تقارير
إعلام دولي: شركات الشحن تعود تدريجياً إلى البحر الأحمر رغم المخاطر
بدأت بعض ناقلات النفط العالمية العودة تدريجياً إلى البحر الأحمر، بعد شهور من تجنّب الممر الحيوي بسبب الهجمات التي نفذتها جماعة الحوثي في اليمن.
ووفقاً لتقرير نشره موقع "TradeWinds"، المتخصص في أخبار قطاع الشحن الدولي، فإن عدداً متزايداً من السفن بدأ “يزحف” مجدداً نحو البحر الأحمر، في خطوة تعكس استعداد بعض شركات الشحن لتحمّل مستوى محسوب من المخاطر مقابل تقليص التكاليف التشغيلية الناجمة عن الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح.
الالتفاف حول إفريقيا ليس حلاً مستداماً
وأوضح التقرير أنه خلال الأشهر الماضية، لجأت معظم الناقلات إلى تجنّب البحر الأحمر مروراً بالطريق الأطول حول القارة الإفريقية.
لكن هذا المسار البديل، بحسب محللي شركة "أ بي جي سندل كوللير" (ABG Sundal Collier)، أدى إلى ارتفاع كبير في استهلاك الوقود وإطالة زمن الرحلات بما يصل إلى أسبوعين إضافيين، ما تسبب بخسائر مالية بملايين الدولارات لمالكي السفن وشركات النقل البحري.
ومع استمرار تلك التكاليف، بدأ بعض المشغلين بإعادة النظر في المخاطر الأمنية ومقارنتها بالمردود الاقتصادي، لتعود الناقلات تدريجياً إلى البحر الأحمر وفق خطط محسوبة وبمرافقة أمنية عالية.
المخاطر لا تزال قائمة
ورغم مظاهر العودة الجزئية، يؤكد التقرير أن التهديد الحوثي لم يتراجع فعلياً. فالجماعة ما تزال تمتلك قدرات هجومية تشمل الطائرات المسيرة، والصواريخ الموجهة، والزوارق المفخخة، وهي أدوات سبق أن استُخدمت لاستهداف سفن تجارية في البحر الأحمر وخليج عدن.
كما تواصل شركات التأمين فرض أقساط مرتفعة على تغطية المخاطر الحربية، الأمر الذي يرفع التكلفة الإجمالية على الناقلات العابرة حتى بعد تقليص مسافة الرحلات.
ويرى محللون أن عودة بعض الناقلات إلى البحر الأحمر لا تعني بالضرورة تحسن الوضع الأمني، بل تعبّر عن تحوّل في تقييم المخاطر لدى الشركات المالكة والمشغّلة.
فبدلاً من اعتبار البحر الأحمر منطقة محظورة تماماً، أصبحت الشركات تتعامل معه باعتباره ممرّاً محفوفاً بالمخاطر يمكن استخدامه وفق شروط محددة — مثل اختيار توقيتات العبور بدقة، والاعتماد على بيانات استخبارات بحرية، والتنسيق مع أساطيل الحماية الإقليمية.
اختبار لمرونة التجارة العالمية
ويشير تقرير "TradeWinds" إلى أن هذا التحول يُعد بمثابة اختبار جديد لقدرة سلاسل الإمداد العالمية على التكيّف مع بيئة أمنية متقلبة، فإذا نجحت الشركات في الحفاظ على سلامة عملياتها داخل البحر الأحمر رغم استمرار التهديدات، فقد يشكل ذلك خطوة نحو استعادة الثقة في الممر البحري الاستراتيجي الذي يربط آسيا بأوروبا عبر قناة السويس.
لكن في المقابل، يظل خطر التصعيد قائماً، خاصة بعد انهيار الهدنة الأخيرة بين الحوثيين والولايات المتحدة، مما قد يدفع الشركات مجدداً إلى إعادة النظر في قراراتها إذا تصاعدت الهجمات.
تجدر الإشارة إلى أن البحر الأحمر يشكل واحدًا من أهم الممرات البحرية في العالم، إذ تمر عبره نحو 15% من التجارة العالمية، بما في ذلك إمدادات النفط والغاز والبضائع المتجهة إلى أوروبا وآسيا عبر قناة السويس. إلا أن الهجمات المتكررة التي شنتها مليشيا الحوثي منذ أواخر عام 2023 أدت إلى اضطرابات واسعة في حركة الملاحة، ودَفعت معظم شركات الشحن إلى تجنّب هذا الممر الحيوي والالتفاف حول رأس الرجاء الصالح، رغم التكلفة الباهظة والوقت الإضافي الذي تتطلبه تلك الرحلات.
وقد مثّلت هذه التحولات ضغطًا كبيرًا على سلاسل الإمداد العالمية، ورفعت تكاليف النقل والتأمين، كما ساهمت في تراجع عائدات قناة السويس، وأجبرت شركات الشحن على إعادة تقييم استراتيجياتها التشغيلية.
وفي ظل استمرار التوترات الأمنية، بدأت بعض الشركات في تبني نهج أكثر مرونة يقوم على موازنة المخاطر مع الجدوى الاقتصادية، ما أدى إلى عودة تدريجية إلى البحر الأحمر وفق ترتيبات أمنية مشددة.
وتعكس هذه العودة الحسابات الدقيقة التي تجريها شركات النقل البحري بين التكلفة والمخاطر، كما تمثل اختبارًا جديدًا لقدرة التجارة العالمية على التكيّف مع بيئة أمنية مضطربة، غير أن هذه الخطوة تظل محفوفة بالمخاطر، خاصة مع بقاء التهديدات الحوثية قائمة واحتمال تصاعدها في أي لحظة، الأمر الذي قد يعيد خلط الأوراق مجددًا في واحد من أكثر الممرات البحرية حساسية على مستوى العالم.