مقالات

المقالح .. كلمة اليمن الخالدة (1)

25/12/2022, 08:11:13
بقلم : محمد صلاح

ارتبط في ذهن اليمنيين اسم سبأ وحمير وحضرموت، بالدور الحضاري الرائد لليمن، وفي عصرنا الراهن "إذا ذكر اليمن الحديث ذكر المقالح" كما يقول الدكتور عز الدين إسماعيل.

كان شاعر اليمن الراحل العظيم عبدالعزيز المقالح كلمة اليمن المبدعة، كان الكلمة الراسخة جذورها في أرض الثقافة اليمنية، وفرعها السامق في سماوات المعرفة الإنسانية.

امتطى صهوة الكلمة وبلغ بها سدرة المنتهى، وعبرها استطاع تجاوز شواهق الأفكار، والوصول إلى ذروتها، محلقا في سماء المعرفة، وناشراً ظلالها على مساحة البلاد العربية. 

أبصرت عيناه اليمن عام 1939م، في إحدى قرى وادي بنا التابعة لمحافظة إب، وكانت الظروف المحيطة به، وبكل ابناء الشعب اليمني، ثقيلة، ومحبطة، محاصرين بين العزلة، والتخلف، وسلطة تعتمد في وجودها على القيود والسجون، لا تتورع عن ارتكاب الفظائع في حق اليمنيين، وبالأخص الطلائع المنادية بتغيير الأوضاع في البلاد، وتحقيق اليسير من الاتصال بالعصر، واتاحة الفرصة أمام الشعب في الاستقرار، والحياة.

ولقد كان والد شاعر اليمن الدكتور المقالح، واحدا من أولئك المستنيرين الذين سعوا إلى تغيير أوضاع اليمن، وكان حظه السجن والقيود الإمامية، كما كان ذلك حظ رفاقه من المستنيرين. 

واذا كانت الأمم والشعوب تقسم المراحل التاريخية، إلى فترات، وتختار لكل مرحلة حدثا بارزا، للتعبير عن ذلك،  كمرحلة ما قبل الميلاد وما بعدها، أو قبل الإسلام وما بعده، ففي اليمن، إذا ما أردنا قراءة التاريخ الثقافي في العصر الحديث، فبوسعنا أن نشير إلى تاريخ ما قبل المقالح وما بعده.

ولن يكون بمستغرب بعد رحيل شاعر اليمن وروحها النابضة بالمعرفة، وما قدمه من أجل اليمن ونهضتها،  أن تضيف الاجيال اليمنية القادمة اسم المقالح، إلى جوار سبأ وحمير وحضرموت، لتؤكد من خلاله على حضور اليمن الثقافي، والفاعل في الثقافة العربية الحديثة، كما هو الحال بالنسبة لسبأ وحمير، في الأدوار الحضارية القديمة.

  قبل المقالح كان حظ الداخل اليمني من المشاركة، والمساهمة في الحضور الابداعي على ساحة الثقافة هامشيا، إن لم يكن غائبا، أو معدوما، إلا من بعض كتابات للاستاذ محمد علي لقمان، والاستاذ أحمد محمد سعيد الأصنج، من أبناء مدينة عدن، أما من ناحية الشعر والأدب والنقد، فلا يكاد أحد يعرف عن أدباء اليمن وشعراءها، في الداخل شيئا، وإن كان الاستاذ باكثير قد أصبح كاتبا وشاعرا يشار له بالبنان، إلا أنه لم يتمكن من اشهار وابراز الأدب والشعر اليمني، وقد كان هذا الوضع يشكل عقدة لدى رواد التنوير في البلاد، وشعورا بالنقص، ولم يتمكنوا رغم محاولاتهم، من تجاوز هذه العقدة، والتي كان النظام الإمامي في بلادنا سببا رئيسيا في وجودها، بل كان ترسيخ العزلة، والتخلف هدف أساسي للسلطة الإمامية الكهنوتية.

نعم عرفت اليمن العديد من المفكرين، والعلماء، والشعراء والمؤرخين، لكنها في التاريخ المعاصر لم تعرف شخصية استطاعت عبر عملها الدؤوب، والمتواصل من الحضور على الساحة اليمنية، والعربية، والانسانية، بكل ذلك البهاء والـتألق، كما عرفته مع الراحل المقالح، فقد استطاع أن يتجاوز الواقع اليمني، ويجعل اليمن حاضرة ومشاركة من الناحية الثقافية، والمعرفية على كامل الرقعة العربية، بعد أن ظلت طوال النصف الأول من القرن العشرين عبارة عن عالة على الاخرين ليس لها ما تسهم به، أو تؤكد به على حضورها، مثل بقية الدول العربية في بلاد الشام، ومصر، فكان المقالح هو من منح اليمن هذا الحضور عبر اسهاماته الشعرية، ودراساته النقدية، وابحاثه التاريخية، وكتاباته الفكرية المتواصلة، "فعبد العزيز يمثل ريادة شعرية باهرة، خرجت به من حدود اليمن إلى الأفق العربي الأوسع، ومع ذلك فإن ريادته لآفاق اخرى في حياة اليمن المعاصر قد جعلت منه - منذ وقت مبكر - رمزا من الرموز التي يعتز بها كل مواطن يمني، ويقدرها كل مواطن عربي، ويكفي أن تذكر في هذا المجال دوره في تأسيس الجامعة، وعمله على نموها وتطورها عاما بعد عام" [د. عز الدين اسماعيل شهادته عن الدكتور المقالح، الجديد في عالم الكتب ص27، عدد11، خريف1996م.]

