مقالات
اليمن بين عقبة الرئاسي وعقوبة الحوثي!
لا مكان للأغبياء في العلاقات الدبلوماسية والدولية، ولا مجال للضعفاء في تسوية النزاعات، الغباء في السياسة غيبوبة دائمة، غياب تام.
الأغبياء عادة أناس طيبون، لكنهم لا يصلحون لتمثيل شعوبهم؛ لأنهم ببساطة يمثلون بها، ولا يمثلونها.
يذهب وفد يمني رفيع، برئاسة رشاد العليمي، للمشاركة في القمة العربية بالعراق، وفور وصولهم يقترفون جريمة بروتوكولية مدوّية.
في موقف مهين ومُذل، يُمنع النائبان البحسني ومجلي من مواصلة السير خلف العليمي، والتقدّم نحو نائب رئيس الوزاء وزير الخارجية العراقي؛ نتيجة خرقهما البروتوكول المتعارف عليه، ويتم التعامل معهما كمرافقين من قِبل الحرس العراقي.
وحين احتار العراق في توصيف العليمي ونوابه، راح المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء السوداني ينشر خبراً عن استقباله رئيس وفد الجمهورية اليمنية، رشاد العليمي، دون الإشارة إلى كونه رئيس المجلس الرئاسي.
التنافس الشرس بين أعضاء المجلس الرئاسي على تسجيل الحضور، والتقاط أكبر قدر من الصور التذكارية، لا يقتصر فقط على الصعيد المحلي، بل يتجاوزه نحو التنافس على السفريات والمشاركات الخارجية، ويكون ذلك على حساب القضية الوطنية.
تنتقي الدّول ممثليها بعناية فائقة، وتختار ساستها وفق شروط معقّدة، وتصنع رموزها من وقت مبكِّر بعد أن تخضعهم لبرامج تأهيلية وتدريبية مكثفة.
أما اليمن فما عادت تمتلك حتى حق اختيار ساستها ومن يمثلها، وإنما يتم فرضهم من قِبل الأطراف الدولية الحاكمة والمؤثرة في المشهد السياسي للبلاد.
وفي ظل هذا الاستقطاب الحاد، يتحوّل السياسي اليمني إلى ممثل ومندوب للدولة التي تختاره مسؤولاً يمنياً.
في حين يحاول الحوثي تقديم نفسه كممثل وحيد لليمن، ويتم تسويقه -زوراً- كمقاوم وبطل قومي، وإبراز جماعته الإرهابية كحركة تحرر عربية، تم وصفهم بـ"السلطات اليمنية المعنية" من قِبل أمير الكويت -في سياق إشادته بجهود سلطنة عُمان في إبرام اتفاق بينهم وبين أمريكا، خلال كلمته في القمة الخليجية - الأمريكية بالرياض، لم يكن ذلك خطأ إملائياً ولا زلة لسان؛ لأن الكلمة كُتبت مسبقاً، ولم تكن حديثاً مرتجلاً.
ولأن مثل هذه التصريحات يمكن أن تتسبب في إحداث أزمة دبلوماسية بين الدول، فقد تنبَّه رئيس القمة الخليجية - الأمريكية، الأمير محمد بن سلمان، إلى ذلك الخطأ الفادح؛ لأن ذلك التوصيف، قبل أن يسيء إلى اليمن ينال منه شخصياً، ومن التحالف الذي قادته دولته بهدف القضاء على الانقلاب الحوثي، واستعادة الشرعية في العام 2015م.
سارع بن سلمان إلى معالجة الخطأ، فمنح الكويت فرصة للتصحيح والاستدراك. وخلال توضيحه، أشار أمير الكويت إلى أنه يقصد "السلطات اليمنية غير الشرعية"، أثناء حديثه عن اتفاق أمريكا مع الحوثيين.
غير أن وصف الحوثيين بـ"السلطات اليمنية" -في حد ذاته- يعتبر توصيفاً مستفزاً، يُؤسس لشرعنتهم والتطبيع معهم.
