مقالات

تصفية الشيخ حنتوس.. الكرامة كتهديد للسلالة

11/07/2025, 06:17:11

تصفية الشيخ صالح حنتوس لم تكن نتيجة مواجهة مسلّحة نظامية، ولا حصيلة خصومة جنائية، بل تعبير عن إرادة حوثية مطلقة ترى في في كرامة رجل مسن رفض الانكسار، تهديدًا وجوديًا لمشروعها القائم على الإذعان التام والهيمنة المطلقة على حياة الناس وواقعهم.

ما حدث لا يمكن النظر إليه كجريمة عابرة. هو مثال فادح على ما يحدث حين تهيمن سلالة كهنوتية تٌحوّل الشر والإجرام والإذلال إلى إجراءات إدارية، تنفّذه عصابة منظمة لا تنبع أفعالها من نزوات أو دوافع شخصية، بل من أقلية سلالية تتغذّى على نفي الأكثرية اليمنية.

صارت العصابة الحوثية تمارس القتل والجريمة، بوصفهما فعلًا روتينيًا، بارداً، متكرراً، كما لو كان جزءاً من لائحة مهام إدارية لا تحتاج إلى ضمير. ما حدث للشيخ حنتوس من القتل إلى محاصرة أسرته وقصف منزله ثم اقتحامه ونهب محتوياته، واختطاف جميع الرجال في عائلته،  ليس سوى لحظة تتجلى فيها طبيعة السلالة المعادية للشعب وكيف يغدو القتلة والمجرمين عبارة عن موظفين يؤدون ما يرونه واجباً. 

الفظاعة لا تكمن فقط في بشاعة النتيجة، بل في غياب أي دافع مفهوم: لا انتقام، ولا مصلحة، ولا تهديد فعلي. فقط إصرار سلالي عنصري على تحطيم النموذج اليمني الذي يصرّ على أن يكون حرًا وصاحب كرامة في بيئة تريدها السلالة أن تكون مٌذعنة وخاضعة لا تقبل الحريّة.

الجريمة عرّت وجه السلالة وتنظيمها العسكري أكثر . ليس لأن الشيخ حنتوس أول الضحايا، بل لأن صموده وبطولته ورفضه للإذلال والخضوع اختصر حقيقة البنية الحوثية بوصفها جماعة لا تطيق أن ترى اليمني حراً واقفاً، فتعتبر الثبات والكرامة تهديدا يستوجب إزالته بأقصى درجات الوحشية. لكنها واجهت مشكلة أكبر. توقعت أن يٌذعن الشيخ ويسلم نفسه بمجرد التلويح بالهجوم عليه، وتفاجأت بمقاومته للإخضاع والإذلال، واصطدمت ببطولته. البطولة الكاملة تجعل من موت البطل واقفاً تهديداً أكبر من حياته.  

لا يمكن فهم هذه الجريمة في إطار جنائي أو قانوني، انها تمثيل حيّ لسلالة مسلحة لا تعترف بأي حدود أخلاقية ودينية. حين يُقتل شيخ طاعن في السن، محاصر في منزله مع زوجته، لا لشيء سوى رفضه الخضوع، نكون إزاء وحشية لا يطالها الحساب القانوني ولا الغفران. شرّ لا ينبع من انفعال ولا عاطفة، بل من عقل سلالي عنصري مبرمج يرى في اليمني الحر والمستقل عن الجماعة عدواً لا بد من سحقه.

نموذج الهيمنة الحوثية لا يكتفي بالسيطرة على سلوك اليمنيين، بل يسعى لإعادة تشكيل واقعهم نفسه، بحيث لا يبقى شيء خارج إرادة السلالة.  يتّضح هنا المعنى أكثر في استهداف الشيخ حنتوس: لم يكن محاربًا في الجبهات، بل رمزًا للمقاومة الوجودية، إذ اختار أن يعيش كإنسان يمني حر، صاحب موقف وكرامة، وهو ما لا يمكن لجماعة كهنوتية أن تتسامح معه. فالحرية وإن كانت فردية في بيئة مغلقة، تُخلخل الصورة أمام أتباع الجماعة قبل خصومها.

هذه الجريمة الحوثية كسر للنسيج الأخلاقي للمجتمع. أصابت الضمير اليمني بجرح لا تلئمه العدالة القانونية حتى وإن وجدت، ولا تنفع فيه العقوبات، لأن مثل هذه الجريمة تُخلف صدمة لا يجد الوجدان أمامها سوى الصمت أو الانفجار.

ولهذا فإن الغضب الشعبي الذي تلا تصفية الشيخ حنتوس لم يكن مجرد احتجاج، بل كان صرخة مصيرية في وجه ظلم لا يُغتفر، لأنه لا ينتمي إلى لغة القوانين أو السياسة وحدها، بل إلى نفي كامل لفكرة الكرامة الإنسانية.

ما حدث لم يكن محاولة لقتل رجل فحسب، بل محاولة لقتل فكرة: أن اليمني قادر، حتى في أحلك اللحظات وأصعب الظروف، أن يرفض الركوع ويقاوم الإذعان. وما لم تدركه عصابة الحوثي هو أن هذا النوع من الجرائم لا يُمحى، بل يُرسّخ في وعي الناس، ويُخلّف أثرًا لا يُمحى إلا بثورة على السلالة الشريرة ذاتها. 

مقالات

تقديم كتاب "دليلُ السُّراة "

لن نحدّق في الهاوية التي علقنا على أطرافها. لن ندع الجحيم الذي مررنا به ينبت في دواخلنا. في أشد اللحظات قتامةً ويأساً، نعود إلى أجمل ما فينا، نلوذ بروح اليمن العصية على الانكسار.

مقالات

مشروع إسقاط الدولة اليمنية: من التوريث إلى تسليم صنعاء

من ينظر إلى المشهد اليمني اليوم قد يظن أن الحوثيين حققوا نصرًا مرحليًا على خصومهم. لكن الحقيقة أن ما يبدو "نصرًا" ليس إلا حلقة أخيرة في مسلسل طويل من الانهيار الممنهج، تقاطعت فيه الأدوار الداخلية والخارجية، وسارت فيه اليمن من دولة ذات مشروع إلى ساحة مفتوحة للمليشيات والمصالح.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.