تقارير

التصعيد الإقليمي والأزمة اليمنية .. بين حافة الهاوية وأفق السلام (تحليل)

10/11/2024, 09:37:42
المصدر : قناة بلقيس - عبد السلام قائد - خاص

يترقب اليمنيون ما سيفضي إليه التصعيد العسكري بين إسرائيل من جهة وإيران والجماعات المسلحة الموالية لها من جهة أخرى، وما إذا كانت نتائج ذلك التصعيد ستخفف من حدة التوتر محليا وصولا إلى حل سلمي للأزمة اليمنية أو الانزلاق إلى حرب أهلية شاملة، خصوصا أن اليمن يتأثر بمختلف أزمات الإقليم، ويزيد من عمق المأساة أن الوضع فيه أشبه بالمتاهة، جراء تعدد أطراف الصراع محليا وتباين مشاريعها، وكثرة الأطراف الخارجية التي حولت البلاد إلى ساحة للنفوذ وتصفية الحسابات.

بالنسبة لإيران والمليشيات الطائفية الموالية لها، فقد ظلت طوال السنوات الماضية توظف القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب داخلية وأخرى لتعزيز نفوذ إيران في الإقليم، لكن العدوان الصهيوني على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، ثم حرب إسرائيل مؤخرا ضد حزب الله اللبناني واغتيال أبرز القيادات السياسية والعسكرية للحزب، كل ذلك لم يكشف فقط زيف إسناد المحور الإيراني لفلسطين، بل كشف أيضا هشاشة الروابط بين مكونات المحور الإيراني نفسها في اللحظات الحرجة، وتجلى ذلك عندما تخلت إيران عن حزب الله في أصعب اللحظات منذ تأسيسه، عندما وجهت له إسرائيل ضربات متتالية سيظل الحزب يعاني من تبعاتها مدة زمنية طويلة.

هذا التطور السريع والخطير في الأحداث سيؤثر على طبيعة الصراعات الأهلية التي يخوضها المحور الإيراني في عدد من بلدان المشرق العربي وخصوصا في اليمن، وسيؤثر أيضا على التحالف بين مكونات المحور الإيراني والثقة فيما بينها، وسيتوقف الأمر على النتائج التي سيفضي إليها الصراع الحالي، سواء انتهى بهزيمة إسرائيل أو بهزيمة المحور الإيراني أو توصُّل الطرفين إلى اتفاق لوقف التصعيد، أو إذا بادرت إسرائيل إلى وقف عملياتها في جنوب لبنان لمنح حزب الله فرصة لمراجعة حساباته ووقف هجماته على الاحتلال الإسرائيلي بذريعة إسناد قطاع غزة، فكل سيناريو له كلفته ونتائجه الكارثية، وكل سيناريو له أرباح هنا وخسائر هناك، وما يهمنا هو كيف ستنعكس تلك التطورات على الوضع الداخلي في اليمن، وهذا يقتضي أيضا قراءة سير الأحداث في الإقليم وكيف قد ينتقل اليمن من الهامش إلى قلب التصعيد.

- إيران والحوثيون.. السلاح مقابل التضحيات

بالرغم من الوضع الهامشي للحوثيين في المحور الإيراني، لكن تهورهم المتمثل في شن هجمات على السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بإسرائيل في جنوبي البحر الأحمر، أسهم في ارتفاع مكانتهم لدى لإيران، التي بدا لها أن هناك حليفا متهورا سيشكل رقما مهما في نزاعها مع إسرائيل إقليميا ومع الدول الغربية الكبرى بشأن برنامجها النووي، بعد أن كان ذلك الحليف مجرد ورقة ضغط أو خنجر إيراني في الخاصرة الجنوبية للسعودية.

ويبدو أن إيران كثفت من إمداد مليشيا الحوثيين بالأسلحة خلال الأشهر القليلة الماضية لتكون ضمن وكلائها الأقوياء في المنطقة، بدليل أنه ظهرت لدى الحوثيين أسلحة لم يسبق أن استخدموها في جبهات الداخل أو عندما كانوا يشنون هجمات على الأراضي السعودية قبل ما يبدو أنها مصالحة سعودية حوثية غير معلنة.

