مقالات

قراءة نقدية من منظور اجتماعي لكتاب "الكافي" عن التاريخ اليمني (4-4)

17/01/2025, 11:57:46

رابعاً: اليمن مجتمع دولة وليس قبيلة!.
في صفحة "210، وما بعدها"، يستهل الكاتب الحديث بعنوان عريض هو "القبيلة اليمنية عبر العصور"، ويرد تحته مباشرة النص الآتي: "يتضح لنا أن الممالك اليمنية الست الرئيسية، التي أعظمها وأقدمها مملكة سبأ، ثم معين وحضرموت وأوسان وقتبان، ثم حمير، تمثل التجمعات الأساسية لأهم القبائل اليمنية، وأكثرها عدداً وإمكانيات، وأن كل تلك الشعوب تؤمن أن أصولها تعود إلى جدهم الأكبر قحطان بن النبي هود -عليه السلام- وحفيده سبأ، وولديه حمير وكهلان، اللذين من ذريتهما الأمة اليمنية العظيمة"، انتهى النص.

ومضى الكاتب على هذا المنوال في الحديث عن كل ما سبق كمجرد قبائل في ممالك ودول، أو ممالك ودول في قبائل، ومن عيال رجال وأحفاد "عدنان، قحطان، سبأ وكهلان...الخ".

ونحن من المنظور الاجتماعي العلمي، لا نرى في كل ذلك أقل من كارثة في الفهم والعقل والمنطق في زمن العلم ومنهج البحث الاجتماعي والمعرفي الدقيق، وهي الكارثة التي لا يتحمل وزرها أخي وصديقي مطهر؛ لأنه مجرد ناقل للكفر، و"ناقل الكفر ليس بكافر"، وذلك للأسباب الآتية:
1- خرافة الجد الواحد:
‌أ) يورد الكاتب ثلاثة مفاهيم شديدة الاختلاف بمعنى واحد لشيء واحد، وهي "القبيلة والشعب والأمة" ليعبر بها عن شيء واحد وهو القبيلة أو العكس، وهذا محال؛ لأن القبيلة نقيض الدولة، أو الشعب والأمة بالمعنى العلمي المتعارف عليه اجتماعياً وعالمياً، كما سنوضح لاحقاً.
‌ب) يقول الكاتب إن كل هذه القبائل والشعوب والممالك اليمنية يؤمنون بأن أصولهم تعود إلى جدهم الأكبر قحطان بن هود، وحفيده سبأ ولد حمير وكهلان ...الخ.
والسؤال والإجابة النافية لمثل هذه الخرافة، هي: هل كان قحطان هذا، أو ابنه، أو حفيده في شعب وأمة، أم بمفرده على وجه الأرض؟
وإذا كانت الإجابة -على سبيل اليقين- أنه قد كان في شعب أو أمة، أو حتى قبيلة على الأقل، فهل امتنع أو منع كل من حوله عن الإنجاب إلا هو، المعنى وحده بإنجاب كل هذه الشعوب والأمم؟
الإجابة عقلاً وعلماً ومنطقا وبساطة: لا، وألف لا، إذ لا أحد بعد أبونا آدم يدَّعي أو يدُعى له بأنه جد شعب أو أمة، أو قبيلة؛ لا قحطان ولا عدنان، ولا حاشد، ولا بكيل، ولا حتى محمد "صلى الله عليه وسلم"؛ لأنه ما كان [أبا أحد من رجالكم]، والانتماء الحقيقي هو إلى الجماعة، أو المكان والمهنة، وما الأفراد إلا رموز سياسية واجتماعية للجماعة والمجتمع، فعبد العزيز آل سعود ليس جداً عنصرياً لما يُعرف اليوم بالمجتمع السعودي، بقدر ما هو رمز سياسي واجتماعي لا أقل ولا أكثر، كذلك هو قحطان، وعدنان، وسبأ، وحمير...الخ.

