مقالات
وعود الهدنة الهشَّة ووعود المجلس والعاصمتين!!
انقضى الشهر الأول من الهدنة، التي أعلنتها الأمم المتحدة في اليمن بين الحكومة والحوثيين في الثاني من أبريل الماضي لمدة شهرين، دون أن نرى أو نلمس أثراً حقيقياً على الأرض لنتائجها، فلا مطار صنعاء استقبل أول الرحلات التجارية الإنسانية، ولا معابر تعز المحاصرة فُتحت أمام المسافرين - الذين يتحمّلون المشاق في الوصول إلى المدينة وأريافها الغربية والجنوبية- ولم تصمت أيضاً أصوات المدافع في الجبهات الملتهبة، بعد تسجيل مئات الخروقات في ظل اتهامات متبادلة بين الطرفين بارتكابها، ومنها قيام طائرة مسيّرة حوثية بقصف محيط حديقة عامة مكتظة في قلب مدينة تعز ثالث أيام عيد الفطر.
وحده ميناء الحديدة استقبل العديد من سفن الوقود، التي رفدت خزائن الحوثيين بمليارات الريالات، دون أن تخفّض الجماعة من أسعار بيعه للمواطنين إلا بنسبة صغيرة جداً لا تتماشى مع السعر المفترض أن يُباع به، لتستغل فوارق البيع -كالعادة- في تعزيز وتقوية حضورها كطبقة حاكمة في حياة اليمنيين.
في أسبوع الهدنة الأول، مررت السعودية والإمارات طبختهما (الفاسدة) بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، بعد المشاورات (اليمنية - اليمنية) الصُّورية، التي أعلن عنها مجلس التعاون الخليجي أواخر مارس الماضي في العاصمة السعودية (الرياض)، وأزاحت بموجبها الرئيس عبد ربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر، وصعّدت بدلاً عنهما مجلساً صورياً مناصفة بين الشمال والجنوب، تنقسم ولاءات أعضائه بين العاصمتين (الرياض وأبو ظبي)، ويتوزّعون جغرافياً على مناطق "صعدة وصنعاء وتعز ومأرب وحضرموت وشبوة والضالع ويافع"، في تمثيل جهوي صارخ بلبوس حزبية ومليشاوية فاضحة.
مهمّة هذا المجلس -حسب بيان إعلان تشكيله- إدارة الدولة سياسياً وعسكرياً وأمنياً طوال المرحلة الانتقالية، واعتماد سياسة خارجية متوازنة تحقق المصالح الوطنية العليا للدولة، وبنائها على أسس الاستقلالية والمصالح المشتركة بما يحفظ سيادة الدولة وأمنها وحدودها، وتيسير ممارسة الحكومة لاختصاصاتها بكامل صلاحياتها طوال المرحلة الانتقالية، واعتماد السياسات اللازمة لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب في جميع أنحاء الجمهورية اليمنية، وتشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية المشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار من خلال اعتماد السياسات، التي من شأنها أن تمنع حدوث أي مواجهات مسلّحة في كافة أنحاء الجمهورية، وتهيئة الظروف، واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات المسلّحة تحت هيكل قيادة وطنية موحّدة في إطار سيادة القانون، وإنهاء الانقسام في القوات المسلّحة، ومعالجة أسبابه، وإنهاء جميع النزاعات المسلّحة، ووضع عقيدة وطنية لمنتسبي الجيش والأجهزة الأمنية، وأي مهام يراها المجلس لتعزيز الاستقرار والأمن، وتعزيز المساواة بين المواطنين في كافة الحقوق والواجبات، وتحقيق الشراكة الواسعة.
والأهم "يتولى المجلس التفاوض مع "أنصار الله" الحوثيين لوقف إطلاق نار دائم في كافة أنحاء الجمهورية، والجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي نهائي وشامل، يتضمّن مرحلة انتقالية تنقل اليمن من حالة الحرب إلى حالة السلام، وهي أهداف كان باستطاعة دولتي التحالف تحقيقها على الأرض بأقل التكاليف، وبأشهر معدودة في بداية الحرب، لكنهما أوغلتا في تدمير الكيان اليمني باعتمادهما أدوات تقويضية من الأتباع، وتريدان اليوم وبالأدوات ذاتها استعادة الدولة المختطفة، والذهاب إلى السلام!!
