تقارير

البدو الرُّحل في صحراء مأرب يصارعون الهوية والبقاء في وجه النزوح والتغيّرات

24/05/2025, 10:47:34
المصدر : خاص - محمد حفيظ

تغيَّرت ملامح الحياة البدوية شيئًا فشيئًا في قلب صحراء مأرب الواسعة شرق اليمن، فلم تعد قوافل التنقل تسير في هدوء كما اعتاد البدو الرّحل، ولم تعد خيامهم المنزوية على أطراف المراعي كما كانت لقرون.

فالمكان، الذي كان مفتوحًا للرعي والتنقل، بات اليوم مزدحمًا بخيام النازحين والشاحنات المسرعة، تتطاير خلفها الرِّمال وتحوّل الصحراء إلى طُرق متشعبة بديلة عن الطرق الرسمية التي قطعتها الحرب المستمرة منذ عقد، والتي أربكت حياة البدو الرُّحل ولوّثت أعشاب ومراعي مواشيهم.

أخرج مبخوت بن صالح، وهو رجل بدوي في عقده السابع، فوهة بندقيته من نافذة غرفة مبنية بالطوب بجوار خيمته المنصوبة في صحراء "أبو جنب"، وأطلق رصاصة في اتجاه منطقة بعيدة تمر فيها شاحنة تجر خلفها سحبًا من الرِّمل المتطاير، فاتحة طريقًا جديدًا وسط الصحراء.

دفعتها الرصاصة إلى تغيير مسارها نحو أقصى الشمال، عبر طريق رملي يتجاوز عرضه كيلومترًا واحدًا، تغطّيه آثار عجلات الشاحنات الثقيلة.

- منع اللحاق بالمطر

مسح صالح العرَق بكمّه عن جبينه، وقال: "كل سائق يبغى يفتح له طريق خاص، ما يمشوش في خط واحد، كل شاحنة تمشي في درب مختلف، وكل ما مشت، شقّت الأرض شق..."، مشيرًا إلى أنه "لا أحد يلتفت إلى تأثير هذه الشاحنات على حياة البدو الرُّحل".

وأضاف، لموقع "بلقيس": "زمان كنا نمشي وسط العشب كأننا نتنزه في جنة، خاصة في مثل هذه الأيام، لكن اليوم دفنتها الشاحنات، ما عاد لقينا لا علف للمواشي ولا مرعى للإبل".

تبدلت حياة مبخوت بعد أن تعذّر فتح الطريق الإسفلتي الرابط بين مأرب وصنعاء، إثر رفض جماعة الحوثي مبادرة محافظ مأرب الذي حاول فتحه من جهة المدينة قبل أكثر من عام، فلجأ المسافرون وشاحنات التجارة إلى طريق صحراوي بديل، مرّ عبر أراضي البدو، وحُوّل إلى مسار دائم للوصول إلى صنعاء.



يقول صالح، وهو يحتسي كوب الشاي صباحًا: "كنا ننتقل بحرية من الجوف إلى مأرب، نعرف الأرض ونتتبع المطر، لكن بعد ما تقطّعت الطرق الرسمية، دخلوا بخط جديد وسط المراعي".

وأضاف: "خرَّبت الشاحنات الطُّرق، والآن مواترنا (الشاحنات) ما تقدر تمر من التغريزات والرِّمال المتحركة اللي تغوص فيها السيارات الصغيرة".

- دفن العشب

لم يقتصر الضرر على دفن العشب، بل بدأت الجِمال تتعرّض للدهس من قِبل الشاحنات، كما أن المياه التي كانت تكفي لأيام باتت تنفد خلال ساعات بسبب كثافة النازحين.

يقول صالح إن الزحام لم يستثنِ حتى الصحراء: "كل شيء مزدحم، حتى الصحارى ما سلمت، والحوثي مغلِّق الطريق من سنين، لا فكها ولا راعى البدو ولا النازحين".

وأضاف: "الإبل والمواشي التي تعتمد عليها أسر البدو الرحل لم تعد تشبع، بعدما اختفى العشب الذي كان يكفيها تحت الرمال المتطايرة، أو رفضته الحيوانات بسبب التصاق الرمال بأغصانه".

ويعلق: "صرت أشتري لها علف من السوق، وسعره نار، وكل يوم يزيد".

