مقالات

نتنياهو وقربان زيارة أمريكا

23/07/2024, 08:40:07

يقدّم نتنياهو في زيارته لأمريكا قربان حرب الإبادة على غزة؛ واعدًا بتوسيع نطاق الحرب. الإدارة الأمريكية بحزبيها: الديمقراطي، والجمهوري مع استمرار الحرب حتى انتهاء المهمة كتعبير ترامب في المناظرة التي تفوّق فيها. 

في سماء الأحد، قامت اثنا عشر طائرة من طراز "إف 15"، وطائرة استطلاع بضرب ميناء الحديدة. قتلت الغارات أكثر من عشرة، وأصابت أكثر من مئة جريح، كما نال القصف الكرينات، وأحرق مستودعات النفط والديزل والمازوت، وألحق أضرارا بمحطة الكهرباء الوحيدة في المحافظة. 

حرص نتنياهو أن يُلقِي الخطاب أمام الكونجرس كحامي حمى الوجود الأمريكي والمصالح الاستعمارية؛ مطالبًا باستمرار دعم إسرائيل كقوة أكبر في المنطقة كلها. 

لم تكن أمريكا وبريطانيا - الطرفان الأساسيان في الرباعية الدولية- ومعهما فرنسا بعيدين عن الحرب على اليمن طيلة التسعة الأعوام الماضية، والحرب على اليمن حاليًا ممتدة ومكرّسة لحماية إسرائيل بالأساس. 

موقف اليمن المساند لغزة المحاصرة لأكثر من ستة عشر عامًا، والمعرضة لحرب إبادة، دفع بالطائرات الإسرائيلية لضرب ميناء الحديدة. 

يتهيأ نتنياهو للظهور أمام الكونجرس مزهوًا بتدمير غزة، وفرض الاستيطان على الضفة، وضرب لبنان، وتوسيع الحرب إلى اليمن. 

سيردد لازمته أن تنازل حماس عن شرط الوقف الدائم للحرب كان ثمرة الضغط على حماس من قِبل الوسطاء العرب، وتعرف الإدارة الأمريكية أن خدعة مبادرة بايدن الأخيرة، والضغط على الوسطاء للضغط على المقاومة هي التي أدت إلى القبول بالتراجع عن مطلب الوقف الدائم للحرب.

ويقينًا، فإن أي مرونة أو تنازل بأي معنى لن يتلقى بالقبول من نتنياهو، وإنما سيفتح شهيته أكثر لتصعيد حرب الإبادة، والتمادي لفرض التهجير- الهدف الرائس والأساس للحرب. 

سيظهر نتنياهو كبطل يدافع عن آخر قلعة من قلاع الاستعمار الاستيطاني، وكخط دفاع أول عن مصالح أمريكا وأوروبا، يفرض الهيمنة على الأمة العربية، ويقطع التواصل بينها؛ ليثبت أهليته بحماية هذه المصالح وحكامها.

نتنياهو - شيلوك العصر نخاس ماهر. الموقف من إسرائيل جزء من لعبة الانتخابات والفوز بدعم اللوبيات القوية: الإيباك، ولوبي السلاح والنفط، والإنجيليين المتصهينين؛ وكلهم داعمون لحرب إسرائيل وانتصارها. 

المطلب الأساس دعم استمرار الحرب، ووضع المنطقة كلها تحت التهديد بما في ذلك إيران، وتشديد الضغط على الوسطاء للمزيد من الضغط على المقاومة الفلسطينية؛ للاستسلام، وإرغام العربية السعودية على التطبيع، وعدم تمكينها من السيطرة على دول مجلس التعاون أو تقويتها.

إبقاء المنطقة -حتى الموالية- ضعيفة هدفٌ مشترك بين الصهاينة وأمريكا وأوروبا، ومنعها من التطور والحداثة والتنمية هو المقصد الأسمى؛ فما بالكم بالتحرر والاشتراكية والوحدة؟!

يدرك النخاس نتنياهو أن منع التصعيد مرتبط بمناخ الانتخابات؛ وهو يعمل على إذكاء الحرب وتوسيعها في لبنان، ومدها إلى اليمن، والضرب المتواصل على سوريا- كل ذلك يقوي مطالبه على حماته في البيت الأبيض: ديمقراطيين، وجمهوريين. 

إمدادات السلاح حتى المحرّم دوليًا، ومنع قيام الدولتين، وتأييد الاستمرار في الإبادة والاستيطان، وإرغام مصر والأردن على القبول بلاجئي القطاع والضفة، وإلزام دول الخليج بالتمويل، ومنع المساءلة الدولية، والتدخل لمنع تزايد الأصوات المعترفة بفلسطين، أهم مطالب نتنياهو، إضافةً إلى التعويض عن كل خسائرها الشاملة في الحرب.  