الحراك الواضح، الذي شهدته الحياة السياسية في الداخل بعد تشكيل المجلس، ارتبط بعودة القيادات إلى العاصمة عدن، وعقد البرلمان جلسة لأداء اليمين لأعضاء المجلس - في قاعة فندق - وما رافق قسَم عضو المجلس عيدروس الزُبيدي من جدل حول الصيغة التي أسقط فيها كلمة الوحدة والنظام الجمهوري من النَّص المقروء، وكذا عقده جلسة ثانية لمنح الحكومة ثقته، وإقراره الموازنة العامة للدولة للعام 2022، قبل أن يغادر رئيسه وأعضاؤه إلى مستقراتهم المرفهة بحُجة عدم وجود أماكن إقامة للعدد الكبير من الأعضاء والوزراء وأعضاء اللجان التي تشكّلت بعد مشاورات الرياض.
هذا الحراك خلق نوعاً من التفاؤل الحذر في الشارع اليمني، وإن الخطابات الثلاثة، التي وجهها رئيس مجلس القيادة، رشاد العليمي، في ظرف شهر، شكّلت هي الأخرى نقلة نوعية في "علاقة القيادة بالقاع"، خصوصاً بعد أن عزَّ على القاع طويلاً الاستماع إلى سلفه هادي في خطابات متعاقبة بذات التركيز والحيوية- طبعاً مقابل الخطابات الثلاثة أطلّ زعيم الحوثيين على أنصاره ثلاثين مرة في ليالي رمضان بخطابات وعظية دينية بلا أفق سياسي.
صلاة العيد الجماعية لقيادة الدولة العليا في إحدى ساحات "معاشيق" في عدن حملت رسائل كثيرة، أقلّها القول بالانضباط الأمني العالي، الذي تديره الاستخبارات السعودية في عدن، وأعلاها تقول إن إرادة سياسية متقاربة للعاصمتين تحكم الحالة العامة اليوم، خصوصاً بعد عودة مجلس القيادة الرئاسي من جولة الرياض وأبو ظبي، وحمل معه الكثير من الوعود، أجملها العليمي في خطابه الثالث الموجّه للشعب اليمني عشية عيد الفطر في "تشكيل فوري للجان مشتركة مع التحالف، تتولى متابعة تنفيذ التعهدات في مجالات الكهرباء والطاقة والصحة والطرق والمياه والسدود، وفي الجوانب الأمنية والعسكرية، إلى جانب تنفيذ التعهّدات بدعم البنك المركزي بثلاثة مليارات دولار من أجل الحفاظ على استقرار العملة ودعم السلع الأساسية".
لكن ما يتوجّب قوله هنا إن الهدنة الهشة، التي هندست لها بعثة المندوب الأممي لتغطّي شهر رمضان، ولتمرير تشكيل المجلس، لن تصمد طويلاً، وعودة الوفد السلطاني العُماني للمرة الثانية إلى صنعاء في 22 أبريل لمتابعة تنفيذ اتفاقات الهدنة، كما أعلنت المصادر الحوثية تشير إلى ذلك، على اعتبار أن السلطنة هي الضامن الفعلي للحوثيين، والضمير المستتر لإيران، التي أوفدت ممثليها الأمنيين لعقد جولة جديدة من المفاوضات مع نظرائهم الأمنيين السعوديين في بغداد في الفترة ذاتها التي كان فيها الوفد السلطاني العماني في صنعاء..
تشير تقارير تخص جولة المفاوضات الأمنية الإيرانية - السعودية الخامسة، التي انعقدت بعد ستة أشهر من انعقاد الجولة الرابعة و بالرعاية العراقية ذاتها، أن المفاوضين السعوديين يقدّمون تنازلات كبيرة في الملف اليمني، مقابل مراوغات وتصلّب إيراني معتاد، والنتيجة المتوقّعة في المستقبل تسليم الشمال اليمني بشكل مُطلق لإيران، مقابل القليل من الوعود الأمنية التي لن تلتزم بها إيران، ما دامت أصبع الجارة في فمها، وتطحنها بأضراس حوثية.