مقالات

صنع الله إبراهيم الروائي المجدِّد

15/08/2025, 10:14:18

صُنْع الَّله إبراهيم واحدٌ مِنْ أهمّ مُبدِعِي السَّرد الروائي الحديث. كَانتْ مَدَرستهُ السِّجْن. والسجن للرجاله كما يقول إخواننا المصريون.

بَدأَ حَياتهُ كصحفي مُراسِلاً لِوكالة «الشرق»، وانعكست مِهنتهُ الصحفية في أعمالهِ الروائية.

صُنْع الَّله لا ينحني إلا لِلَّه. فعندما تهيأت السلطة لتكريمه رَفَضَ التكريم بإباء وكبرياء.

قاوم الاستبداد، وَظلَّ قَابضًا عَلى جَمْر انتمائه اليساري الديمقراطي، وَصَبرَ عَلى متاعب الفَاقَة والمُعَانَاة والأمراض.

صُنْع الله إبراهيم أُنْمُوذَجٌ زاكٍ للإبداع وللنضال ضِدَّ الاستبداد بمختلف مُسَمَّيَاتهِ وَصُوَرِه.

صُنْع الله إبراهيم مُبدِع، روائي؛ يُعتبر مِنْ الجِيل الثاني بعد نجيب محفوظ، ويحيى حقي، ويوسف إدريس، وكل روائيي الجيل السابق لهم.

وَلا شَكَّ أنَّ لهذا الجيل سِمَاتهُ وَخَصَائصهُ التي تميزه عن الجيل السابق؛ فقد لَعِبَ جِيل صُنْع الَّله إبراهيم دَورًا مُهمًّا في تحديث الرواية العربية والتجديد في قيمها الفنية والارتقاء بها؛ لتواكب عطاءات العصر في العمل الروائي العالمي.

ومنذ السبعينات صدرت لِصُنْع الَّله إبراهيم عدة روايات: «اللجنة»، «تلك الرائحة»، «بيروت.. بيروت».

كَمَا أصدرَ سِلسلةً عِلميةً للأطفال، وأسهم في «العربي الصغير» بِنشرِ العديد من أقاصيص الأطفال أيضًا، كما قام بترجمة بعض الكتب الاقتصادية والسياسية: «معونة أم استعمار؟».

وَقد أفادَ صُنْع الله من اعتقاله في الستينات؛ حيث توفرت له قراءة متنوعة وغنية، كَمَا أفادَ من إتقانه اللغة الإنجليزية.

وتظل تجربة صُنْع الَّله التي ارتبطت بعمق التيار الديمقراطي في الثورة المصرية من أهم روافد تجربته الروائية؛ وهي التي شَكَّلتْ ملمحه الواقعي الثري.

يتحدث د. محمد برادة في دراسته القيمة «الرؤية للعالم» عن ثلاثة نماذج رِوائية. يتحدث عن «نجمة أغسطس»، فيرى أنها تُحِيلنا إلى «خارج نص»، مشتمل على عناصر حقيقية واقعية؛ إلى مرجع تستمد منه إطارها الأيديولوجي.

فالرحلة إلى أسوان، وَعُمَّالَ السَّد، وحياة الخبراء المصريين والروس، وممثلي السلطة، وأنواع العلائق القائمة حول السَّد هي العناصر التي تحيلنا إليها الرواية.

ويشير إلى أنَّ هناك بنيات إضافية تركيبية مستمدة مِنْ مُذكِرات ميكل أنجلو، ومن ذكريات السَّارِد في السِّجن، وعن طفولته، ومن صفحات تاريخ مصر أيام رمسيس؛ وهذه البنيات الإضافية هي المرجع الذي يحدد نوعية الكلام الذي يسوقه السارد.

إنَّ البُنيةَ الدائرية لنجمة أغسطس تناهضها وتناقضها عن قصد الكتابة الشعرية أو الانفعالية المتراتبة على السرد الوصفي المُكَوِّن للبُنية الأساسية؛ وهذا بالذات ما يصلح أن يكون مِفتاحًا لتحديد الرؤية للعالم في نجمة أغسطس.

وقد كتب الدكتور بُطرس الحلاق دراسة قيمة عنها تَتَّسِم بالجديد والفني والعمق. وقد أصدر أستاذنا الجليل الناقد والمفكر محمود أمين العالم دِراسةً ضَافيةً عن الروايات الثلاث: «تلك الرائحة»، «نجمة أغسطس»، «اللجنة».

وقد خلص أستاذنا مِنْ دِراستهِ المُعمَّقَة والمنهجية إلى أنَّ الروايات الثلاث هي رواية واحدة أطلق عليها ثُلاثية الرفض والهزيمة. فهي -كما يرى- ثلاثية ذات وحدة معمارية مُتَّسِقَة ومتطورة مَعًا، وتكاد أن تُقَدِّم -بِصَرف النَّظَر عَنْ مِعمَارها الفنِّي- رؤيةً تاريخية اجتماعية سياسية نَقدِيِّة للواقع العربي والمصري في مرحلتي الستينات والسبعينات.