وحقيقة الأمر، فهذه الصورة الزائفة، التي يسوقها نتنياهو، يعرفها الأمريكان في الحزبين جيدًا؛ فنتنياهو يأتي مثقلاً بجرائم حرب غير مسبوقة في كل حروب إسرائيل، ثم إن الحصار الممتد على القطاع لأكثر من ستة عشر عامًا عجز عن إخضاع المقاومة، وعجزت الإبادة والتدمير التي طالت معالم الحياة عن حسم الحرب. 

لم تحقق جرائم الحرب وضد الإنسانية وحرب الإبادة الأهداف المعلنة بعودة المختطفين، ولا القضاء على حماس، وتأمين إسرائيل، كما لم تحقق -وهذا هو الأهم- تهجير الفلسطينيين، وتوسيع نطاق الحرب، وقيام دولة إسرائيل من البحر إلى النهر.

ما يسعى إليه نتنياهو تكريسه كبطل مدافع عن الحضارة والمصالح الأمريكية والغربية، وضمان استنقاعه في الحكم، وتجنيبه المساءلة، وحماية إسرائيل من المساءلة الدولية، ومنع الاعتراف بدولة فلسطين، لكن المعارضة المشتعلة ضده في تصاعد، والاحتجاجات داخل الكيان آخذة بالاتساع.  

الاحتجاجات الدولية، والموقف في مجلس الأمن والجمعية العامة، وقرار محكمة العدل الدولية تدين إسرائيل، كما أن المظاهرات في المدن الأمريكية والأوروبية تزكي الإرادة الفلسطينية، وتذكي احتجاجات الداخل الإسرائيلي، وتثقل كاهل الإدارة الأمريكية، وقادة الحرب الإسرائيليين. 

مأساة نتنياهو ضيق أفق رؤيته. فمصيره البائس، ومستقبله الراعب هو ما يدفعه للإيغال في حرب الإبادة، ومد الحرب وتوسيعها كمهرب من مصير محتوم ينتظره.

الإدارة الأمريكية مهجوسة بالانتخابات، وتريد التهدئة، بينما تعني التهدئة ووقف الحرب انتصار حماس، وانتصار المعارضة والاحتجاجات، وشق صف اليمين الصهيوني المربوط مصيره بالحرب.

فهل زيارة نتنياهو وخطابه أمام الكونجرس يجيء في الوقت الضائع، وفي وقت غير مناسب؟ إنه يريد الدعم لاستمرار الحرب على غزة، وإطلاق يد المستوطنين في الضفة، وإجبار مصر والأردن على تقبل اللاجئين، وفرض التطبيع على السعودية، وإلزام دول الخليج بتمويل التوطين في سيناء والأردن، وعدم الاعتراف بدولة فلسطين، ومنع الدول الأخرى أيضًا من الاعتراف بدولة فلسطين، والأهم استمرار دعم السلاح والمال، واستمرار الدعم اللوجستي في الحرب، والمساعدة في المواجهات المتصاعدة مع محور المقاومة في لبنان، واليمن، والعراق. 

لا يعرف الأمريكان مقولة الحميد بن منصور: "حامي الحميد بن منصور يشتي من الناس حامي"، ولكنهم يدركون أن إسرائيل بعد السابع من أكتوبر 2023، وما آلت إليه الحرب التي تدخل شهرها العاشر، قد تحولت من وكيل لحماية المصالح الاستعمارية إلى محتاجة في نفسها للحماية، وهي بأمس الاحتياج للمزيد من الدعم والمساندة أكثر من أي وقت مضى. 

ما لا يحسب حسابه التيار الصهيوني بجناحيه: اليمين، واليسار أن العصر لم يعد عصر أمريكا، وأن هناك قادمين جدد في الساحة الدولية. الاحتجاجات الشعبية في العالم بما فيها الكيان الإسرائيلي نفسه، وتراجع الحرب في أوكرانيا، وصمود غزة المحاصرة والمحروبة، كلها مؤشرات هزيمة القوة الجبارة، والجيش الذي لا يقهر، وعلائم انكسار جبروت السلاح. 

هناك ترابط وتداخل بين المجتمعين: الأمريكي، والإسرائيلي، والنهج الحربي الإسرائيلي ليس معزولاً عن النهج الأمريكي، ولكن فشل نهج وسياسات اليمين الصهيوني والتوراتي يدفع نتنياهو، وابن غفير، وسموترتش إلى المزيد من التطرف، ويبقى الحرص على الكيان الصهيوني، وعدم انهياره قضية مشتركة بين أمريكا وأوروبا. 

