مقالات
تسوية على قاعدة المحاصصة واقتسام النفوذ!!
ترتيبات التسوية السياسية، التي تهندس لها السعودية في اليمن، هي في الأصل رغبة أكيدة للخروج من المأزق الذي وجدت نفسها فيه بعد ثماني سنوات من حرب عبثية أكلت الأخضر واليابس في حاضر ومستقبل اليمنيين، واستنزفت مليارات الدولارات، التي ابتلعها ثقب أسود اسمه وكلاء المتحاربين الإقليميين في الداخل اليمني، الذين سيعملون بكل الوسائل لتعطيل مسارات التسوية المرتقبة؛ إن لم تشملهم المحاصصة وتوفّر لهم الحماية من المساءلة في المستقبل.
اختارت السعودية في مسعاها هذا الطريق الأقصر بتوقيع اتفاقية مع إيران برعاية صينية في فبراير الماضي؛ كون الأخيرة هي الفاعل الرئيس في حرب اليمن، وتستطيع التأثير على أدواتها ووكلائها في الداخل (جماعة الحوثيين).. أما الأطراف الأخرى من وكلائها ووكلاء حليفتها (الإمارات) فتستطيع قيادتهم إلى ما ترغب به، بدليل أن تفاهماتها السريّة والعلنية مع إيران والحوثيين (في بكين ومسقط) تمّت بدون الرجوع إليهم أصلاً.
إعادة لملمة مجلس القيادة الرئاسي، الذي شكّلته قبل عام لهذا الغرض، في اجتماع عاجل في الرياض الأسبوع الماضي قبل وصول وفدها إلى صنعاء مساء السبت 8 أبريل 2023، ووضعه في صورة التفاهمات، التي رعتها سلطنة عمان، الذي وصل وفدها بمعية الوفد السعودي لإنجاز التسوية، كان لإجبار المجلس على القبول بكل ما تم التوافق عليه مع إيران بدرجة رئيسية، بشأن اقتسام النفوذ في البلد المتهتك، الذي بموجبه تسليم كل شمال اليمن الحيوي وغربه ووسطه للوكيل الإيراني، بعد أن تضمن الجارة أمنها القومي في حدودها الجنوبية.
عملت السعودية، طيلة سنوات الحرب، على إنتاج قاعدة لتوازن الضعف تقف عليها جميع الأطراف الخاضعة لها ولحليفتها (الإمارات)، ومن كان خارج سيطرتها الفعلية، ولم يقف على القاعدة ذاتها هي الجماعة الحوثية، التي كان ولاؤها الإيديولوجي والسياسي -ولم يزل- لإيران، ولهذا اختارت الطريق الأقصر بالتفاهم مع الراعي أولاً، قبل أن يظهر الوكيل في صورة بروتوكولية للوازم إعلامية وترويجية.
ما تم التفاهم حوله بشأن اليمن بين السعودية وإيران هو الذي سيكون وسيمضي وسيتحقق، خصوصاً وأن رغبة دولية وإقليمية تدعم هذا المسار، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا، لتخفيف الضغط على أسواق الطاقة الدولية المتأثرة بالحرب الروسية - الأوكرانية؛ كون دولتي التفاهم اللاعبتين الرئيسيتين في حرب اليمن هما من أهم منتجي الطاقة.
دخول الصين على خط الترتيبات القبلية ونجاحها في رعاية الاتفاق الأمني والسياسي بين الدولتين، سيكون له الأثر الفاعل في إنجاح طبخة التسوية، التي ستترتب عليها حالة شرق أوسطية جديدة، سيكون الاقتصاد هو الفاعل الرئيس في علاقة الشراكة المستقبلية بين دول الإقليم.
(**)
ربما يلمس اليمنيون، في الفترة المنظورة القادمة، انفراجة من نوع ما، غير أن الجزم بالتركيم على هذه التفاهمات للوصول إلى حالة سلام مستدام في البلد المتشظي- الذي حوّلته الأطراف المتحاربة إلى كانتونات وإمارات مغلقة تتحكم بها مليشيات أمر واقع لها مواردها من الجبايات ومستنفعات الحرب، ولها أذرعها الأمنية والعسكرية وسجونها غير القانونية، التي تمتلئ بالضحايا المدنيين- أمر مستبعد تماما؛ بسبب التناقضات الكبيرة والولاءات المتعددة، وأيضاً جملة المكاسب التي جنتها بسبب حالة الانفلات والفوضى.
إن تم الإفراج عن جميع الضحايا بدون قيد أو شرط (الكل مقابل الكل)، وعودة النازحين في الداخل والخارج إلى مناطقهم ومنازلهم، وصرف مرتبات كافة الموظفين في الشمال والجنوب والشرق والغرب، وفتح كل الطرقات بين المحافظات والمناطق، ورفع الحصار عن المدن (تعز) ، وتوحيد العملة والجيش، وإلغاء القوانين المالية والاقتصادية غير الدستورية (قانون منع التعاملات الربوية وقوانين الجباية الأخرى)، والسماح بعودة الحياة السياسية والمدنية، ومن ثم الاتفاق على الذهاب إلى مشاورات أو (مفاوضات) الحل النهائي على شكل الدولة ودستورها، ساعتها فقط يمكن الحديث عن حالة تعافٍ، وأن الأطراف (الرعاة الخارجيين ووكلاءهم في الداخل) تبحث عن مخارج حلول إنسانية لشعب طحنته آلات الموت، التي صدَّروها إلى مدنه وقراه، وأنتجت أموالهم (المدنَّسة) كل هذا الخراب في روح البلد وعمرانه وإرثه الثقافي.