ويضيف:

"وقد تختلف مع رؤيتها العامة التي تغالي في أحكامها المجردة والإطلاقية، بل والظَّلامِية والعدمية أحْيَانًا؛ والتي لا تتبين الصراع الإنساني وشروطه التاريخية والموضوعية والاجتماعية، إلا أنها برغم هذه المغالات استطاعت أن تُعَبِّرَ باقتدار وَجَسَارة فكرية وتدقيق علمي ومعاناة خبرة عميقة حيَّة عن بعض الهموم الأساسية في واقعنا العربي- المصري؛ وَهِيَ بِهذَا تُعَدُّ إضافةً جادَّة وجديدة إلى الرؤية العربية المعاصرة، وتؤهل مؤلفها صُنْع الله إبراهيم لأنْ يَكونَ مِنْ الطلائع الأولى لأدبائنا المبدعين الكبار..".

"وَتُعَدُّ رواية «بيروت.. بيروت» تَطويرًا كبيرًا في تجربته الروائية، وتسابق الإبداع الروائي الإنساني".

أجريت معه مُقَابلة أواخِرَ الثمانينات بالقاهرة، وَسَوفَ يَتحدَّث عَنْ جَانب مِنْ سِيرتهِ العَطِرَة وَإبداعهِ السَّردِي.

• ماهي البداية الأولى التي كَوَّنَت الروائي صُنْع الَّله إبراهيم؟

بداياتي الأولى أعتقد أنها بدايات مُشتَركَة ما بينَ كُلّ الشباب في سِنِّ المراهقة وبعد المراهقة تبقى في مشاعر ورغبة في التعبير عنها، وأعتقد أنَّ كل زملائي وأصدقائي في المدرسة والجامعة منهم مَنْ يَكتب الشعر أو القصة، إنَّما يمكن القول أنَّ هناك لحظة يأخذ فيها الإنسان قراراته واتجاهاته لكتابة الشعر أو الرواية، وإذا كنا سنتكلم عن هذه اللحظة؛ فهذه اللحظة كانت في السجن.

• في أي عام؟

عام 60، 1961. فالفترة هذه فترة غنية جِدًا في تاريخ مصر الحديث؛ ففيها وصل عبد الناصر إلى عمليات صدام مع الاستعمار، وفي نفس الوقت بدأ يطور أفكاره حول العدالة الاجتماعية، ويحاول يصل إلى شَكلٍ مِنْ أشكال البناء الاشتراكي أو البناء الاجتماعي الذي يمكن أن يحقق لأغلبية الناس حياة كريمة، والإجابة على سؤال: كيف يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية في بلدٍ متخلفٍ مثل مصر؟

كان عبد الناصر في هذه الفترة يحاول أن يجيب على هذا السؤال، وفي نفس الوقت في فَرديات كثيرة، وتمثل في المرض الذي يصيب كل حركات البرجوازية الصغيرة في بلادنا؛ وهو تطور الأنا، أو في التركيز على الذات. فالبرجوازي الصغير يحاول دائمًا أن يرفضَ آراء وتجارب الآخرين، ومساحة الحوار تبقى مع الاجتهادات الأخرى ضيقة جِدًا؛ فبنفس الوقت الذي كان عبد الناصر يطور أفكاره عن العدالة الاجتماعية، ويصل إلى نتائج جيدة، كان يرفض تَمامًا أن يجد مساحةً من الحوار مع الاجتهادات التي سبقته. فحركة عبد الناصر لم تَأتِ من فراغ بالنسبة لمصر؛ فقد سبقتها حركات أخرى، واجتهادات أخرى وَصلتْ إلى آفاق أبعد مِمَّا وَصلَ إليه هو، خاصة بالجزء الخاص بالتنظير والسبق الذي عمله عبد الناصر هو موضوع التطبيق. فالأفكار التي توصل إليها والتي كان متأثرًا فيها بالخلفية التي كانت موجودة، فقد كان في مصر تنظيمات مختلفة ماركسية، وغير ماركسية، ووطنية... إلخ.

وكان هناك مبادئ موضوعة للتنظير من الأربعينات خاصةً في أشكال التحرر من الاستعمار، وكيف يتم البناء الاجتماعي، والمصلحة الأساسية فيه تكون لمن؟

كُلُّ هذه الأمور قدمت بحثًا ودراسة من الأربعينيات بفضل التنظيمات والحركات اليسارية والوطنية والماركسية بالذات.

إنَّمَا للأسف فبالوقت الذي كان يصطدم اصطدامًا حادًا ودمويًا مع الاستعمار الجديد الذي هو أمريكا، كان هناك رفض لإمكانية العمل المشترك مع بقية الاتجاهات؛ فكانت هناك رغبة في الانفراد بالقرار، والسلطة، والتفكير. وهذه إحدى سلبيات البلدان التي مثلنا. والنتيجة أنه في سنة60، 61، 1962؛ وهي سنوات المواجهة مع الاستعمار والمواجهة مع الرجعية مع مصر والبلدان العربية، والمواجهة هذه أفرحت أُجَرَاء الاستعمار وتمت حينها الإجراءات المشهورة الخاصة بالتأميم والخاصة بشكل من أشكال البناء الاشتراكي.