ومن جانبهم، رأى الحوثيون أن هجماتهم المتفرقة على السفن التجارية في البحر الأحمر ستمنحهم شعبية كبيرة في الداخل وذرائع جديدة لمزيد من النهب والإتاوات وجني الأموال ومراكمة القوة العسكرية وحشد ما أمكن من المقاتلين بذريعة إسناد قطاع غزة، وذلك بهدف تقوية جبهتهم الداخلية تحت مظلة نصرة القضية الفلسطينية، بدليل أن الحشود العسكرية والمجندين الجدد بذريعة مواجهة إسرائيل تم توزيعهم في جبهات الداخل وحفر خنادق وبناء متارس استعدادا لمعارك ستشعلها المليشيا مستقبلا، مع التغطية الإعلامية المكثفة لما يسمى معركة إسناد قطاع غزة، بالرغم من أن إسرائيل لم تتضرر من هجمات الحوثيين، ومعظم الهجمات على السفن كانت هجمات تحذيرية، والسفن المتضررة من الهجمات عددها محدود.

هذا التصعيد المنضبط من جانب الحوثيين وكل مكونات المحور الإيراني، يُراد منه تحقيق هدفين رئيسيين: الهدف الأول، توجيه رسائل من إيران إلى أمريكا وإسرائيل بأنها في حال تعرضت لهجوم فإن لديها وكلاء جاهزون ومستعدون للدفاع عنها والتصعيد في جبهات مختلفة تحت شعار "وحدة الساحات". 

والهدف الثاني، توظيف مزاعم إسناد قطاع غزة ضد العدوان الصهيوني لتحقيق مكاسب محلية ستفضي في نهاية المطاف لتعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة، بينما اكتفت إيران بدور "المتفرج" دون أي تحرك عسكري فعلي، سواء لمساندة المقاومة الفلسطينية، أو حتى مساندة حليفها المخلص حزب الله اللبناني بعد أن تعرض لهجمات إسرائيلية مؤلمة قضت على أبرز قيادات الصف الأول والثاني في الحزب، وتبين أن إيران تتعامل مع المليشيات الطائفية الموالية لها بمنطق أن أي نصر تحرزه تلك المليشيات فهو نصر لإيران، وأي هزيمة تتكبدها تلك المليشيات فهي هزيمة لها وحدها بمعزل عن إيران.

عموما كان مسار الأحداث قبل الهجوم الإسرائيلي الكبير على حزب الله اللبناني يشير إلى أن إيران ومليشياتها ستكون الرابح الأكبر بعد انتهاء العدوان الصهيوني على قطاع غزة، كون مشاركتها المحدودة والمنضبطة في المعركة ستمنحها مكاسب سياسية وعسكرية مجانية وبلا خسائر تُذكر، وتوظيف ذلك محليا، والمزايدة على الخصوم السياسيين بشأن المواقف العملية من القضية الفلسطينية. 

وفي الحالة اليمنية، فإن مليشيا الحوثيين كانت ستعود لإشعال معارك واسعة في الداخل، بعد أن حشدت مزيدا من المقاتلين وراكمت المزيد من الأسلحة المهربة من إيران، وستتخذ من مزاعم مواجهة أمريكا وإسرائيل وسيلة لرفع معنويات مقاتليها، وإيهامهم بأن المعارك المقبلة في جبهات الداخل ستكون مجرد نزهة بعد المواجهات (المزعومة) مع القوى الكبرى.

لكن بعد التطورات الأخيرة، والتي بدأت بتوجيه إسرائيل ضربات مركزة على حزب الله اللبناني، الحليف القوي لإيران في المنطقة، بدا أن السحر سينقلب على الساحر، ففي حين كانت إيران والمليشيات التابعة لها تعتقد أن المشاركة المحدودة وغير المكلفة بذريعة إسناد قطاع غزة ستمنع أمريكا وإسرائيل من توجيه ضربات مؤلمة للمحور الإيراني، وبنفس الوقت ستعود تلك المشاركة بمكاسب سياسية كبيرة لإيران وحلفائها في السياقات المحلية، وإذا بإسرائيل تربك إيران وحلفائها باغتيالات وهجمات وحشية وغير مسبوقة على حزب الله اللبناني، والتوعد بأن الحوثيين سيكونون الهدف التالي بعد الحزب.

