تقارير
البُن اليمني.. بين مُزارع مخدوع ومُحتكر جشِع
يشتهر البُن اليمني بجودته العالية، ومذاقه الفريد والمتميّز، ما جعله يتصدّر قوائم الدِّول المنتجة والمصدِّرة للبُن من حيث نكهته الآخذة لألباب عشاق ومتذوقي القهوة في جميع أنحاء العالم، رغم المعوِّقات التي تواجه البُن ومزارعيه على حدٍ سواء.
تكشف "بلقيس"، من خلال هذا التقرير، تفاصيل غابت أو استطاع نافذون وتجار -يُعدُون بالأصابع- تغييبها عن مُزارعي البُن، الذين يعتبِرون زراعته تاريخاً وهويةً وطنيةً يجب الحفاظ عليها، رغم إمكانياتهم المحدودة، وحصولهم على مبالغ بالكاد تكفي لنفقة مَزارعهم.
ويعتقد الحاج صالح الحرازي -أحد مُزارعي البُن في صنعاء- أن سبب انخفاظ سعر البُن ناتج عن عدم جودة المحصول، وغياب التسويق للبُن اليمني في الأسواق العالمية، كما يخبرهم تجار محليون يشترون منتجاتهم.
ويقول الحرازي: "ورثنا زراعة البُن عن أجدادنا، ومنذ عرفنا أنفسنا وسعر البُن منخفِض، مقارنة بسعر الأسمدة، وغيرها من المواد الغذائية، وفي كل موسم تتكرر الأعذار نفسها، بعدم جودة المحصول، وغياب التسويق".
ووفقاً لأحد العاملين في مستودع لتحميص البُن، فإن السبب الرئيسي في انخفاض سعر البُن هو غياب الأمانة من قِبل التجّار (غش)، وإضافة كميات من بُن تم استيراده من الخارج أقلّ جودة يؤدي إلى تشويه سُمعة البُن اليمني ومذاقه المتميّز.
وتكتظ مخازن الجمارك اليمنية بكميات تصل إلى 500 طن تقريباتقريباً من البُن المستورد (أقلّ جودة)، فيما يفلت التجار المستوردون تلك الكميات من العِقاب، سواء في الشمال (مناطق تسيطر عليها جماعة الحوثي)، أو مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
احتكار
يُعتبر البُن من أهمّ السلع التجارية عالمياً بعد النفط، حيث تقدر صناعة القهوة ب80 مليار دولار في العام، ما يجعل البُن اليمني محل نظر الطامعين، وأصحاب النفوذ على حساب مزارع البُن والأيادي العاملة فيه.
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، تقلَّصت مساحة زراعة البُن اليمني من 33,959 هكتاراً إلى 33,544 هكتاراً، خلال عامين، بفارق مقداره 415 هكتاراً من الأراضي الزراعية.
وتتفاوت أسعار وعمليات البيع والشراء للبُن في مناطق زراعته، ك: 'حراز' و'بني حماد' و'ريمة' و'يافع' و'برع' و'الحيمة'، غير أن أعلى سعر يمكن أن يحصل عليه المُزارع، في حال تمتع إنتاجه بالمواصفات العالمية، لا يزيد عن 20 %، مقارنة بغيره من البُن "أقل جودة " في مناطق أخرى من اليمن.
وتشير إحصائيات رسمية إلى أن ما يقارب المليون شخص يعملون في مجال البُن، فيما تبلغ صادرات اليمن حوالي 20 طناً سنوياً.
وتتم عمليات بيع البُن عن طريق صغار التّجار المحليين، ثم إلى وكلاء في مُدن قريبة من زراعته، قبل نقله إلى تجّار يتمتعون بنفوذ داخل المحافظات اليمنية وخارجها.
ويرى مصطفى نصر -رئيس مركز "الدراسات والإعلام الإقتصادي"- أن هناك إشكالية في معظم المحاصيل النّقدية في اليمن، حيث لا توجد آلية واضحة لعملية الإنتاج والتسويق، وضبط المنتج، ابتداءً من المُزارع والتاجر وصولاً إلى المصدِّر والمستورِد.
وأضاف نصر أن "غياب تلك الآلية، وعمل البعض بمزاجية، أساء لسمعة المحاصيل النّقدية بشكل عام، والبُن خاصة"، مؤكداً -في الوقت نفسه- على ضرورة فتح المنافذ للانتقال إلى دول العالم.
احمد الحمادي (اسم مستعار)، حفيد تاجر البُن المعروف في المديرية، يروي ما تعرّض له من حرب تجارية، كبّدته خسائر قُدرت ب 3 ملايين ريال (3 آلاف دولار)، نتيجة تجاوزه شروط وقواعد مفروضة من قِبل "هوامير" التّجار منذ القِدم، حسب قوله.
يقول أحمد: "يبيع أبي وجدي لوكلاء في المحافظة، ونتيجة لتزايد الاهتمام بالبُن، في السنوات الثلاث الأخيرة، قررت تجاوز الوكلاء، ونقل أطنان من البُن ذي الجودة العالية إلى كبار التجار، حصلت على إثره فارق بسيط من الرِّبح".
وأضاف الحمادي: "نتيجة للطلب والرِّبح، قررت شراء كميات كبيرة من البُن، ونقلها، لكنّي فوجِئت بتغيّر الحال من قِبل التجار المحتكرين، حيث تم رفض بضاعتي أولاً، وبعد مرور أيام قام أحدهم بشرائها بسعر يساوي ما يقدّمه وكلاؤهم في المحافظة، وعدم تسديد الفلوس، كما كان في السابق، الأمر الذي فاقم خسارتي أضعاف ما كُنت سأربحه لو تمّت الصفقة في المحافظة".
جمعيات
منذ دخول البلاد في صراعات سياسية وحروب مطلع 2014م، تفاقم الوضع الإنساني، ما إدى إلى ضرورة التدخل الدولي في مجالات عدة، منها الجانب الزراعي الذي لم ينجو من الفساد.
ويبلغ عدد الجمعيات والموسسات المهتمّة بالبُن اليمني 50 جمعية، إلا أن العاملة والنشطة لا يزيد عددها عن 20 جمعية وموسسة، معظمها في مناطق سيطرة الحوثي (شمال اليمن)، وفقاً لإحصائيات رسمية.
ومنذ مطلع 2011م، عمل تجار ونافذون في الدولة على تأسيس جمعيات ومؤسسات بهدف استيراد مواد زراعية، ومبيدات، وتصدير البُن اليمني من جهة والحصول على دعم المنظمات الدولية المهتمة بزراعة البُن من جهة أخرى حسب مصدر مسؤول.
ووفقاً للمصدر (تتحفّظ "بلقيس" عن اسمه)، أغلب الجمعيات والمؤسسات العاملة في مجال البُن في المناطق الشمالية تتبع تجارا كبارا بعدد "الأصابع"، هدفها السيطرة واحتكار سوق البُن، وتصديره تحت مُسميات عدّة، وبأسعار باهظة.
ورغم تأسيس جمعيات ومؤسسات مختصة بهدف دعم المزارع والوصول إلى أعلى مستوًى للجودة، إلا أنها محدودة.