في هذه الظروف كانت هناك أشرس حملة وأشرس عدوان تَمَّ على اليسار في مصر، ولا نستطيع أن نغفل دور العدو والاستعمار في هذا. فمنذ اللحظة التي خرج بها عبد الناصر من يوغسلافيا عبر البحر، وسمع بنبأ ثورة عبد الكريم قاسم في العراق، وطار إلى موسكو لبحث إمكانية تكوين جبهة واسعة لمواجهة هذه الظروف. منذ هذه اللحظة بدأ الاستعمار يلعب في اتجاه الحيلولة دون أي لقاء يتم ما بين النظام الثوري في العراق والنظام الثوري في مصر، مستغلا سلبيات الشخصيات الرئيسة: سلبيات عبد الكريم قاسم، وجمال عبد الناصر، وكانت النتيجة معركة شرسة بين الاثنين لم تخدم سوى الاستعمار، وكان أحد ضحاياها الحركة اليسارية في مصر.

في إطار هذه الحملة أنا دخلت السجن في أول مايو من سنة 1959، وتعرضت مع كثيرين لظروف كانت تعتبر أقسى ما وصلت إليه المعاملة أيام الإنجليز. كانوا يترحمون على حسن المعاملة في ظِلِّ الحكومات الإقطاعية.

التناقض مؤلم جدًا أنَّ الواحد مشاعره وعواطفه وسلوكه مع عبد الناصر والتجربة، و في نفس الوقت تُعَامَل بهذا الشكل، وَتُحْرَم من إمكانية أن تقول رأيك، وليس في أي تصور أن توجد مساحة للخلاف في الرأي.

هذا الوضع مأساوى لدرجة أنه يدفع لعمية التأمل والكتابة في أعماق ظاهرة ذات جوانب مختلفة. بلغت المسألة أقساها بمقتل شُهدِي عطية. أنا كنت أعرف شهدي من قبل، وعملت معه، وعشت قريبًا منه في السنة الأولى من السجن، وحوكمنا في قضية واحدة، وبعد أسبوع من المعارضة يوم 15 يونيو 1960 عُدنَا من سجن الإسكندرية إلى سجن آخر. كنا في سيارة واحدة من الإسكندرية إلى القاهرة، وكنت قاعدًا إلى جنبه إلى أن أخذونا إلى باب سجن «أبو زعبل»، وبدأت عملية تعذيب انتهت بموته في نفس اليوم.

هذا الموقف كان مليئًا بتفاصيل كثيرة، وأقسمت بيني وبين نفسي أن أكتبَ عن هذا بشكل أو بآخر. وبعد فترة السجن التي استمرت عدة سنوات، والسجن -طبعًا كتجربة- تجربة كثيرة جدًا؛ لأنها تتيح للإنسان أن يطل إطلالة عميقة جدًا ومتنوعة على الآخرين في لحظات ضعفهم وقوتهم، وفي لحظات شخيرهم، وشحهم، بكائهم، وذكرياتهم.

هذا الشيء كان عاملاً في القرار الذي اتخذته؛ حيث تجمعت لدى مجموعة من الملاحظات والتفصيلات التي تسمح بالشكل الوحيد للتعامل معها؛ وهو التعبير الأدبي. فبالسياسة لا تستطيع أن تتعامل مع هذه التفصيلات؛ لأنَّ منطق السياسة يخضع لحاجات معينة. فبالسياسة مثلاً  تضطر أحيانًا أن تقدم الواجهة المشرقة لشخص أو لموقف من أجل تحقيق أهداف عاجلة وسريعة. وهذا شيء طَبعًا غير مطلوب وغير مطروح على العمل الفني. فالعمل الفني يُلمّ بأعماق الظواهر دون أي مراعاة للمطالب التكتيكية السريعة؛ وبالتالي فهو أكثر صِدقًا وأكثر عُمقًا.

النقطة الثانية كانت أن أقعد مع نفسي؛ يعني أن تسمح بمساحة واسعة للوحدة، أو أن تبقى مع نفسك. فكنا محرومين لفترات طويلة من القراءة، ولم يكن أمام الواحد غير الذكريات، ثُمَّ يحلم ويتخيل. كُلّ هذه الحاجات كانت تصب في اتجاه واضح هو الاتجاه الذي اخترته.

النقطة الثالثة التي لعبت دورًا في هذا القرار هو أنني اكتشفت من خلال عمية تأمل أنَّ الشكل الأكثر ملائمة لإمكانياتي والذي يمكن أن يحقق لي أكبر قدر من الحرية هو الكتابة. واخترت الرواية بالذات؛ لأنها تسمح بتفصيلات كثيرة، وعمل بناء متكامل يمكنه أن يطرح أسئلة جديدة.