لقد استطاع شاعر اليمن خلال ستين عاما من الكتابة المتواصلة أن يتجاوز الحدود والقيود، ويتغلب على عقدة التخلف، والعزلة، التي طبعتها على البلاد سلطات البؤس، والشقاء.

 كانت القراءة، والحصول على الكتب في اليمن، خلال الحكم الإمامي أشبه باقتراف الخطيئة التي تودي بصاحبها إلى هاوية الهلاك، ويستحق عليها أشد أنواع العقاب، لذا كانت القراءة والمطالعة تتم بتستر، وخفية عن أعين الرقباء، وكأن اصحابها يعدون للانقلاب على الحاكم، وبالفعل فقد قاد طليعة الشباب الذي ينتمي إليه المقالح ثورة انهت حكم الإمامة، الذي عزل اليمن عن العصر، وجعلها رهينة بين أنياب التخلف، وأظافر الفقر.

لقد كان المثقفون اليمنيون في الثلاثينات، والاربعينات، والخمسينات، يعانون أضعافا مضاعفة مما يعانيه رجال الفكر، والأدب، والمعرفة في البلدان العربية الأخرى، بل إنهم كانوا بحسب تعبير الراحل يتم اصطيادهم مثلما تصطاد الغزلان والضباء.

استطاع المقالح بارادته، وتطلعه اللامحدود نحو الحصول على المعرفة، والتزود بها، أن يتغلب على المصاعب التي واجهته، ويتجاوز عائق التخلف الذي أرادت سلطة الأئمة أن تسجن اليمنيين خلف قضبانه.

  إن القارئ لمسار، ومسيرة رائد الثقافة الوطنية في العصر الحديث، وصاحب الدور الذي يعترف بفضله الجيل الذي سبقه، والاجيال التي جاءت من بعده، يتأكد لديه بأن الرجل كان يحمل هم وطنه، وشعبه، وفي سبيلهما كرس كل حياته. "واتجه بكل ما أوتي من جهد إلى جعل العمل السياسي عملية بناء هادئة وواثقة للإنسان على أرض اليمن، ولذلك يلتف حوله ويأتلف معه كل سياسي من كل اتجاه" كما يقول الدكتور عز الدين إسماعيل.

من يقرأ كتابات المقالح عن أوضاع اليمن السياسية، والاجتماعية، والثقافية، خلال النصف الأول من القرن العشرين، يلمح بين جوانب كتاباته المرارة والحسرة، وعقدته من العزلة، والتخلف، التي تجرعتها البلاد، فهو يكرر الحديث عنهما في عديد أبحاثه، التي تتطرق لأحوال اليمن الثقافية، والاجتماعية والسياسية، الأمر الذي دفعه لحث الخطى لمحاربتها، ومواجهتها منذ خطواته الأولى، وأراد لليمنيين أن يتجاوزوها، ويتخلصوا منها، ولذلك كرس حياته لنشر المعرفة، وتعريف العالم العربي بثقافة اليمن، من خلال العمل على طباعة الانتاج الثقافي للشعراء والأدباء اليمنيين منذ كان طالبا في القاهرة، يقول الروائي اليمني الكبير زيد مطيع دماج في شهادته حول ذلك: "الدكتور العظيم عبد العزيز المقالح هو الوحيد في اليمن الذي أنعش الثقافة بكل فروعها، وكان أثناء بقائه في القاهرة، رغم همومه المعيشية والمرضية، قد استطاع أن يشد من أزر الشعراء والقصاصين والأدباء الآخرين، فقد قام بطبع كتبهم من قصة ورواية وشعر، وبعد أن يقدم لهم مطبوعاتهم بمقدمة يكتبها هو ويقوم بإعدادها للنشر في مطبعة دار الهناء الرخيصة الثمن أو دار العودة في بيروت.. من أول عمل نقدي للشاعر البردوني رحلة في الشعر اليمني وديوان الأستاذ الشاعر مطهر علي: فوق الجبل، وغيـرهـم مـن الشـعـراء والروائيين والـقصاصين والمسرحيين .... الخ" [ زيد مطيع دماج - الجديد في عالم الكاتب والمكتبات ص 27 العدد ۱۱ ( خریف1996)]

لقد كان عبدالعزيز المقالح المثل الحي لثقافة التغيير، والتجديد، وكان المثل الحي للكلمة القادرة على صناعة، وصياغة فجر الشعوب الذي يبدد الظلمة التي ينسجها الطغاة، والمستبدون.

مقالات

أبو الروتي ( 14 )

كان المعهد العلمي الإسلامي يتبع الشيخ محمد سالم البيحاني -خطيب وإمام مسجد العسقلاني في كريتر- وكان مدير المعهد هو الأردني ناظم البيطار، الرجل الذي كان مجرد ظهوره يثير فينا الرعب.

مقالات

ما العمل؟

عندما قرأ مقالي «ماذا ننتظر كيمنيين؟»، عَقَّبَ الأستاذ المفكر الإسلامي زيد بن علي الوزير بسؤال: «ما الحل؟»، و«ما المخرج؟»؛ وهو «سؤال العارف». وقد وردَ في الأثر: "ما المسئول بِأعلمَ مِنْ السائل".

مقالات

"أيوب طارش".. اسم من ذهب

ما أكثر ما تعرَّض أيوب طارش لعداوات ساذجة من بعض المحسوبين -بهتانا- على رجال الدين، وخطباء المنابر المنفلتة، ليس آخرهم عبد الله العديني، الذي أفسد دينه ودنياه وآخرته بإثارة قضايا هامشية لا تهم أحدا سواه

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.