مقالات

ذاكرة اليمنيين التي تتبدد!!

05/05/2023, 14:13:22

أثناء إعدادنا لملف عن اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو 2023) في "منصة خيوط"، احتجنا لصورة تحمل ترويسة صحيفة "الطليعة"، التي أصدرها الراحل الكبير عبدالله عبد الرزاق باذيب في تعز، في أكتوبر من العام  1959، كأول صحيفة أهلية ويسارية في الشمال اليمني، بعد أن نفته السلطات الاستعمارية من مدينة عدن باتجاه الشمال؛ لأسباب سياسية تتصل بكتاباته التي تدين التمييز، الذي تمارسه سلطة الاستعمار ضد المواطنين اليمنيين، فبحثت في أكثر من موضع ولم أجد بغيتي، فاضطررنا إلى وضع صورة باذيب على المادة التي كتبها الدكتور أمين الجبر.


بدون مقدمات قفز إلى بالي ساعتها الراحل القاضي علي أحمد أبو الرجال، الذي كان إذا وصل إليه أحد الباحثين  في مكتبه في المركز الوطني للوثائق في مكتب الرئاسة، يستطيع الاطلاع على النادر من الوثائق والمخطوطات بما فيه الأعداد القديمة للصحف، وتصوير ما يرغب به.


أسمع منذ وقت عن تخوفات كبيرة من تجريف محتوى المركز ومصادرة وثائقه،  التي لا تتماشى من توجّهات سلطة الحوثيين السياسية والأيديولوجية، التي جمعها الراحل أبو الرجال على مدى عقود طويلة من الجهات المختلفة والأسر المهتمة، مستغلاً حضوره المعنوي وعلاقاته الرسمية.


كان أبو الرجال حريصا على الوثائق أكثر من المؤسسة الرسمية، فصار بفعله هذا مؤسسة أرشيفية تتحرك على قدمين.
قبل أيام تم تداول خبر أن السلطات الأمنية الأمريكية سلمت السفارة اليمنية في واشنطن قطعا أثرية يمنية تم ضبطها خلال شهري يناير وفبراير الماضيين، وتشمل القطع المستردة تمثالا للوعل اليماني يعود عمره إلى القرن الخامس قبل الميلاد، وتمثالا لامرأة من حجر المرمر يعود عمره إلى القرن الثاني قبل الميلاد، إضافة إلى صحن أثري فضي يعود عمره إلى القرن الثالث ميلادي.


وخبر ثانٍ عن  العثور على مومياء في أحد مكبات القمامة بصنعاء بعد العبث بمحتوياتها.. أخبار تهريب نسخة من "التوارة اليمنية" إلى إسرائيل قبل سنوات قليلة لم تبهت بعد.. الوعل البرونزي الذي عرضه، في أكثر من متحف عالمي، أحد أفراد الأسرة الحاكمة في قطر بأنه أحد مقتنياته يضاف إلى قائمة النهب المنظم.


قبل عقد من الآن (2013)، نشطت -بشكل كبير- حالة تهريب المخطوطات اليمنية من تهامة تحديداً باتجاه السعودية، وأعاد بعض لصوص التراث إنسابها إلى غير بيئتها وملاكها، وحتى مؤلفيها، في عملية تزوير فاضحة يقوم بها المال المنفلت المتدفق إلى البيئات الفقيرة.


في تلك الفترة، أيضاً، تم السطو على بعض مقتنيات المتحف الوطني في صنعاء (سيوف قديمة ورقوق جلدية للمصحف) من قِبل بعض الموظفين، بعد مراسم عرس داخل المتحف!!
وقبل ذلك بسنوات (2009)، قام موظف كبير في المتحف الوطني بعدن ببيع ألبوم متكامل من القطع النقدية الذهبية المحفوظة بخزينة المتحف بنحو 5 ملايين ريال لتاجر في محافظة عدن، ويعود زمن القطع الذهبية إلى عصور تاريخية قديمة، وحضارات يمنية مختلفة.


كان أحد مساكن الوزراء السابقين في صنعاء، ومسكن أحد القادة العسكريين القريبين من صالح تمتلئ ردهاتهما بعشرات القطع الأثرية، التي استحوذا عليها بطرق شتى بحجم نفوذهما القوي، ويقال إن معظمها جُمع من مواقع أثرية  في المنطقة، التي ينتميان إليها، وكان مبررهما أن وجودها في مسكنيهما يوفر لها الحماية أكثر من المتاحة!!


قال لي أحد الأصدقاء، قبل فترة وجيزة، إنه يعرف شخصاً يحتفظ بمئات القطع النقدية التاريخية، التي جمعها على مدى عقود، وإنه لا يأتمن أحداً عليها بما فيه الجهات الرسمية، رغم يقينه التام أنها قد تتبدد بعد رحيله، وهو الأمر الذي ينطبق على صديق لي يحتفظ بمجموعة نادرة من الصحف والمطبوعات القديمة جمعها على مدى خمسين سنة، ويخاف أن تندثر بعد وفاته!!

 

عشرات القصص، التي تتصل بإفراغ الذاكرة اليمنية من كل يتصل بها من إرث مادي، وهي في مجملها تختزل الحال البائس والمزري، الذي وصلت إليه البلاد بسبب حالة الفوضى التي أتاحت للفاسدين ولصوص الآثار والمقابر أن يعبثوا بكل شيء، بعد أن توفّرت لهم أنواعاً مختلفة من الحماية، التي تمنحها الأجهزة والنافذون الموجودون في مفاصل سلطات الأمر الواقع في شمال البلاد وجنوبها.

مقالات

السلام مع ذيل الكلب!

منذ سنوات طويلة، ونحن نقرأ أو نسمع عن السلام في اليمن، وعن تسوية سياسية، وعن حوار عبثي، وعن رحلات مكوكية، بين العواصم التي تخوض معاركها على الأرض اليمنية، والضحايا هم اليمنيون فقط.

مقالات

عن الأحكام التي تسبق الجريمة

أظن أن النفس البشرية، حتى في أشد حالات نزوعها نحو الشر والجريمة، تبحث في الغالب عن مبررات لأفعالها، ومنها تلك الأحكام الذاتية التي يطلقها الإنسان على غيره، قبل أن يرتكب في حقهم جرما معينا، وهذه الأحكام غالباً لا تمت للقيم الإنسانية بصِلة

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.