هذه هي العوالم التي دعتني أن أكتب رواية أتكلم فيها عَمَّا رأيته، وما تجمع لدي من ملاحظات وآراء خاصة بحياة الناس وبالتجربة التي مررت بها.

• أنتَ تكلمتَ عن الجانب النضالي والخلفية الاجتماعية لهذه التجربة، لكن هناك جانب الثقافة والقراءة والتعامل مع الرواية العربية والعالمية؟

جيلنا تربى على مصادر مشتركة، فكان عندنا في البداية سلسلة اسمها: «رواية الجيب»، وكنا في سن المراهقة، وهناك مجلة أسبوعية كانت تصدر أواخر العشرينيات وتنشر في كل عدد تجربةً شِبهَ كاملة أحيانًا مُلخَّصَة لمختلف أنواع الروايات البوليسية، الاجتماعية، التاريخية، الرومانسية، الواقعية. فكان ممكن للوحد أن يقرأ في كل مرة نوعًا من الروايات، فقرأنا لديستوفيسكي، وتولستوي، وبلزاك، وإميل زولا، والفونس دويه.

وأتت المرحلة التي يكون فيها الواحد عنده وعي سياسي واجتماعي، فيكون الاهتمام بالروايات الواقعية للروس؛ بالذات وبالذات تشيكوف، وغوركي الذي كان معروفًا عند هذا الجيل؛ وبالذات روايته «الأم»، ورغم الرومانسية الشديدة إلا أنَّ هذا لا يقلل من قيمتها الأدبية أو التاريخية.

واشتغلت أنا فترة بالترجمة، وكنت أتابع باهتمام الإنتاج الروائي العالمي. ورغم ظروف مرحلة السجن القاسية إلا أنَّ أكبر عملية تهريب في تاريخ السجون المصرية تمخضت عنها مكتبة ضخمة ومتنوعة؛ لأننا لم نكن نستطيع أن نتحكم بنوع الكتب التي تصلنا؛ فقرأت في التاريخ، والجغرافيا، وفي الطب، وعلم تشريح الإنسان، وإنتاج نجيب محفوظ، وبيكيت ودوغنات.

كل هذا التنوع كان في السجن، وكل تجربة مختلفة عن التجربة الثانية، وكل تجربة تفتح بذهنك الإمكانات الرائعة التي لا حدود لها الموجودة أمام هذا النوع من التعبير الأدبي (الرواية). وفي رأيي أنَّ الرواية أعلى أشكال التعبير الأدبي؛ لأنها أكثر خصوبة؛ فلا حدود لخيالك. في التعبير الروائي تستطيع أن تعمل أي شيء عكس الأنواع الأدبية.

• بالإشارة إلى الترجمة قَرأتُ لكم «معونة أم استعمار»؛ هل توجز لنا الفكرة الرئيسة التي تناولها الكتاب عن المعونات الأجنبية للبلدان النامية؟

هو الكتاب يناقش فترة أيام السادات في مصر عندما بدأ الارتماء في أحضان الغرب، وبدأت المسألة بمغازلة لصندوق النقد الدولي، وكان هذا الكتاب محاولة لإلقاء الضوء على طبيعة المعونات الدولية الخاصة بصندوق النقد الدولي.

• يَرى البعض أنَّ الخطاب الأيديولوجي والسياسي قوي في رواياتكم «نجمة أغسطس»، «اللجنة»، «بيروت.. بيروت»؛ مَا صِحة ذلك ومَا دِلالته؟

• هذه ملاحظة مضبوطة بحكم ظروف حياتي ونوع اهتماماتي. فبالنسبة لبلدنا والبلاد النامية -بشكل عام- الموضوع السياسي موضوع مطروح هذا الوقت؛ لأنَّ هذه البلدان تعيش عملية استغلال أضخم مِمَّا وقع عليها؛ فثروتها تنهب كل لحظة. هذه مسألة تفرض نفسها على كل إنسان بما في ذلك الكاتب الذي يجد نفسه بشكل أو بآخر مُضطرًا بأن يتعامل مع هذا الموضوع، وقد كنت مجسدًا له في كل ما كتبته حتى هذا الوقت، وأعتقد أنَّ هذا الموضوع من المواضيع التي تطرح نفسها بقوة في أعمالي القادمة.

• ما هو تقييمكم لِمَا وصلت إليه الرواية العربية؟

أعتقد أنَّ الرواية العربية وصلت إلى درجة عالية من النضج، وأصبحت موجودة كحقيقة في إطار الأدب العالمي، وتتميز بنضج التجربة المعبرة عنها ومواكبة العصر، بالإضافة إلى مغامرات مثيرة وناجحة في الشكل تمتد من الجزائر حتى السعودية والخليج. الرواية شديدة الحضور في تجارب مثيرة يومية ومتنوعة ومختلفة.