يأتي ذلك وسط تحشيدات عسكرية أمريكية متواصلة إلى المنطقة منذ بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة بذريعة حماية إسرائيل، وهي التحشيدات التي تعتقد إيران أنها ستكون موجهة ضدها في حال شنت هجمات على إسرائيل وتسببت بأضرار كبيرة، ولذا ظهرت إيران جبانة وغير مستعدة لمواجهة إسرائيل دفاعا عن حليفها حزب الله اللبناني، وبذلك تكون إسرائيل قد نجحت نسبيا في عزل مكونات المحور الإيراني عن بعضها، أو على الأقل أفقدتها الثقة فيما بينها.

وإذا كانت إسرائيل بالفعل ستعمل على تفكيك المحور الإيراني من خلال الاستفراد بمكوناته، وعزل إيران عن المليشيات الطائفية الموالية لها، كونها، أي إسرائيل، غير قادرة على إدارة عدة معارك في وقت واحد، فإن إيران ما زالت تفضل عدم المواجهة المباشرة مع إسرائيل، والاكتفاء بالرد العسكري غير المؤثر من حين لآخر بعد تردد، وتحرص على الدفع بوكلائها الإقليميين لخوض المعارك بالنيابة عنها، لكن هؤلاء الوكلاء اتضح لهم أن إيران تريد منهم التضحيات من أجلها هي فقط، مقابل تلقيهم الدعم منها، بينما هي غير مستعدة للدفاع عن حلفائها في حال تعرضهم لحرب وجودية، وهذا بالتأكيد سيقلص الثقة بين إيران وحلفائها، خصوصا فيما يتعلق بالمواجهات المباشرة مع إسرائيل.

- الصراع بين التراجع الإيراني والتوحش الإسرائيلي

يبدو الصراع بين المحور الإيراني وإسرائيل حاليا على النحو التالي: إيران لا تريد خوض حرب مباشرة مع إسرائيل وأمريكا، حتى وإن تم القضاء على حلفائها أو إضعافهم الواحد تلو الآخر. ولتجنب الانزلاق إلى حرب شاملة، فإن إيران وجهت حلفاءها بالتصعيد المنضبط منذ بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة، فهي تريد استهلاك الوقت حتى يقف برنامجها النووي على قدميه وتتمكن من صناعة قنابل نووية، حينها ستكون قد ضمنت لنفسها توازن الردع مع إسرائيل وأمريكا، وأمّنت لنفسها نفوذا كبيرا في المنطقة، دون الحاجة لوكلاء إقليميين.

أما إسرائيل، فهي تريد جر إيران إلى الحرب الشاملة، ثم جر أمريكا أيضا إلى الحرب، وتدمير البرنامج النووي الإيراني، وهو حلم إسرائيلي منذ سنوات. وإذا دمرت أمريكا البرنامج النووي الإيراني، فإن إسرائيل ستتنفس الصعداء، وستحقق حلمها بأن تكون شرطي المنطقة، لكن معضلتها أنها لم تتمكن من الخروج من مستنقع غزة، ولن تنتصر في جنوب لبنان سريعا، وقد تنسحب من جنوب لبنان مؤقتا للتفرغ لقطاع غزة، ولن تستطيع حاليا توجيه ضربات مؤثرة وحاسمة ضد الحوثيين والفصائل العراقية وإيران إلا بتدخل أمريكا عسكريا ومخابراتيا، بسبب البعد الجغرافي، وعدم تغلغل مخابرات إسرائيل في الساحات البعيدة، والتي لأمريكا تغلغل مخابراتي واضح فيها يمكن توظيفه لمصلحة إسرائيل.