فهل يعود نتنياهو خائبًا؟ ربما يُنصح  بالانتظار أو التهدئةوليس ثمة فسحة للانتظار.

الانقسام الأمريكي كبير، والتبدل في السياسات في مستوى معين حاضر، ونهج التمييز العنصري، والتطهير العرقي، وحرب الإبادة، محل إدانة ورفض من المجتمع الدولي، والأسئلة حول القادم كاثرة. 

الانقسام في المجتمع الإسرائيلي قوي ومتصاعد رغم دعوات التسامح والتوحد، ومن المنتصر الجمهوري، أم الديمقراطي؟

في حال انتصر ترامب، كيف سيكون الحال في ظل التغيرات الحالية؟ وما وضع الكونجرس القادم؟ والعلاقة مع أوروبا والناتو، والتخلي عن أوكرانيا، وصعود اليمين في أوروبا، وتصاعد، الاحتجاجات هناك؟ موقف الدول العربية المطبعة والمنتظرة؟ موقف محور المقاومة؟ 

والسؤال الأهم: هل تستمر وتتصاعد الحرب كما يريد نتنياهو وفريق الحرب؟ وما المتوقع من تخلي الرئيس الصهيوني عن المنافسة، وهو المدرك لانحياز نتنياهو لترامب؟ وماذا عن محور المقاومة في لبنان واليمن والعراق؟ 

أدى محور المقاومة رسالة وواجبًا قوميًا وإنسانيًا مهمًا، وإن كان دون ما كان متوقعًا بسبب اختلال الأوضاع الداخلية لهذه البلدان، وبسبب الانقسامات الطائفية، وطبيعة هذا المحور الموصوم بالطائفية، والغارق في صراعات ما قبل عصر الوطنية والدولة.

فاليمن -على سبيل المثال- تضطلع بدورٍ مهم في هذا الصراع، سواء بإطلاق الصواريخ والمسيّرات الواصلة إلى قلب تل أبيب، أو إغلاق باب المندب، والتصدّي للسفن والبوارج والأساطيل المتواجدة في البحر الأحمر، والمعتدية على اليمن منذ التحالف العربي.

فاليمن المساند بقوة لغزة أوضاعه الداخلية في غاية التفكك والانقسام والمجاعة والبؤس وسُوء الإدارة وفسادها واستبدادها، ودعاوى الانفصال في الجنوب، والاصطفاء الإلهي والتفويض الرباني لحكم البلاد والعباد. 

الصراع بين الشمال والجنوب، وداخل كل شطر على حِدة، وقطع المرتبات، ونهب المدّخرات، ومصادرة الأراضي سِمة عامة ومشتركة بين مليشيات الشمال والجنوب. وهو ما يحد من مقدّرة الشعب اليمني، وتمكّنه من التصدّي بشكل أفضل للعدوان، ونصرة أهله في فلسطين. 

الأنظمة في الجزيرة والخليج- إذا ما استثنينا الكويت وسلطة عُمان- فإن بعضها يخوض معركة إسرائيل والبعض الآخر واقف في منطقة أعراف وينتظر.

الحكام العرب بشكل عام يخافون من بعضهم، وعداواتهم مع شعوبهم أكبر من خلافاتهم مع إسرائيل؛ بل ينظر بعضهم إلى إسرائيل كحامٍ.

مقالات

عن الأحكام التي تسبق الجريمة

أظن أن النفس البشرية، حتى في أشد حالات نزوعها نحو الشر والجريمة، تبحث في الغالب عن مبررات لأفعالها، ومنها تلك الأحكام الذاتية التي يطلقها الإنسان على غيره، قبل أن يرتكب في حقهم جرما معينا، وهذه الأحكام غالباً لا تمت للقيم الإنسانية بصِلة

مقالات

ترامب ونتنياهو وصفقة القرن

ربما كانَ من الأنسب أن يكون عنوانَ هذا المقال «نتنياهو وترامب وصفقة القرن». فنتنياهو مؤلف كتاب «مكان بين الأمم»، والذي تُرجِمَ إلى «مكان تحت الشمس» هو الأساس. فـ«صفقة القرن»، وما تشربه ترامب منها، وصرّح به هي المبادئ الأساسية لـ«السلام من أجل الازدهار»؛ فمصدرها كتاب «مكان تحت الشمس»، وفي 28 يناير أعلن الرئيس الأمريكي، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، نص الصفقة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.