• الواضح أنَّ هناك أشكالاً متعددة لكتابة الرواية؛ ما رأيكم فيها؟

النقطة الأساس التي ننطلق منها لهذا الموضوع أنه لابد أن تكون هناك أشكال مختلفة ومتنوعة، فلا يمكن تصور إبداع فني متماثل. إذا أصبح الإبداع الفني في جنس من الأجناس متماثلاً هذا طريق الموت. طريق الحياة هي الاختلاف والتنوع؛ وهذه مسألة أساس في كل جوانب الحياة.

فنلاقي مثلاً في المغرب تجربة محمد الزفزاف، ونلاقي تجربة مختلفة تمامًا كالأستاذ عبد الكريم غلاب، وفي الجزائر نلاقي تجربتين مختلفتين تَمامًا هما إنتاج الطاهر وطار، وإنتاج رشيد بوجدره؛ فكل واحد ينطلق من عالم مختلف؛ ولذلك يتقاتلون عَلنًا على صفحات المجلات والجرائد والشوارع في الجزائر.

هناك تجارب أخرى في الأردن والعراق، رغم أن ظروف الفاشية العسكرية هناك قوية. عندنا في مصر مثلاً عدة نماذج متنوعة كالمعلم نجيب محفوظ المجرب دَائِمًا في كل اتجاه، وهناك نموذج يحاول يقدم لنا أشكالاً من التراث.  في مصر هناك عدة نماذج متنوعة:

أولاً: المعلم نجيب محفوظ الذي يدور دائمًا في كل اتجاه. وهناك نماذج متعددة تعتمد على أشكال من التراث، كما نجد عند مجيد طوبيا وجمال الغيطاني، وتوجد نماذج أخرى متناقضة تمامًا مع هذا كما عند غالب هلسا في الأردن، هاني ظاهر سوريا، حيدر حيدر. يشق كل واحد منهم طريقًا مختلفًا قد تأخذ عليه أشياء كأيِّ ظاهرة موجودة.

• لا أدري إن كان الأستاذ صُنع الله إبراهيم قد قرأ روايات يمنية حديثة؛ فهي لا تزال ضعيفة الانتشار والتوزيع. فالرواية اليمنية حديثة أصلاً؟

أنا لم يُتَحْ لي هذا إطلاقًا. أنا قرأت أعمالاً سعودية وسودانية. وبالمناسبة فالإنتاج السعودي يبعث على التفاؤل، وبالذات أعمال عبد العزيز مشري. تقريبًا هو قد يكون صاحب أولى النظريات الحديثة في السعودية له رواية «الوسمية»، ورواية اسمها «الغيوم ومنابت الشجر»؛ صدرت هذه السنة بالقاهرة عن «دار شهدي»، منذ ثلاث سنوات.

هناك أيضا في الكويت إسماعيل فهد إسماعيل، ولو أنه في الفترة الأخيرة لم نعد نقرأ له شيئًا.

إنما فيما يتعلق باليمن فلم يُتَحْ لي، وأتمنى أنه.. (عبد الباري مقاطعاً): هناك زملاء كتبوا روايات. آخر رواية «الرهينة»، لزيد مطيع دماج؛ وهو كاتبٌ وقاصٌّ، وبدأ يتجه للرواية من فترة قريبة. والآن هو بصدد رواية أخرى يكتبها، وقد صدرت رواية «البتول»، لحنيبر، ورواية «الميناء القديم»، لمحمود الصغيري، ورواية لمحمد مثنى، وأخرى لأحمد مثنى.

ولكن لا تزال الرواية اليمنية ضعيفة وفي بداية مراحلها، كما أنَّ التوزيع أيضًا للأسف الشديد ضعيف. فأنا أعِدُكَ بأن أرسلَ لكَ مَجموعةً من الروايات.

• ما العلاقة بين الواقع والفنان؟ كيف نفهم العلاقة بين الواقع والفنان؟ كيف يتعامل الفنان مع الواقع؟

العلاقة طبعًا علاقة جدلية. أنا أذكر مَثلاً أنه: ما اعرفش إذا كنت أنت قد استخدمت في أول صفحة أربعة أبيات من الشعر حول هذه العلاقة؛ فهو يُشَبِّه الواقع بقطعة من الصخر، ويشبه علاقة الفنان بالواقع بالذي يضرب في الصخر.

ولا يمكن تصور أي فكرة من غير ما يكون لها أساس في الواقع، ودور الفنان هو أن ينحت هذه الفكرة وينحت الشكل الذي ممكن أن تكون عليه؛ مهما استخدمت من تعبيرات؛ فهو بشكل أو بآخر ابن الواقع، وأفكاره وخياله مهما قال إنه يعيش بعيدًا عن الواقع أو ضد الواقع.

هنا توجد محاولة للنفي؛ فأنت عندما تنفي شَيئًا؛ فأنت تؤكد وجود هذا الشيء أولاً.