وبما أن أمريكا لها حساباتها الخاصة بشأن المحور الإيراني، والتي تختلف نوعا ما عن الحسابات الإسرائيلية، فإن الخيار الوحيد أمام إسرائيل هو الاستمرار في الحرب حتى تحقق أهدافها، فما حدث في 7 أكتوبر 2023 أصاب قيادات إسرائيل بالجنون، وقد تتراجع إسرائيل في جبهة ما لتتفرغ لجبهة أخرى، وستكون أمريكا مضطرة لتزويدها بالسلاح والاستمرار في الدفع بتعزيزات عسكرية إلى المنطقة لحمايتها من أي تهديدات خطيرة، وستكون المنطقة والعالم على موعد مع نوع جديد من الحروب الطويلة وغير المألوفة والتي قد تستمر لسنوات عديدة أو مدى زمني مفتوح.

أما المليشيات الطائفية الموالية لإيران، فمن المؤكد أن ثقتها بإيران ستهتز بسبب تخاذلها وجبنها في الدفاع عن حزب الله اللبناني، كما أن تحالفها مع إيران وتسلقها على القضية الفلسطينية كان الهدف منه -بدرجة رئيسية- تحقيق مكاسب محلية والهيمنة في نطاق بلدانها وليس خوض حروب وجودية تضعفها كثيرا، لأن خوض مواجهات أو معارك شاملة وحاسمة من هذا القبيل ستكون نتيجتها إضعافها عسكريا أمام خصومها المحليين، مما سيؤثر على مشاريعها الداخلية في الهيمنة والسيطرة على الحكم، وتخشى أن يستغل خصومها لحظات ضعفها للانقضاض عليها عسكريا وإخراجها من المعادلات السياسية والعسكرية.

ويؤكد ذلك أن المليشيات الطائفية الموالية لإيران ما زالت هجماتها على إسرائيل محدودة ومنضبطة حتى في ذروة الحرب الإسرائيلية ضدها بداية بحزب الله اللبناني والتوعد بأن الحوثيين سيكونون الهدف التالي بعد القضاء على الحزب، ويعني ذلك أن مكونات المحور الإيراني تريد الاحتفاظ بترسانتها من الأسلحة لمعاركها المحلية وعدم استنزافها في مواجهات غير مجدية مع إسرائيل، وبالتالي فهي مستعدة لتلقي الضربات المؤلمة من إسرائيل دون المغامرة في ردود عنيفة وواسعة قد تُواجَه بردود أشد عنفا تضعفها في جبهاتها المحلية، حتى وإن تعرضت مخازن أسلحتها ومعسكراتها لدمار شبه شامل، وحينها ستكتشف أن ترسانتها من الأسلحة لم تستفد منها في مواجهتها مع إسرائيل، ولم تترك لها إسرائيل فرصة لتستفيد منها في صراعاتها المحلية.

- الحوثيون وثمن المغامرة لأجل إيران

ومهما كان للتصعيد الإقليمي تأثيرات على المحور الإيراني سلبا أو إيجابا، فالصراع في اليمن يظل له خصوصيته المحلية المتمثلة في البعد التاريخي الطويل للصراع وتجارب اليمنيين المؤلمة مع الحكم الإمامي السلالي العنصري الذي يحاول الحوثيون إحياءه من جديد، والمنطق الوحيد الذي يعرفه الحوثيون هو منطق السلاح والقوة، كما أن نظريتهم في الحكم القائمة على السلالية العنصرية تنعدم معها أي فرص للتقارب مع مختلف المكونات اليمنية، نظرا لصعوبة وجود صيغة للحكم تمزج بين النظام الجمهوري والنظام الإمامي السلالي العنصري المنغلق على نفسه.

وقد تقبل مليشيا الحوثيين بالسلام في اليمن في حال تعرضت لهجمات عنيفة من أطراف خارجية بالتعاون مع السلطة اليمنية الشرعية المعترف بها دوليا، لكن القبول بالسلام في هذه الحالة لا يعكس قناعة تامة بإنهاء الحرب والقبول بتسوية سياسية شاملة ومستدامة، بل سيكون ذلك مجرد تكتيك مرحلي للحفاظ على كيان سياسي للمليشيا سيتحول مع الأيام إلى مليشيا عنيفة لا تؤمن إلا بالسلاح، وستعود الأوضاع في البلاد إلى مربع الصفر.

