تقارير
الإمارات تبني طوقا من القواعد العسكرية للسيطرة على خليج عدن والبحر الأحمر
من أرخبيل سقطرى في المحيط الهندي إلى السواحل اليمنية والقرن الأفريقي، تكشف صور الأقمار الصناعية – حللها موقع "ميدل إيست آي" – عن توسع غير مسبوق في شبكة القواعد العسكرية والاستخباراتية التي أنشأتها الإمارات خلال السنوات الأخيرة.
هذه الشبكة تحولت إلى ما يشبه حلقة تطويق حول أحد أهم الممرات البحرية في العالم، وهو ما تصاعدت وتيرته بعد هجمات 7 أكتوبر 2023 والحرب في غزة.
لم تقتصر هذه القواعد على الدور الإماراتي وحده، بل انخرطت فيها إسرائيل والولايات المتحدة. وتشير تقارير إلى أن ضباطا إسرائيليين انتشروا في جزر الأرخبيل، فيما نُصبت أنظمة رادار إسرائيلية متطورة مكنت الإمارات من رصد الهجمات الحوثية التي استهدفت الملاحة وإسرائيل عبر البحر الأحمر وخليج عدن. ويجمع الطرفان منصة استخباراتية مشتركة تُعرف باسم “Crystal Ball” لتبادل المعلومات والإنذارات المبكرة.
القواعد لا تُبنى على أراض سيادية إماراتية، بل في مناطق خاضعة لحلفاء أبوظبي مثل المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، وقوات طارق صالح، إلى جانب إقليمي بونتلاند وأرض الصومال (صوماليلاند) في الصومال.
وقد شملت المواقع الجديدة عبد الكوري وسمحة في سقطرى، ميدي والمخا في اليمن، إلى جانب بوصاصو وبربرة في الصومال، وجزيرة ميون (بريم) في مضيق باب المندب.
تُعد جزيرة ميون في مضيق باب المندب المركز الأكثر استراتيجية ضمن هذه الحلقة. فالجزيرة، التي عُرفت تاريخيا بـ"بوابة الدموع"، تتحكم في أحد أهم الممرات العالمية لنقل النفط والبضائع.
منذ عام 2021، رُصد بناء قاعدة جوية فيها، حيث يمتد مدرج الطائرات اليوم لمسافة 1.85 كم، مع منشآت ضخمة يمكن أن تؤوي طائرات استطلاع ومسيرات متطورة.
دخلت الإمارات سقطرى عام 2015 بذريعة المساعدات الإنسانية عقب إعصار "تشابالا"، لكن وجودها سرعان ما تحول إلى سيطرة عبر المجلس الانتقالي، الذي بسط نفوذه على الأرخبيل في يونيو 2020.
اليوم، تحتضن جزر الأرخبيل – خاصة عبد الكوري وسمحة – قواعد جوية جديدة تسمح بمراقبة ممرات الملاحة من المحيط الهندي وحتى باب المندب.
تكشف صور الأقمار الصناعية عن تطوير إماراتي واسع في قاعدة بوصاصو الجوية، شمل بناء رادارات متطورة (فرنسية وإسرائيلية الصنع) قادرة على رصد آلاف الأهداف على مدى 400 كم.
كما تحولت بربرة إلى مركز إقليمي متكامل يضم ميناء عميقا ومدرجا بطول 4 كم يستقبل الطائرات الثقيلة، ما جعلها محطة رئيسية لربط القواعد المنتشرة بين اليمن والقرن الأفريقي.
لا يقتصر هدف هذه الشبكة على مواجهة الحوثيين أو إيران؛ إذ تؤكد تقارير دبلوماسية أن قاعدتي بوصاصو وبربرة تُستخدمان في دعم قوات الدعم السريع (RSF) في السودان، من خلال نقل السلاح والذخيرة على متن طائرات شحن عسكرية روسية الصنع (IL-76) وأمريكية (C-130).
يرى خبراء أن توسع أبوظبي جاء نتيجة هشاشة الدول المحيطة مثل اليمن والصومال والسودان وليبيا، ما أتاح للإمارات ممارسة نفوذ يتجاوز حجمها الحقيقي كدولة صغيرة ذات جيش محدود.
ويقول المحلل جلال حرشاوي إن الإمارات استغلت ثغرات الحكم في هذه الدول لتفرض نفوذا "يفوق بكثير وزنها العسكري والديموغرافي"، على غرار تجربة شركة الهند الشرقية البريطانية في آسيا.
رغم نفي الإمارات المتكرر أن تكون لها أهداف عسكرية في سقطرى أو السودان، فإن تقارير أممية وغربية أكدت دعمها لقوات الدعم السريع المتهمة بارتكاب جرائم حرب، كما وثقت توسعها العسكري في مناطق متعددة من القرن الأفريقي.
ويرى مراقبون أن هذا الحضور يعكس مشروعا هيمنيا واسع النطاق، قائما على المال والقوة العسكرية والدبلوماسية الناعمة، يمتد من موانئ أفريقيا إلى جزر اليمن ومضائق الملاحة الدولية.