مقالات
رواية الفنان لنصٍ موزّع بين شاعرين!!
على غير العديد من النصوص الغنائية، التي تم نسبها لغير أصحابها في "موسوعة شعر الغناء اليمني في القرن العشرين" (1)، ثمة نص حمل ذات الاسم (شعبي ثار اليوم) وبالمطلع ذاته:
شعبي ثار اليوم جدد ما غبر لا ينال المجد إلاَّ من صبر
ولشاعرين كبيرين هما: الدكتور سعيد الشيباني، والراحل لطفي جعفر أمان، ويتم نسبه للاثنين حين يُسمع مغنّاه بصوت الراحل الكبير محمد مرشد ناجي، الذي يروي قصة غنائه للنص في كتابه (أغنيات وحكايات)(2)، بقوله: إنه استلمه من الشاعر الطالب سعيد الشيباني (الدكتور حالياً) في 14 فبراير 63 {أي بعد قيام ثورة سبتمبر بقرابة خمسة أشهر}، وانفعل بمطلع القصيدة، ولم يستحسن بقية الأبيات لغموض بعض المفردات فيها من ناحية، وطرقها لموضوعات سابقة لأوانها، كما يقول.
ويضيف المرشدي:
"كتبت للشاعر العزيز سعيد الشيباني إلى القاهرة أطلب التعديل في أبيات القصيدة، وجاء الرد بالسماح لي في بيت واحد، ولما رأيت أن الوقت سيضيع في المراسلات قررت اللجوء إلى الأستاذ لطفي، وفي اعتباري أن العزيز الشيباني سيغضب -ومن حقه طبعاً أن يغضب- ولا بُد في نهاية الأمر أن يهدأ عندما يحس كثوري بأن الأغنية قد أدت دورها، وأنه قد شارك في هذا الدور بصورة أو بأخرى. وقد نالني غضبه في المرة الأولى عندما أضفت البيت (أنا فدا السلال فدا بلادي)(3)، في أغنية "يا طير يا رمادي"،وكان غضبه بصورة عتب مرير، وكنت أظنه لن يبعث إليّ قصيدة أخرى، ولكنه عاد، وسعدت بعودته، وكانت الثانية منّي، وهي كبيرة، فغضب غضباً شديداً وحرر لي مكتوباً في 4/6/ 1963م {ومما جاء فيه}:
"أكتب إليك وأنا في أشد الانفعال، وقد تمالكت نفسي يومين كاملين حتى لا أندفع بحماس، وانفعال لا منطقي، فأقهرك وأقهر نفسي، وكل السبب في هذا تردد إشاعة هنا في القاهرة بشأن أغنية [صوت الشعب]، تقول هذه الإشاعة إن الأغنية ليست كما بعثتها إليك، وإنما هي قد وضعت تحت وصاية لطفي جعفر أمان ليعدّلها، ويعبث بمعانيها ومفهومها الثوري لتعود إلى هتاف، والألفاظ لا معنى لها. وأنا لا ألوم لطفي مطلقاً إلاَّ لسبب واحد، وهو أنه رضي خضوعاً لإرادتك، متناسياً الناموس الأدبي الذي يخضع له كل مثقف لهذا الاعتداء على نصوص أي فنان -شاعراً كان أم كاتباً- إلا برضا ذلك، وبتفويض منه أن يعدِّل القصيدة، ولكن لومي العنيف وعتابي الأسود هو واقع عليك أولا وأخيراً، فأنت في مثل هذا التصرف بإعطاء إنتاجي الفني لأي شخص (لطفي أو أي شاعر آخر) تهين من كرامتي، وتحقّر كل تجربتي وانفعالي وجهودي في إنتاج هذه الحروف"(4)،
ستون عاماً مرت على حضور هذه الأغنية الثورية في وجدان اليمنيين، وكان الجمهور، في كل حفلة يحضرها المرشدي في عدن أو صنعاء أو الحديدة أو تعز وحتى المكلا، يطلبها خصيصاً ويتفاعل معها بشدة، وبسببها ألغى المرشدي حفلة في سينما تعز في الذكرى الأول للثورة (سبتمبر العام 1963م)، بسبب رجل "مبسوط" أفسد الحفلة برقصه على إيقاع الأغنية وتفاعل الجمهور معه.