من الواضح الآن أن هجمات مليشيا الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر محدودة وتحذيرية وغير مؤثرة إلا في حالات نادرة، كما أن هجماتها المحدودة على الاحتلال الإسرائيلي محدودة وبلا جدوى، وكل هذه الأمور لا توفر مبررات لا لأمريكا ولا لإسرائيل لإعلان حرب شاملة على الحوثيين، ولعل هذا ما يريده الحوثيون، أي هجمات محدودة بلا تأثير لكن يتم توظيفها بشكل كبير في السياق المحلي.

وكذلك فإن الهجمات الأمريكية والإسرائيلية على مواقع مفترضة للحوثيين غير مؤثرة وتعد مجرد هجمات تحذيرية للمليشيا بألا تتجاوز الخطوط الحمراء، ومن المؤكد أن الهجمات الحوثية إذا كانت أضرارها كبيرة فلن تقف أمريكا وإسرائيل وغيرهما موقف المتفرج أو شن هجمات تحذيرية في مواقع فارغة، ولكان قد تم التنكيل بالحوثيين وإجبارهم على وقف هجماتهم في البحر الأحمر تماما.

أما الولايات المتحدة، وبالرغم من هجمات الحوثيين وعرقلتهم الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب، والتي تشكل تعديا على العقيدة العسكرية الأمريكية بشأن المضائق والبحار، إلا أن رد أمريكا لا يزال في إطار التدابير الحذرة، ولم تتخذ تدابير أكثر فاعلية لردع الحوثيين، مثل دعم الحكومة اليمنية الشرعية عسكريا للقضاء على الانقلاب الحوثي، أو شن حملة عسكرية شاملة وطويلة الأمد برا وجوا على الحوثيين، لأن عملية من هذا النوع ستلقى رفضا من السعودية والإمارات، خشية من تأثيرها على التوازنات القائمة في اليمن، خصوصا أن الهندسة التي يُراد ترسيخها في البلاد لم تكتمل بعد، وبالتالي فإن القضاء على الحوثيين سيفسد على السعودية والإمارات طبختهما في اليمن، وحتى أمريكا ذاتها يبدو أنها غير راغبة بالقضاء على الحوثيين، لأسباب يطول ذكرها، إلا في حال شكلوا تهديدا حقيقيا لمصالحها في المنطقة.

ومهما يكن، فلا شك أن التطورات الإقليمية سيكون لها تأثير كبير على الأزمة اليمنية، وذلك وفقا للسيناريوهات المتوقعة، فمثلا إذا تم وقف الحرب وانسحبت إسرائيل من قطاع غزة وجنوب لبنان، فإن المحور الإيراني سيعلن انتصاره على إسرائيل، حتى وإن كان وقف الحرب نتاج مصالحة بين الطرفين برعاية طرف ثالث ورأى الجميع فيها مخرجا مشرفا لهم من الاستمرار في حرب لن تحقق أهدافا سياسية لأي طرف.

وفي هذه الحالة، فإن مكونات المحور الإيراني ستعود إلى جبهاتها الداخلية منتشية بمزاعم انتصارها على إسرائيل، وهو ما سيحصل في الحالة اليمنية، حيث ستشعل مليشيا الحوثيين حربا شاملة في البلاد وسط تجييش لمقاتليها بخوض معركة ضد من ستصفهم بعملاء إسرائيل كما هي عادتها منذ بداية الحرب عام 2015، غير أن التجييش هذه المرة سيكون تحت وهْم أن الحوثيين قد اكتسبوا شرعية في الداخل بعد المشاركة المزعومة في الدفاع عن القضية الفلسطينية.