2- مشكلة الخلط ما بين مفهومي القبيلة والدولة.
إن خير ما يُعين على تجاوز هذا الأشكال المستعصي هو تعريف الأشياء، وليس التوقف عند مجرد مسمياتها، فالأشياء قد تعزى بمسمياتها – كما يقال- لكنها لا تُفهم إلا بتعريفها، والتعريف الاجتماعي لمفهومي القبيلة والدولة هو الخطوة الأولى لتجاوز هذا الإشكال وعلى النحو الآتي:

‌أ) مفهوم القبيلة وخواص القبيلة.
فتعريف القبيلة في العلم الاجتماعي: هي مجتمع ما قبل الدولة، ومن أهم خواصها التنقل، وعدم الاستقرار في المكان، والعيش على فائض القوت (الصيد والرعي والغزو)، وعدم الانقسام إلى بناء فوقي وبناء تحتي (أغنياء وفقراء، حضر وريف..الخ)، والمسؤولية فيها جماعية "عصبية"، وليست فردية، والسلطة فيها تنساب من أسفل إلى أعلى، وافتراض الانتماء إلى جد واحد لتعزيز العصبية لا أكثر.

‌ب) مفهوم وخواص مجتمع الدولة.
بعكس خواص مجتمع القبيلة، يتميَّز مجتمع الدولة بالضرورة بالاستقرار في المكان (الزراعة، الصناعة، التجارة)، والانقسام إلى بناء فوقي وبناء تحتي (أغنياء وفقراء، وريف وحضر، وحكام ومحكومين، ...الخ)، والمسؤولية فيه فردية، وليست "عصبية" جماعية (فكرة المواطنة كمسؤولية أمام القانون)، وإنتاج فائض القوت للبناء التحتي (الفلاحين والعمال والحِرفيين..الخ)، وفائض الريع والربح للبناء الفوقي (الحكام والمحاربين ورجال الدين أو الرأسماليين)، فهل اليمن في ضوء كل هذا مجتمع دولة أو قبيلة؟

إنه مجتمع دولة وحضارة من عشرة آلاف سنة، لكن الانحطاط والتخلف السياسي هو الذي كثيراً ما يُقبْيِل الدولة أو يُدَيْول القبيلة.

‌ج) ما يجب معرفته تأكيداً لهذه الحقيقة هو أن تحقيق أكثر من خمسة عشر ألف نص من خطوط المسند لم ترد فيها كلمة قبيلة قط، وأن مسمى الجماعات المحلية هو شعب (شعب أم خوللنم، وشعب أم بعدنم، شعب أم كبسمم)، ولم تكن ترد كلمة "قبيلة" في حالات نادرة إلا عند الحديث عن "الأعراب المغيرين من أطراف الدولة، وأن من تسبب في هذا الخطأ هم المستشرقون الذين ترجموا كلمة "شعب" إلى قبيلة في القرن السادس عشر وما قبله، وقلدهم العرب واليمنيون -مع الأسف الشديد- وقد غذت هذا الخطأ السياسات الفاسدة بقبيلة الدولة، أو ديولة القبيلة.

مقالات

سئمنا وجوهكم

متخمون بالفساد يتربّعون على مقاعد السلطة، ليس بمجدٍ حققوه، بل بما نهبوه، وألقوه في خزائنهم وأرصدتهم.

مقالات

لماذا لم يكتبوا مذكراتهم؟

ومع أن العقود الثلاثة الأخيرة شهدت تغيراً نسبياً في كتابة المذكرات السياسية ونشرها، إلا أن ذلك لم يصل إلى مستوى يمكننا معه أن نقول إن "الإفصاح" أكثر من "الكتم" في أحداث اليمن وتاريخه المعاصر، وتحديدا النصف الثاني من القرن العشرين.

مقالات

لا تسرقوا الدم الفلسطيني

لا يمكن لأحد اليوم أن يتقدَّم ليمُنّ على الفلسطيني بأي فضل. لا فضل لنظام ولا حتى للشعوب. ما دوَّنه التاريخ أن كيان الاحتلال وجد الفرصة لارتكاب ما لم يجرؤ عليه منذ تأسيسه بكل أريحية دون أن يواجه حتى صراخاَ شعبياً مؤثراً في الشوارع.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.