مقالات
هل نحن في أسوأ الأزمان؟
في لحظات الضيق الشخصي، وعندما يعجز البشر عن إدراك طبيعة الحياة، يتأففون قائلين: نحن في أكثر فترات التاريخ سوءًا. زمن ردئ، عصر التفاهات، عالم زائف. إنّه زمن انهيار القيم. وغيرها من العبارات المتضجّرة. من يُصغي إليها، يجد نفسه أمام أحكام نهائية بخصوص القيمة الكلّية للحياة. أحكام عجيبة والأعجب فيها: هو جُرأتها في إطلاق التقييمات الخطرة، بسهولة وطلاقة عالية.
لا يحتاج المرء لنقض الحكم القائل بأننا في أسوأ مراحل التاريخ. فنحن لسنا أمام حكم مُبرهن؛ كي نشرع في حشد أدلة تناقضه. فالأمر لا يعدو كونه تعبير عن عجز شخصي في الوعي بجوهر الحياة وتفاعلاتها. من يُجزم بأن البشرية في أسوأ لحظاتها، هو بالطبع؛ يجهل كليًّا طبيعة التاريخ ويتصرف انطلاقًا مما يفترض أن تكون عليه الحياة وليس مما هي عليه فعلًا.
الحياة ليست جيدة ولا سيئة. هي هكذا منذ بدايات نشوءها. مزيج من التناقضات، جيدة وسيئة وصاخبة وهادئة. مُحبِطة وباعثة للتفاؤل. مهزومة ومنتصرة. كلّ ذلك يعود لطبيعتك الشخصية وطريقتك في النظر إليها. ففي العصور الظلامية، كانت الحياة تمضي في مسار تطوري، مماثل لمسارها في عصور أخرى توصف بزمن الأنوار. وزمن الأنوار، هو أيضًا يحوي شرور بلا نهاية ودماء وحروب مثل بقية العصور.
القول بأننا نعيش أسوأ الأزمان في تاريخ البشرية، هو حُكم يحمل إيحاء مُحبط ويدفع الناس للنأي بأنفسهم عن خوض صراعات الحياة. إننا حين ندين الزمان، فنحن لا نفعل شيئًا ذو قيمة؛ سوى تضليل أنفسنا عن طبيعة الحياة وتعميم الشعور بالخيبة؛ بدلًا من حشد طاقاتنا لمواصلة اللعبة وتعزيز سيطرتنا عليها. انطلاقًا مما هي عليه ووفقًا للظرف الذي نحن فيه.
سياسيًا: قد تمرّ الشعوب والبلدان بفترات سوء مضاعفة. وقد تكون مراحل زمنية أفضل من أخرى. هذا أمر مفروغ منه. لكن المشكلة تكمن في اتخاذ الظرف السياسي كمعيار للحكم على ظلامية الحياة وسوداويتها بالكامل. بمعنى أخر، تحويل الزمن السياسي لحكم فلسفي مضاد للحياة كليًا وتجريد الناس من دوافعهم الحيوية للعيش أو دفعهم للإستسلام للواقع؛ بحجة انحطاطه وعدم وجود جدوى من محاولات إصلاحه.
تكمن عبقرية الإنسان، في قدرته على الفعل بأي زمان ومكان هو فيه. وبصرف النظر عن كلّ العوامل الخارجية. بمقدورك أن تُنجز مهمتك في كلّ يوم. أن تُصلح جداولك الزراعية الصغيرة أو ترعى مواشيك. أن تحفر بئرًا في قريتك أو تذهب نحو مقاعد الكلية. أن تعمل في مصنع مياة أو تتدرب في المختبرات العلمية. دائمًا هناك ما يُمكنك فعله. أن تُطلق النار للدفاع عن بلدك أو تُشكل تكتل للإحتجاج والرفض؛ مُطالبًا بإصلاح الوضع العام وتهيئة بلادك لقدوم الدولة والنظام.
لربما يكون الوضع سيئًا بالفعل؛ لكن مهمتك ليس وصف الحالة العامة لبلادك أو هجاء الزمن؛ بل المساهمة في تحريرها. يبدو لي أنّ الشكوى من سوء الزمان؛ تزداد لدى أولئك الذين لو صارت الحياة بأرقى حالاتها؛ لواصلوا مهمتهم نفسها. لعن الزمن ورثاء الحياة. وتبرئية أنفسهم منها.
الخلاصة: لا توجد أزمان فضلى بالكامل. ولم يحدث في أي مرحلة من التاريخ أن بلغت الحياة مستوياتها القصوى من الجودة. دائمًا يتواجد السوء جوار نقيضه. ودائمًا هناك ما يمكن اعتباره نقيصة وفجوة يتوجب سدّها. هي هكذا الحياة وتلك طبيعتها. وعليه فالولع بشتم الزمان والتأفف من الواقع؛ هو أدنى مستويات الرفض وأسهل مهمة؛ يُمكن تأديتها ببراعة ثم بعدها إعلان إخلاء مسؤوليتنا تجاه حياتنا.
حياتنا، هي هذه التي بين يدينا. قد تكون بالغة السوء، ويلزمنا العمل لمدافعتها. حتى حين تغدو بمعايير الزمن المعاصر، حياة فائقة التطور. تظل مهمتنا سارية. بل إن دواعي العمل المستمر، تزداد حين يتفاقم السوء. وعليه فالقول: إننا نعيش في زمن هو أسوأ فترات تاريخنا؛ يجعل المهمة مضاعفة. ما أودّ تأكيده هو هذا: اعمل في كلّ لحظة من حياتك، في أي مكان وزمان. ذلك هو الردّ الوحيد تجاه الواقع. اعمل بمقابل وبدون مقابل، ولسوف تنام شاعرًا بالرضى وتصحو بأمل فائض كلّ يوم في حياتك.