يقول المرشدي عن هذه الواقعة:
"ورحلنا إلى تعز {بعد حفلتين في صنعاء والحديدة} بدعوة من نقابة العمال العامة، وهي أول مؤسسة نقابية للعمل بعد الثورة السبتمبرية، وفي الحفلة التي حضرها ضباط الجيش وجمهور كبير قدّمت "شعبي ثار اليوم"، وفي نهاية الوصلة الأولى، وإذا برجل كان "مبسوطاً" هزَّه إيقاع الأغنية، فاندفع نحو المسرح، وأخذ يرقص بكل جوارحه، والجمهور يصفق بحماس للراقص، مما أدى إلى إفراغ الأغنية من محتواها.. أوقفت الغناء، والموسيقى في انتظار من ينهي المنكر من الحضور، أو من النقابيين المسؤولين في الحفلة، ولا مجيب، والرقص يشتد والتصفيق يشتد، فلم يكن أمامي في النهاية إلا أن أوقف الموسيقى، وأغادر الحفلة مع الفِرقة، وانتهت لأول مرّة حفلة موسيقية في بدايتها، وحاول القائمون على الحفلة إقناعي بالعودة، ولكن لا جدوى، وفي الصباح أبلغني صاحب الفندق -الذي كنا ننزل فيه- أن النقابة سحبت ضيافتنا، وما كان لي والفِرقة الموسيقية إلاَّ الضيافة، وكنا قد حصلنا على يسير من المال من "الدَّالي" صاحب السينما في صنعاء انتفعنا به لفندق تعز"(5).
(**)
المقطع الأول من القصيدة الأصل، التي كتبها سعيد الشيباني، مصاغ بهذه الأبيات:
شعبي ثار اليوم جدد ما غبر
لا ينال المجد إلا من صبر
أنت يا راعي حياتك عنزتك
(أوبه) غدر الذئب يخطف جديتك
وأنت يا عامل حياتك آلتك
مصنعك عزك ورافع رايتك
وأنت يا فلاح حياتك جربتك
ذا رفيع العرش بارك ثورتك
نزَّل الأمطار أسقى تربتك
أما عهد الظلم ولَّى واندحر. (6)
أما المقطع الأول من القصيدة المعدّلة، والمصاغة بقلم الشاعر لطفي جعفر أمان، فكُتب على هذا النحو:
شعبي ثار اليوم جدد ما غبر
لا ينال المجد إلا من صبر
يا أخي ثورتك في حريتك
فيها عهد الحق يحمي عزتك
قم وحييِّ اليوم جمهوريتك
إن رب العرش بارك ثورتك
ومضى الطغيان بعدك في سقر. (7)
__________________
(1) ينظر موسوعة شعر الغناء اليمني في القرن العشرين، دائرة التوجيه المعنوي- صنعاء، الطبعة الأولى 2005م الجزء الرابع ص204، والجزء الثامن ص 175
(2) محمد مرشد ناجي، أغنيات وحكايات، مكتبة الجيل – جده، الطبعة الأولى 2001،
(3) جاء تركيب البيت الشعري في النص الأصلي على هذا النحو: "أنا فدا شعبي بكَّر ينادي.. من الظلام والقيد حرَّر بلادي"، أما تحوير المرشدي في الأغنية فكان على هذا النحو: "أنا فدا السلال بكَّر ينادي.. من الحسن والبدر حرَّر بلادي".
(4) محمد مرشد ناجي، سابق 176
(5) نفسه ص 171و 172،
(6و7) موسوعة شعر الغناء اليمني، وبالصفحات المشار إليهما في (1).