الواقع نحن جزء منه. إذا أردنا أن نعبر، فإننا نجد أنفسنا متأثرين به، ونعبر في إطاره رَغمًا عَنَّا، وأيًّا كانت المسميات فالتعبير هو محاولة لاقتحام هذا الواقع أو اكتشافه أو إلقاء ضوء عليه أو تطويقه... الخ.

أحيانًا تأتي دعوات تحت لافتات ترمي إلى تجاهل الواقع. المقصود هنا خدمة أهداف سياسية معينة. مثلاً الجامعة الأمريكية في القاهرة تقوم بنشاط في مجال التغريب الأدبي؛ فهم يدعون دائمًا إلى تجاهل الواقع أو التركيز على التجربة الجمالية الصرفة.

طَبعًا هي دعوة غامضة لا يمكن تصورها إلا في الإطار. فالمطلوب من الفنان أن يتجاهل هذا الواقع، ويجد لنفسه أشكالاً أخرى أو موضوعات للتعبير بعيدة عن هذا الموضوع بالذات. وهذه دعوة تُغلَّف بإطار ابتذال الواقع والتمرد عليه؛ فالهدف والمطلوب هو هذا.

• الملاحظ إلى الآن هُناك مَيلٌ إلى إعادة صياغة التراث والتمسك بأشكال قديمة وصياغته صياغة جديدة ككثير من الكتاب الروائيين، وأحيانًا اللجوء إلى الخرافة أو الشكل الخرافي للكتاب. مثلاً في مصر الكاتب محمد حافظ رجب كاتب «مدينة قابيش»، و«فرشاة الأسنان»؛ فهو كاتب خرافي، ولكن بشكل بديع وواقعي أيضًا.

نعم كَفَّ عن الكتابة. وهناك نماذج أخرى موجودة تتمثل في مجيد طوبيا، وجمال غيطاني؛ وهي محاولة محاكاة أساليب وعوالم موجودة. مثلاً المتصوفة؛ مثل ابن عربي. المشكلة الحقيقية لابد أن نعرف جذرها. هذه المشكلة مثلاً لم تكن قائمة في الستينات. ملخص الموضوع أنَّ المنطقة العربية شهدت زخم الطبقة المتوسطة التي أرادت أن تغير الأوضاع وتنتزع استقلال بلادها، وكانت مستعدة أن تصطدم بالاستعمار القديم، وكانت تبحث عن شكل من أشكال العدالة الاجتماعية، وأدركت بوعي أنها كانت صبغة فتية وشابة طموحة، وأنها تستطيع أن تحقق انقلابًا هائلاً في مصير المنطقة إذا أمكن تحرير المنطقة كلها، وإذا أمكن صياغة نموذج تنموي يسمح بتطوير الإمكانيات الموجودة بشرًا أو مصادر معدنية ومواد خام.

من أول الجزائر إلى اليمن فيها بترول وفيها معادن وكفاءات وموقع استراتيجي؛ وكل هذه العناصر كَانَ من الممكن أن تكون أساسًا لدولة ضخمة وحضارة كبرى.

في فترة هذه الثورة كان هناك نظرة دائمة للأمام. كان هناك محاولة للحاق بالعصر. في محاولة لدراسة الذرة. كان هناك إيمان بالعلم، وبقدرة هذا العلم على إمكانية تطويعه واستغلاله لمصلحة الإنسان وتفجير طاقاته.

كان دائمًا هناك تطلع إلى الأمام، ولم تكن هناك في هذه الآونة إشارات إلى التراث إلا في الحدود الطبيعية؛ أي أنَّ التراث هو مجال للدراسة الأكاديمية؛ لاستخراج مواد دراسية.

أنا أعتقد أن تراثنا هو حلقة من تراث العالم؛ بمعنى أنه حتى اليوم ندرس علم الذرة أو الهندسة، فنحن نتمسك بآخر حلقة من سلسلة طويلة من الأبحاث العلمية تمر ببلاد كثيرة ومحاضرات كثيرة، ومن ضمنها للعلماء العرب في فترة من الفترات. ولا أتصور أنني ممكن أستند في دراسة الهندسة أو علم الذرة في أنني أدرس فقط جابر بن حيان أو نيوتن؛ فهذا شيء  مضحك، إنما المشكلة بدأت بعد ذلك.. كيف؟

طَبعًا أنا قلت: النموذج العلمي بقي النموذج الأدبي. الأدب هو مغامرة شكلية لو ضحى الإنسان بعالمه وطموحاته وأفكاره وتجاربه. لا يستطيع أحد أن يقول أنني ممكن أن أحتذي بمقامات الحريري في التعبير الفني اليوم. فمقامات الحريري مهما كانت جميلة، فهي تعجز أن تساعدني على اكتشاف الغابة الضخمة التي يمثلها الإنسان اليوم بعد تراكم المعارف والمعلومات... الخ.

ما حدث بعد ذلك نرجع إلى الثورة أو الطبقة المتوسطة التي كانت ستهز العالم بمشروعها. هذا المشروع فشل؛ فقد اصطدمت اصطدامًا دَمويًا جَادًا بالاستعمار الأمريكي والإسرائيلي، وَهُزِمَت.

