تقارير
أجواء رمضان في اليمن.. أطباق شهية ولقاءات تنبض بالحياة وحكايات لا تنتهي
تلك الأوقات التي تسبق موعد الإفطار بدقائق قبيل أذان المغرب المصحوبة بالابتهالات وتلاوة القرآن بصوت أشهر قُراء اليمن، محمد القريطي، لا يزال يتشبث بها اليمنيون حتى اللحظة، وكأنها واحدة من أعرق تقاليدهم الخالدة.
روائح الأطباق، في تلك اللحظة، تبقى عالقة في أذهان اليمنيين حتى إلى ما بعد رمضان؛ لأنها شيء لا يحدث إلا لمرة واحدة في العام، فمن فطائر السمبوسة ورائحة القهوة والتمر إلى بقية أصناف مائدة الإفطار السريعة، التي تجتمع عليها الأسرة، سواء في المنزل أو المسجد وقت صلاة المغرب، ستجد حتماً الروح التي لن تحصل عليها بسهولة في أي بُقعة حول العالم، الأجواء نفسها لها رائحة، خصوصاً إذا كان الطقس ممطراً في عصر رمضان.
- احتفاء مبكر
هذه الروح ليست وليدة الصدفة، ولكن الأمهات صنعنها منذ أيام استعداداتهن لاستقبال الشهر الكريم، من خلال تنظيف المنزل، وتزيينه، وشراء المتطلبات الرئيسية، والحال نفسه يحدث في الخارج من خلال إشعال الأنوار في الأحياء والأهازيج الترحيبية، التي لا تتوقّف في أول أيام الشهر.
هذا تقريباً ما فعلته السيدة فاطمة العريفي في تعز مع قدوم رمضان، حيث أفادت بأنها اشترت متطلبات الزينة الورقية قبل رمضان، وقامت مع طفليها برسم الأهلّة، وصناعة الفوانيس، وتزيين الغُرف والممرات كتقليد سنوي يعبّر عن سعادتهم، بقدوم شهر رمضان.
الأطفال لهم حكاياتهم، حيث يقومون بالاستعداد لرمضان بطريقتهم الخاصة من خلال حفظ الأناشيد، وتجهيز بعض المصابيح لاستقبال رمضان بالغناء وطقوس الترحيب، ويرددون بعض الأهازيج بروح منتشية مثل:
"يا رمضان يا بو الحماحم.. شهر التقى والخير دايم
يا رمضان يا بو الحماحم.. ودي لابي قرعة صرة دراهم
يا رمضان يا شهر العبادة.. من صامك أجره زيادة".
- تنوع المائدة
وإذا ما تم الحديث عن تنوّع المائدة اليمنية، فبالتأكيد أن لكل مدينة يمنية، وربما في كل قرية، ثمة ما يميّز المائدة الرمضانية، فلهذا الشهر لدى اليمنيين مائدته الخاصة، وأكلاته التي تكاد لا تظهر في المائدة سوى في رمضان، وهي مِيزة تحرص معظم الأسر اليمنية عليها خلال الشهر الكريم.
وفي اليمن ثمة تنوّع في الموائد، فهناك المائدة الصنعانية، التي تميّزها أكلات عن غيرها، والمائدة العدنية، والتعزية، والحضرمية، وغيرها من الموائد، التي تميِّز كل محافظة عن أخرى.
تلتقي الكثير من الموائد الرمضانية اليمنية في أكلات معيّنة؛ أبرزها "السلتة"، وهي أكلة قديمة، ورثها اليمنيون من الأتراك، وأخذت مائدة الإفطار اليمنية مكاناً راقياً بين الموائد العربية؛ لتعدد أصنافها، غير أن هناك وجبتين تكاد لا تخلوا منهما أي مائدة في عموم اليمن؛ هما "الشفوت والشُّربة".
هناك أيضاً الكبسة، والعصيدة، والزربيان العدني، وشوربة الأرز، والطفاية، وصانونة السمك ذات الطعم الحار؛ كذلك الفتة، وهي فتات من الخبز والعسل والسمن، وهي أفضل الوجبات لدى اليمنيين.
ولأن المائدة الرمضانية تمثل مستجدا غذائيا بالنسبة لكثير من الأسر، فهي تفرض أعباء مالية كبيرة، في حين أنها غالبا ما تُنسى في بقية شهور السنة، وغالبا ما تحضِّر الأسر متطلبات المائدة الرمضانية في وقت مبكر، ويسعى معظمها إلى توفير هذه المستلزمات من نهاية شهر شعبان.
وتتناول أغلب الأسر اليمنية الأطعمة في رمضان على الأرض، إذ تبسط السُّفرة، وتضع عليها الأطعمة والأشربة، وخاصة في البيوت التقليدية.
- دروس وروحانية
وتزدهر، خلال شهر رمضان، حلقات العِلم؛ لحفظ كتاب الله الكريم، وتعاليمه، وتقديم الدروس الدِّينية؛ لتوضيح معاني القرآن، والاستفادة من سيرة النبي - عليه أفضل الصلاة والتسليم.
ويعزو البعض استمرار مظاهر استقبال رمضان، رغم ظروف الحرب والوضع الاقتصادي الصعب، إلى المكانة الدينية الكبيرة للشهر الكريم لدى اليمنيين، الذين يعتبرونه شهر الرحمة، والتكافل، والصدقات.