لكن في حال أن إسرائيل تمكنت من تفكيك المحور الإيراني وعزل مكوناته عن بعضها والاستفراد بها الواحد تلو الآخر، فإن ذلك سيضعف حلفاء إيران أمام خصومهم في الداخل، خصوصا مليشيا الحوثيين، فهي بعيدة عن إيران جغرافيا، وستكون مهمة إعادة تزويدها بالسلاح من إيران بطيئة ومحفوفة بالمخاطر، هذا في حال افترضنا أنها غامرت بتصعيد عملياتها في البحر الأحمر، أو هاجمت الاحتلال الإسرائيلي بالصواريخ والطائرات المسيرة بكثافة، لكن المليشيا الحوثية لن تغامر مثل هكذا مغامرة إلا إذا ضغطت عليها إيران وهددتها بوقف إمدادها بالمال والسلاح والخبراء العسكريين، وفي كل الأحوال سيدفع الحوثيون في نهاية المطاف وحدهم ثمن مغامراتهم، وستتخلى عنهم إيران في اللحظات الحرجة كما تخلت عن حليفها حزب الله اللبناني من قبل.

- ما مستقبل الصراع؟

لا شك أن مستقبل الصراع في اليمن سيتأثر إلى حد ما بالتصعيد الإقليمي بين إسرائيل والمحور الإيراني، فإذا افترضنا أن إسرائيل تمكنت من إضعاف حزب الله وإخراجه من المعادلة السياسية والعسكرية في لبنان، فإن إيران لا خيار أمامها سوى التصعيد في الساحة اليمنية عبر الحوثيين وفي الساحة العراقية عبر المليشيات الطائفية الموالية لها هناك، وهنا ستكون كل الخيارات صعبة، فإما أن تستجيب هذه المليشيات لمطالب إيران، والاستعداد لتكبد المخاطر الجسيمة في مواجهة إسرائيل وحلفائها، أو رفض مطالب إيران بالتصعيد، وهو ما قد يؤدي إلى فقدان الثقة وتفكك المحور الإيراني والجفاء بين مكوناته، وستكون إسرائيل قد نجحت في عزل مكونات المحور الإيراني عن بعضها.

وإذا تحقق هذا السيناريو، سيتضرر المشروع الإيراني كثيرا، وسيفتقد الحوثيون للدعم الإيراني الذي يمثل الرئة التي يتنفسون منها، وسيعانون من عزلة إستراتيجية، تجعلهم في مأزق كبير محليا وإقليميا، وسيتحملون وحدهم عواقب انصياعهم لإيران والمغامرة بخدمتها، وعدم الاستفادة من درس تخليها عن حليفها حزب الله اللبناني في أصعب الظروف. 

لكن مهما كان تأثير التصعيد الإقليمي على الوضع اليمن، ومهما كانت خصوصية الوضع في اليمن تجعل من العامل الخارجي ليس عاملا حاسما في مصير البلاد، ستظل الحرب هي الخيار الوحيد لإحلال السلام في اليمن، سواء كانت حربا من الخارج ضد الحوثيين تضعفهم في الجبهة الداخلية، أو حربا ضدهم من الداخل في حال توحدت القوى الوطنية لاستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي وإنهاء النفوذ الإيراني في اليمن.

تقارير

هل قرر المجتمع الدولي إنهاء مرحلة حكم المليشيات التي فرضتها إيران في المنطقة؟

انقضى العام الأخير من العقد الذي شهد اليمن فيه واحدة من أكثر المراحل التاريخية انحطاطا ودونية، عقد افتقد فيه اليمنيون دولتهم وهيبتها ومؤسساتها، ووقعوا ضحية لمليشيا مسلحة استولت على السلطة، وفرضت واقعا مريرا على مختلف مناطق البلاد.

تقارير

هل غادر الملف اليمني مربع التسوية السياسية نحو التصعيد العسكري؟

وجَّه سفير الكيان الصهيوني لدى الأمم المتحدة ما وصفه بالتحذير الأخير للحوثيين لوقف هجماتهم الصاروخية تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث قال داني دانون، في تصريحات صحفية، إن الحوثيين يغامرون بمواجهة المصير التعيس نفسه الذي تعرضت له حماس وحزب الله اللبناني، حد قوله.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.