مقالات
عن الاستعمار و١٤ أكتوبر
أذكر أنّي استمعت -قبل سنوات- للدكتور عبدالله العروي (المفكر والمؤرخ المغربي الشهير) يتحدث عن الاستعمار، وسأقتبس هنا من فكره بتصرف وإضافات أظنها تدعم المعنى، ولا تلغيه.
وكان تقريباً يقول إنه: "في ظل الاستعمار لا يبقى لك سوى بيتك"، ولعله كان يقصد المعنى المجازي للبيت أيضاً، حيث يُطلب من الانسان أن يخرج من بيته دون أن يخرج في الحقيقة، فلم يكن له شيء يمتلكه فعلاً في حينه سوى المنزل، أو داخل المنزل بالأصح؛ لأنه يخرج إلى "أوبرا" مثلاً ليست بلغته، أو نادٍ، أو مقهى لا يعبِّر عن مجتمعه، وأماكن عدة ليست له ولأمثاله، أي أن المستعمر هنا يبني لنفسه وليس لك؛ فالطريق لتسهِّل له التنقل والوصول والسيطرة، النوادي والملاهي ليرفِّه عن نفسه، ومن يعملون معه، الميناء ليستثمره ويستفيد من موقعه، ولتحسين صادرات وواردات شركاته الكبرى، والعائد له بالطبع كمالك فعلي، والمباني الجميلة الفخمة للأجنبي المحتل، والمقربين منه، ولك كابن للبلد أن تقتات على الفتات المتساقط من كل ما سبق، وبالقدر اللازم لتشغيل آلته الإمبريالية، أي أنك أجير فقط لا غير، بينما لن تجد في الأماكن والمدن التي لا تهمه أي مظاهر تنمية، أو عمران، أو أي اهتمام.
ثم يأتي اليوم شخص يظن نفسه حرا وإنسانا ويعتذر للاحتلال!، ويفخر ببعض المظاهر القليلة ليس من باب الأثر والعِبرة أو حتى الجمالية، وإنما فخر غريب وكأنها مِن صنعه، ويتخيّل أن الحياة كانت وردية حينها للأغلبية!، ويتمنّى عودة تلك الأيام التي لم يعش فيها، التي ثار ضدها أجدادنا وضحوا بأرواحهم من أجل التحرر منها!، وننسى أن المستعمر بمجرد أن يأتي فهو يقول لك بالأفعال -على الأقل- أنك لا تستحق هذا البلد، أو الأرض التي أنت فيها؛ لأسباب عدة، ويحتقرك ويسلب إنسانيتك وكرامتك وسيادتك على نفسك وأرضك، ويقول في قرارة نفسه: لو كنتم تستحقونها لما قبلتم أن يكون لكم أسياد فيها، حتى ولو بشعارات؛ مثل المساعدة وتصنيفكم كمجتمع أو دولة قاصرة!، و كنتم ستدافعون عنها، وما كان لغرباء أن يدخلوها، وإن فعلوا ما كانوا ليدخلوها آمنين مطمئنين حتى يخرجوا.
إن يوم الرابع عشر من أكتوبر يوم تاريخي للإنسانية اليمنية وللوحدة والحرية والكرامة، ثار رجاله ضد بريطانيا العظمى ولم يقبلوا أن يكونوا عبيدًا عندها، بينما يدّعي اليوم أنه وريث لأكتوبر من يقبل بنشوة وفخر أن يتسيّد عليهم ليس فقط بريطانيا نفسها أو وريثها وإنما بعض خدامها!.
ولو كان أحرار أكتوبر وسبتمبر موجودين بيننا فلاشك أنهم سيتبرأون من كل هؤلاء في شمال الوطن وجنوبه، الذين لا مشروع لديهم سوى تكبير حصة السيطرة والنهب، ويقومون بمحاكاة الفساد الذي يدّعون الثورة عليه!، وكانوا سيقبِّلون رؤوس أولئك الذين يتطلّعون لليمن الكبير، وغير الأسرى للأخطاء والأحقاد التي خلفها الفساد، ويتمسكون بأمآلهم وأحلامهم، والأخيرة هي من تجعل الإنسان على ما هو عليه كصانع للتاريخ، فكما نحن بحاجة إلى فهم الواقع والتعاطي معه بالطريقة المناسبة، نحتاج للآمال والأحلام لتغييره وتجاوزه.