مقالات
في حضرة الفضيلة الزائفة
الفضيلة ليست دائمًا فيضًا أو دفقًا روحيًا داخليًا؛ كثيرًا ما تكون قناعًا أنيقًا تخيطه "الأنا" بخيوط الزهو والخوف!
ليست الفضيلة دائمًا مبدأً خالصًا يُرجى به وجه الحقيقة أو يُقاس بميزان القيم المجردة. كثيرًا ما تكون، في الواقع، شأنًا من شؤون "الأنا"؛ مرآة نلمعها لا لنرى أنفسنا بوضوح، بل لنري الآخرين كما نشتهي أن يكونوا، انعكاسًا لنا.
نحن لا نعاقب طفلنا الراسب لأنه فشل في اختبار الرياضيات، بل لأن سقوطه حرمنا لذة التباهي بنجاحنا كآباء ناجحين في مهمة التعليم. ولا ننهر ابننا سليط اللسان لأنه تجاوز حدود الأدب، بل لأنه فضح بين أقرانه وأصدقائنا فشلنا في تربيته.
نستطيع، بقلوب منكسرة، أن نغفر لقريب قرر الانتحار، لكننا نعجز عن غفران الجرح الذي أحدثه في سمعتنا، والهوان الذي ألحقه بصورة العائلة أمام أترابنا المتربصين. بل إننا لا نقتل الفتاة حين يستدرجها سافل، بقدر ما ننتقم من مرارة الخيال: أن خصومنا سيبتسمون بخبث في الخفاء، وينهشون من مكانتنا الاجتماعية وهم يتلذذون بسقوطها.
ليست هذه ردود فعل تبنى على القيم، بل على هشاشة "الأنا" حين تواجه. الفضيلة، حين تقاس بعيون الناس، تصبح سلعة اجتماعية، لا مبدأ أخلاقيًا.
وهكذا، فإن ما نراه فضيلة قد لا يكون إلا سلوكًا تفرضه رقابة "أنا الآخر"، ذاك الآخر المتربص، الحاكم الصامت الذي يكتب سجل احترامنا بين الناس، ويصوغ لنا قيمًا نخشى انتهاكها، لا خوفًا من خطيئة، بل من العار!
فهل نجرؤ يومًا على أن نكون فاضلين لوجه الفضيلة؟ أم أن "الأنا" ستظل تلبس قناع الأخلاق، فيما هي تبحث فقط عن الخلاص من خزي الانكشاف؟