت صادقة ومنصفة تلك الكاتبة العربية التي صرخت في وجه الافتراءات الظالمة على عربية الجنوب، عندما تساءلت «كيف يصح أن نحكم على هذا الوطن بالعجمة والطمطمة، وعلى شماله بالفصاحة، والأدهى والأمر من ذلك أن نحكم على الفصيح بالاستعراب وعلى الأعجمي بالعروبة!!
وحتى لا يتسرع البعض في اتهامنا باقحام مثل هذا الموضوع في دراسة عن شعر العامية نبادر نحن إلى القول إن هذا التتبع من شأنه أن ينفي ما استقر في أذهان البعض من أن اليمن كسائر الأقطار التي دخلت إليها العربية - بشقيها الفصيح والعامي - مع الدين الإسلامي، وهو - أي هذا التتبع - يثبت في الوقت ذاته أن العربية الفصحى الجنوبية قد تطورت جنبا إلى جنب مع العامية أو العاميات اليمنية التي ما تزال حية إلى اليوم، وبها يكتب الشعراء، وما يزالون يكتبون".
ومن ثم فليس شعر العامية ثورة على اللغة العربية، ولا على البلاغة العربية، فاللغة العربية ما تزال معه بخير، وهي لغته. وتمرده على قواعد الإعراب لا یعنی تمرده على اللغة نفسها، والبلاغة العربية لا تعنى - كما يقول ابن خلدون- رفع الفاعل ونصب المفعول، وإنما مرجع الأمر كله إلى الأحساس المفرط بالمعلمة والشعور بالتميّز، وهو فرض على كل حال، وربما أكد وجاهته أن معظم شعر العامية المدون قد صدر عن شعراء يمارسون كتابة القصيدة الفصحى، ويجيدون النَّظم بها في شتى الأغراض، ويحتفظ بعضهم إلى جوار ديوانه العامي بديوان من شعر الفصحى.
-الخصائص الفنية لشعر العامية
تناول المؤلف في كتابه الخصائص الفنية للشعر العامي، وقد أوضح فيه أن القصيدة العامية في المرحلة الأولى في زمن الدولة الرسولية والطاهرية تشترك مع القصيدة الفصحى في استخدام فنون البلاغة التقليدية من استعارة وتورية وجناس وطباق. من هذه السمات الأدبية البلاغية، تناول من أبعادها الفنية المتمثلة في عناصر اللغة والصورة الشعرية والرمز والقصص؛ الحوار والموسيقى أو الشكل، وقد خلص إلى أنه لا يهبط بشعر العامية؛ كونه كُتب بالعامية، كما لا يرتفع بشعر الفصحى أنه كُتب بالفصحى، وأن الأساس الفني هو جوهر الشعر، وبدونه لا يسمى النَّظم شعراً، وأن شعر العامية في اليمن - في مرحلته المؤسسة للشعر الحميني - يمكن أن يكون وعاءً للقيم الجمالية واللمسات الإنسانية.
كما هو الأمر مع شعراء اليمن بوجه خاص، في عصر الدولة الرسولية الذي تمت فيه مشاعر الاستقلال واتسعت، وتصاعد فيه الأحساس بالمحلية والخصوصية الوطنية، ظهر شعر العامية في اليمن "يقصد الشعر الحميني"، واتسع نطاق تداوله ونظمه.
وقد دخلت القصيدة العامية عصر التدوين حين شهدت اليمن، منذ أوائل القرن السابع الهجري، نشاطاً سياسياً متزايداً لإقامة دولة الرسوليين المستقلة عن مصر والشام بعد سقوط الحكم الأيوبي فيها، الذي كان قد أمَّن نفوذه عبر البحر الأحمر إلى اليمن في أعقاب النفوذ الذي كان من قَبل للفاطميين على الحكام الصليحيين؛ لذلك ليس غريباً أن يكون رائد هذا اللون من الشعر وأول اسم مدوّن في قائمة شعراء العامية في اليمن هو أبرز كتاب ديوان الدولة الرسولية الناشئة "ابن فليتة".
يقول المحبي في خلاصة الأثر الحميني - يعني شعر العامية - قد ظهر في اليمن في أوائل الدولة الرسولية، وأول من بدأ به في اليمن أحمد بن فليتة.
-خاتمة ضفارية
الموشحات الحمينية فن شعري يمني يمتد تاريخه لأكثر من خمسة قرون، يختلف عن الشعر بنوعيه الفصيح والعامي، وكذلك يختلف عن الشعر الغنائي الحديث في أمور عدة، وذلك بالتزامه بقواعد معينة في التقنية، وباستعماله المُرشد اللغة الدارجة السائدة في كل الأصقاع اليمنية، ثم باتصاله القوي بالغناء؛ كونه شعرا ملحونا نُظِم ليُغنّى.
الموشحات الحمينية لها تقنياتها الفنية، وأوزانها الخارجة عن غرض الشعر بنوعيه الفصيح والعامي.
الشعر الحميني يُنظم في بناء شعري، لا يسير في موسيقاه على النهج الشعري التقليدي الملتزم بوحدة الوزن والقافية، وإنما يعتمد على منهج تجديدي متحرر، فيه ثورة على الأساليب المرعِية في النَّظم بحيث يتغيّر الوزن، وتتعدد القافية.
وتتعدد قوافيه وأوزانه تبعا لرغبة ناظمه، ويعد ثورة على الشعر المقفى التقليدي الذي يخضع لقيدي الوزن الواحد والقافية الواحدة.
شغلتني التسمية عن المضمون الثري والشاسع المعرفة في كتاب الدكتور عبدالعزيز المقالح "شعر العامية في اليمن"، فاستغرقت هذه المقالة كلها في الكتابة حول تسميته بالعامية، والآراء المناقضة لها. هذا ما يحفِّزني لأن أتناول في المقالة القادمة ما تضمنه هذا الكتاب الذي يمثل دراسة بحثية رائدة في الشعر الحميني، هي البحث الأكثر أهمية في قائمة مؤلفات الدكتور عبدالعزيز المقالح الواسعة والثرية، وتحديداً في المجال البحثي، الكتاب الذي نال به درجة الدكتوراة من جامعة عين شمس المصرية، في ذروة توقده المعرفي ودراسته الأكاديمية آواخر سبعينات القرن الماضي.