في لحظة الهزيمة أخذت قرارًا بأنها تتراجع عن كُلِّ طموحاتها وتكتفي بالفتات. تجد أي شكل من أشكال التفاهم والتعايش والتواؤم مع الاستعمار الضخم، وشعرت أن مناهضته ومقاومته هي عملية شاقة جِدًّا، وتحتاج لوقت طويل جِدًّا.

بدأت هنا عملية رد فعل؛ إحساس بالمرارة وبالهزيمة، ويتبع ذلك فقدان الثقة تدريجيًّا بما يمكن أن يقدمه العلم. ومع غياب الإمكانيات الضخمة والسياسات غير الواضحة أصبح هناك عودة بطيئة إلى الماضي؛ والماضي دَائمًا مريح؛ لأنه بسيط ومحدود، وليست فيه أسئلة كثيرة، ومليء بالأجوبة المريحة. فنلاقي أنه ظهر هذا الاتجاه الديني المتعصب الذي لا يقدم أي أجوبة أو حلول للمشاكل، ولكن يرفع شعار «الإسلام هو الحل»، كما ظهر في مصر.

عندما نسأل: الحل لأي شيء؟ لا يجيبون على هذا. إنَّمَا هو يقدم راحة الاستسلام، وراحة إغفاء العين عن القضايا اليومية المُلِّحَة المطروحة.

وينعكس هذا أيضًا على المثقفين، وعلى التعبير الفني، والتعبير الأدبي. ونجد أنَّهُ أصبح هناك موجة من الغرام المفاجئ للماضي، وبوسائل التعبير في هذا الماضي، وبإنجازات هذا الماضي. وليس صدفة أنه اختير من هذا الماضي لحظات مرتبطة بالمتصوفة.

التصوف طريق في الحياة أنا أحترمه جِدًّا، ويمكن أن يوفر لبعض من الناس نوعًا من السلام، ولكن هو أيضًا فلنكن موضوعيين لا يساعد إطلاقًا على مواجهة المشاكل الملحة لليوم وحلها؛ وبالتالي فعندما تنسحب هذه الموجة على الإنتاج الأدبي فيكون هذا شيء طبيعي. فهذا هو باختصار الظاهرة في عمقها. إنما إذا نحن اكتفينا مَثلاً بأننا نتحدث عن إمكانية الاستفادة من أشكال قديمة- من أشكال معينة في الطراز؛ أشكال في التعبير لإغناء فننا وأدبنا. لا بأس هذا شيء مطروح طوال الوقت، وليس جديدًا. طوال وقت البشرية هناك محاولات دائمًا للتطعيم والاستفادة من أشكال قديمة وإعطائها رُوحًا جَديدة. في هذه الحدود فقط تكون المسألة صحيحة، وإنَّمَا إذا نحن وقعنا في فخ الشَّكَل المرتبط بالمضمون؛ فنكون بذلك نحكم على أنفسنا بالخسران المبين، والعودة إلى الوراء، والابتعاد عن جوهر المشاكل المطروحة، وجوهر الواقع الذي نعيشه؛ والذي يجب أن ينعكس على أدبنا.

• ما الذي أضافه جيلكم للرواية السابقة؟

هناك أشياء واضحة جِدًّا يمكن تعدادها. أهم شيء كما أعتقد تحقق على يد جيل الستينيات؛ وهو التخصص؛ بمعنى أنه قبل هذا الجيل لم تكن البلاد العربية أو الثقافة العربية أو الأدب العربي يعرف الروائي. كان يعرف الكاتب العمومي الذي هو يمكن أن يكتب قصة، وغدًا يكتب قصيدة شعرية، ثم يكتب مقالة في التاريخ، وبحثًا في أي موضوع آخر.

بدأ من الفترة المرتبطة بجيلنا هناك نوع من التخصص. نحن نتحدث عن أنفسنا كروائيين فحسب، أو صحفي فحسب، أو كاتب قصة قصيرة فحسب. هذا التخصص بدرجة أعلى من التطور؛ هذا شيء، والشيء الآخر أصبح هناك تنوع واسع؛ يعني إذا لاحظت أغلب الكُتَّاب من الجيل السابق تجد أنهم صُوَر من بعضهم. نحن نلاقي مثلاً من الجيل الذي يسبقنا عندما يُذكَر اثنين فقط يُذكَر نجيب محفوظ، ويوسف إدريس. هناك عشرات آخرين غيرهم، ولكن هؤلاء العشرات كانوا تنويعًا على نفس الظاهرة. أعتقد أنه بالنسبة لنا المسألة مختلفة. أنت لا تستطيع أن تختصر جيلنا في واحد أو اثنين. لا بُد من أن تذكر عدة أسماء؛ كل وحد منهم شَقَّ طَريقًا مختلفًا عن الآخر، وله خصائص تميزه عن غيره.