ولأن الخطأ مصدره الكويت، الدولة التي بقيت دوماً إلى جانب اليمن تنموياً وإنسانياً وسياسياً، يمكننا وضعه ضمن دائرة خيانة التعبير، وليس التعبير عن الخيانة.
وسواء كان هذا الخطأ بقصد أو بدونه، ومن الكويت أو من غيرها، فإنه لا يتّسق مع الموقف الدّولي من الحوثيين، ويتساوق بشكل كبير مع مساعي المبعوث الأممي المشبوهة وخارطة طريقه التائهة.
إن أي تعويل على الخارج للتخلّص من الحوثي، لا سيما عقب الاتفاق الأمريكي مع الحوثيين، يعد ضرباً من ضروب الوهم.
وأي رهان على قيادة الشرعية -بوضعها الحالي- في استعادة البلاد هو مجرد حسن ظن بقيادة فقدت ملامحها وأضاعت بوصلتها.
السياسة بحاجة إلى الدَّهاء والمكر، وإلى اجتراح الحلول المستعصية، وصناعة التحولات الفارقة، لا كما يفهمها السياسي اليمني دوماً على أنها تقديم التنازلات.
ثمة ترتيبات مشبوهة تتم اليوم في الملف اليمني، واتفاقيات تُبرم باسم اليمن بعيداً عن مَن يُفترض أنهم 'الممثل الشرعي لليمنيين'، ولا نسمع صوتاً من مجلس القيادة!
لم يخدم الحوثي أحد كما تفعل قيادة الشرعية بعجزها وضعفها وقلة حيلتها، وهوانها على الدّاخل والخارج.
"ليس من الضروري أن تكون عميلاً لكي تخدم عدوك، يكفي أن تكون غبياً"، يقول الشيخ الغزالي.
ومن الشعر بيتاً يضيف أبو تمام:
"لَيسَ الغَبِيُّ بِسَيِّدٍ في قَومِهِ
لَكِنَّ سَيِّدَ قَومِهِ المُتَغابي"
بجانب الحوثي، اُبتليت اليمن بشرعية ضعيفة ومتبلِّدة وغبيّة وغائبة في الوقت نفسه.
مؤسف جداً أن نتعثَّر بالمجلس الرئاسي، ويصبح -بخلافاته البينية وصراعاته الداخلية- عقبة في طريق التحرير.
الحوثي عقبة اليمن الكبرى، وعقوبتها المؤلمة، واستمرار بقائه عقوق للوطن، وإعاقة للحياة، والتعايش معه تنكّر لدماء الشهداء، وخيانة لأنين الجرحى.
لا توجد عقوبة أشد وطأة على اليمنيين كالحوثي، ولا شيء يعيق اليمن عن التحوّل نحو السلام والتنمية والاستقرار مثل استمرار انقلابه.
لا عقوبات يمكن لها أن تساوي في وطأتها معاقبتنا بالحوثي، ولا أزمة يمكن لها أن تختزل مآساتنا كاستمرار انقلابه.
كل مصيبة دون الحوثي تهون، وكل أزمة غير الانقلاب يمكن تجاوزها، وكل بلاء سوى الحوثي يمكن التعافي منه.
وحدهم اليمنيون من يمكنهم اليوم رفع هذه العقوبة عن أنفسهم، وتخليص وطنهم من آثارها وتداعياتها.
الحوثي لم يُفرَض علينا كعقوبة بجرة قلم، وإنما صُنع بأعين إيرانية، ومخابرات غربية، وبتواطؤ أطراف محلية على مدى عقود من الزمن.
وطالما أننا أصبحنا جميعاً ضحاياه؛ فلا داعي لإلقاء اللوم، ولا مجال لتوزيع الاتهامات والتنصل من المسؤوليات والهروب من الالتزامات.
لم يطالب السوريون برفع العقوبات عن بلادهم إلا بعد أن خاضوا أعظم معارك التحرير في العصر الحديث، وتخلصوا من أقبح أنظمة الفاشية العائلية في المنطقة، وفرضوا واقعاً جديداً يُجبر العالم على التعاطي معه.
جميعنا اليوم معنيون برفع العقاب الحوثي على اليمنيين، والتخلّص من هذا العار، وإعادة الاعتبار للوطن.