- خيام الصحراء

وفق تقديرات رسمية، يشكل مجتمع البدو الرّحل نحو 35% من سكان مأرب، الذين يبلغ عددهم قرابة 800 ألف نسمة. ولطالما كانت صحراء مأرب بيئة طبيعية للبدو الذين عاشوا حياة متنقلة تعتمد على الإبل والماشية، حافظوا من خلالها على تقاليدهم، متنقلين بحثًا عن المراعي والماء.

لكن السنوات الأخيرة جلبت تحديات غير مألوفة: تغيّر المناخ، شحّ الأمطار، تحوّل مسارات النزوح، والطرق التجارية الجديدة التي تمر عبر 'الرويك' و'أبو جنب'، جميعها عوامل قلبت موازين حياة البدو الرحل التقليدية.



يقول صالح: "حتى الأماكن، التي اعتاد البدو الرُّحل النزول فيها، وإقامة خيامهم ورعي مواشيهم، باتت اليوم ممتلئة بمخيمات النازحين".

وأضاف: "ما عاد في مكان فاضي، الحرب أثرت على الكل، ما فرَّقت بين نازح ولا راعي، الكل تضرر، واليوم الصبر على الألم والغبار والجوع هو كل ما تبقى".

- تحولات ديموغرافية

من جانبه، يقول عبدالله الحمدي، الذي عمل مدرسًا في مدرسة البدو الرّحل بصحراء الرويك، إن موجات النزوح الجماعي التي شهدتها الصحراء، خلال سنوات الحرب الأخيرة، أحدثت تحوّلات ديموغرافية عميقة.

وأضاف لـموقع "بلقيس": "آلاف الأسر نزحت من الجوف وأطراف مأرب والمناطق الشمالية والشرقية، واستقرت في مناطق صحراوية كانت مخصصة للرعي والتنقل الموسمي للبدو ومربّي النحل".

وتابع: "لكن التغيرات لم تكن مؤقتة، كما اعتقد الكثيرون، بل اتخذت طابعًا شبه دائم، مع إقامة مخيمات وتجمعات سكنية في مناطق لم تكن مأهولة من قبل".

- تآكل هوية البدو

وأوضح أن البدو الرّحل، الذين لم يعتادوا يومًا إطعام مواشيهم إلا بما تنبته الأرض، باتوا اليوم يقتطعون من قوتهم لشراء علف باهظ الثمن، وسط أزمة اقتصادية خانقة وغلاء معيشي.

الكثير من الأسر لم تعد قادرة على توفير الغذاء الكافي لحيواناتها، مما انعكس ليس فقط على دخلها، بل على نمط حياتها بأكمله.

يقول الحمدي: "الحرب لم تترك أحدًا دون أن تغيّر حياته، النازح فقد منزله وأمنه، والبدوي فقد أرضه ونمط عيشه".

وأضاف: "ما يحدث في الصحراء اليوم هو تآكل لهوية عمرها مئات السنين، في ظل غياب تام لأي خطة لحماية هذا النمط الإنساني من الاندثار".

وبحسب دراسة ميدانية لمنظمة "مساءلة لحقوق الإنسان"، بعنوان "صحراء الموت"، فإن محافظة مأرب كانت تضم ستة طرق رئيسية باتجاه صنعاء، أُغلق معظمها بفعل الحرب، ما اضطر السكان إلى استخدام طرق صحراوية بديلة، من أبرزها الطريق الممتد عبر 'الرويك' (صحراء رملية مفتوحة تحوّلت إلى شريان اضطراري للنّقل التجاري والمدني رغم خطورتها).

تقارير

السلطة الشرعية.. من موقع القيادة إلى هامش المشهد

لم تعد مظاهر التراجع في أداء السلطة اليمنية الشرعية خفية أو قابلة للتجاهل، بل أصبحت تتجلى حتى في تفاصيل رمزية تعكس عمق أزمتها، كما حدث في الذكرى الـ35 للوحدة اليمنية، التي مرت بصمت رسمي مريب، دون احتفال أو حتى إجازة، في مؤشر صارخ على تفكك الهوية الجامعة، وانفصال السلطة عن رموز الدولة ومعناها.

تقارير

سببت انتكاسة للمزارعين.. عائدات محاصيل المانجو لا تغطي نفقات الإنتاج

يتحسر المزارع الستيني عبدالله الغُزي على مبيعات مزرعة المانجو التي يمتلكها في محافظة حجة شمال غرب اليمن، ولم تغطِ عائداتها تكاليف العمل والمصروفات التي أنفقها على المبيدات الحشرية، والسماد، ومياه الري.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.