الحالة الثالثة هي جسارة أو جرأة طرح لموضوعات كان يتمُّ تجنبها بشكل أو بآخر بالنسبة للأجيال السابقة؛ سواء فيما يتعلق بالثلاثي المرعب: السلطة، الجيش، الدِّين؛ نجد أنَّ هناك درجات، ولو أنها بسيطة، إلا أنه دَائمًا الجرأة على اختراق هذه الموضوعات. الشيء الأهم من هذا والأخطر هو علاقة الكاتب بالسلطة.

نحن نجد أنَّ الكاتب -أي كاتب- من كُتَّاب الجيل السابق دَائمًا مقبول من النظام. يعني مثلاً نجيب محفوظ الذي هو معلم وأب الرواية الحديثة كانَ دَائمًا جُزءًا من السلطة الحاكمة في عهد عبد الناصر. كان يحتل مناصب هامة جدًّا، وقنوات الإعلام مفتوحة أمامه. وفي عهد السادات أيضًا نفس الشيء. وعندما فكروا بإنشاء جريدة جديدة هي «جريدة مايو»، اختير نجيب محفوظ عُضوًا في مجلس إدارتها.

الآن أيضًا نفس الشيء نلُاقي أنَّ يوسف إدريس أيضًا نفس المشكلة.. دائمًا هو جزء من السلطة.

هذه الظاهرة معقدة، أو بمعنى أصح لها إيجابياتها وسلبياتها. هي تتيح للفنان أو الكاتب أن يكون موجودًا في موقع يَرى من خلاله أمورًا كثيرة على حقيقتها، وتتيح له أيضا أن يكون قريبًا من المنافذ التي توصله إلى جمهور واسع، ولكن في نفس الوقت تفرض عليه ضريبةَ أن يحافظ على هذا الموقع على حساب الكثير مِنْ فنه. وَلَيسَ صُدفةً أنَّ الكثير من الفنانين الممتازين الذين دخلوا هذا الوضع بعضهم انتحر، وبعضهم مات بأزمات قلبية في سِنٍّ مبكرة.

بالنسبة لجيلنا الأمر مختلف تَمامًا؛ لأنه من أول لحظة نشأ هذا الجيل خارج القنوات الرسمية، وخارج العلاقة في مركز السلطة. وأعتقد أنَّ هذا أفادهم كثيرًا، وحفظهم من شَرّ متاهات السلطة.

• لماذا صودرت رِواية «تلك الرائحة»؟

كتبت هذه الرواية بعد خروجي من السجن عام 65م، والرقابة منعتها في تلك الفترة؛ بسبب أنها كانت تتحدث عن السجن والتعذيب وبعض مظاهر الحياة التي كانت موجودة هناك، ووجدت في ذلك أنه شيء لم يكن مَرغوبًا فيه.

بَعدَ ذَلكَ صدرت منها عدة طبعات في أماكن مختلفة. وأخيرًا أمكنَ إصدارها في السنة قبل الماضية.

• ماهي مشروعاتك الجديدة الآن؟

أنا حَاليَّا بعدما انتهيت مِنْ رواية «بيروت.. بيروت»، بدأتُ برواية جديدة لا زلتُ أعمل فيها. بدأتها سنة 85م، وأتمنى أن أنتهي منها هذه السنة.

وفي نفس الوقت بدأت أكتب قِصصًا للأطفال، ولي سِتَّة كتب في هذا المجال، وأنشر بانتظام قِصَصًا من هذا النوع في مجلة «العربي الصغير»، بالإضافة إلى قصص مصورة عن التاريخ. فوقتي موزع بين العمليتين. فالمشروعات القادمة لا تتجاوز هاتين العمليتين.

مقالات

قمع الحوثي للمؤتمر.. ذعر وقائي

اقتحام الحوثيين اجتماع قيادة حزب المؤتمر قبل أسبوع، برئاسة صادق أبو راس، تأكيد مبكر على الذعر الوقائي الذي يميز الحوثية وبنيتها السلالية المعادية. السلالة لا تخشى القوة المباشرة فقط، فوجود أي إشارة للحياة المستقلة عنها يصيبها بالذعر، وأي بادرة رمزية قد تمنح حزب المؤتمر حضورًا أو هوية خارج سيطرتها، حتى وهو شريكها. مصادرة الأموال المخصصة لذكرى تأسيس المؤتمر يوم 24 أغسطس مثال واضح على استباق أي فعل يذكّر بأن الحزب لا يزال موجودًا كشكل سياسي حي، وأن أي استقلالية رمزية، مهما كانت ضعيفة، تُعتبر تهديدًا للهيمنة الحوثية.

مقالات

هل الصوفية هي الوجه الآخر للتشيع؟

السؤال المشروع عن العلاقة بين الصوفية والتشيع في اليمن والخليج العربي ليس مجرد نقاش عقائدي، بل هو نافذة لفهم تداخل الدين بالسياسة والاجتماع في بيئة مضطربة ومعقدة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.