تقارير
هل قرر المجتمع الدولي إنهاء مرحلة حكم المليشيات التي فرضتها إيران في المنطقة؟
انقضى العام الأخير من العقد الذي شهد اليمن فيه واحدة من أكثر المراحل التاريخية انحطاطا ودونية، عقد افتقد فيه اليمنيون دولتهم وهيبتها ومؤسساتها، ووقعوا ضحية لمليشيا مسلحة استولت على السلطة، وفرضت واقعا مريرا على مختلف مناطق البلاد.
لم يكن فقدان القرار اليمني مجرد خسارة سياسية فحسب، بل كان بداية لزمن استبيحت فيه السيادة، وتحوّلت البلاد إلى مسرح للصراعات الدولية والإقليمية.
واليوم، مع اضطراب المجتمع الدولي من اتخاذ مواقف أكثر وضوحا تجاه الأزمة اليمنية، تبدو بشائر التغيير أقرب من أي وقت مضى، حيث بدأت القوى الكبرى في مراجعة سياساتها التي كانت توفِّر غطاءً غير قانوني للمليشيا الحوثية.
- تغييرات حاسمة
يقول المحلل السياسي ياسين التميمي: "اليمن موعود بتغييرات يبدو أنها حاسمة، أخطر ما فيها أنها يمكن أن تحدث تغييرا حقيقيا في مقاربة المؤثرين الدوليين والإقليميين للأزمة اليمنية، التي شهدت حالة من الانتهازية المقيتة، والتواطؤ والاستهتار والاستخفاف بخطورة ما يدور على الساحة اليمنية".
وأضاف: "الشعب اليمني كان فخورا بإنجاز عملية انتقال ديمقراطي في البلد، وكان هذا يتم على الأقل بمباركة المجتمع الدولي، الذي أظهر أيضا ما يكفي من الاحترام لهذه العملية".
وتابع: "ورأينا كيف أن مجلس الأمن لأول مرة يعقد اجتماعا خارج مقره الرئيسي في نيويورك، وكان ذلك دعما دوليا مهما، لكن فيما بعد حدث تحول في المزاج الدولي والإقليمي، أدى إلى أن تتحول المباركة الدولية إلى مؤامرة، أفضت إلى أن يصل الحوثيون إلى صنعاء بسهولة، ويحدث الانقلاب الذي أدخل اليمن في جحيم".
وأوضح: "استغرق الأمر سنوات طويلة، ودفع اليمنيون كلفة عالية جدا؛ نتيجة هذه المقاربات الدولية، التي يمكن وصفها بأنها مقاربات لئيمة".
وزاد: "واليوم تتغيّر الأمور إلى حد كبير تقريبا: الصلاحيات أو الامتيازات، التي مُنحت للحوثيين طيلة فترة الحرب، وحرص المجتمع الدولي على إبقاء المقاربة السياسية بامتياز، وعلى الأقل دخوله حتى في حالة مصادمة غير معلنة مع التحالف العربي".
وأردف: "التحالف العربي له أجنداته، وهي أجندة ليست إيجابية في مجملها، لكنه على الأقل اصطدم بإرادة غربية حقيقية لإيقاف الحرب، ولمنع تغيير الوقائع على الساحة اليمنية عبر الحرب، وكان هدف الغرب تمكين جماعة الحوثي، باعتبارها أقلية ثقافية".
وزاد: "كان هذا الأمر يعود إلى منطلقات إيديولوجية واضحة لدى الغرب، الذي كان لديه تصور بشأن منطقتنا؛ باعتبارها منطقة يمكن اللعب بأوراقها وتناقضاتها بسهولة، والوصول إلى أهدافه".
وقال: "الآن، حين مس الخطر مصالح الغرب، تغيَّرت تصوراتهم، ليس من أجل الشعب اليمني، فالسابع من أكتوبر وضع العالم كله والمنطقة أمام تحول حقيقي، وأمام متغيرات جديدة، لا يمكن السيطرة عليها".
وأضاف: "أعتقد، لا يمكن ممارسة ضبط النفس حيالها، ولا يمكن ممارسة المراوغة أو المداهنة أو المناورة".
وأوضح: "عندما يتعرض الكيان الصهيوني لحادثة مثل حادثة السابع من أكتوبر، أعتقد أن كل شيء وُضع على الطاولة، وكل الخطوط الحمراء رُفعت، وكل القيود التي عادة تكبِّل الحروب كُسرت بشكل كامل، لذا رأينا الولايات المتحدة الأمريكية تتحوّل إلى شريك أساسي وفاعل في هذه الحرب، وتتوغل في عملية الإبادة ضد الشعب الفلسطيني".
وتابع: "هذا الأمر بطبيعة الحال استدعى ما يسمى بحلف المقاومة أن يدخل على الخط، وهو دخول مراوغ، لم يكن من أهداف إيران في أي مرحلة من المراحل الانتصار للقضية الفلسطينية، أو العناية بالقدس، أو الاهتمام بالمقدسات، ولكن محور المقاومة، الذي كان له أهداف جيو-سياسية وطائفية مختلفة تماما، استفاد من التغطية الغربية، وبدأ يرفع شعار المقاومة في وجه الاستكبار الغربي".
وأكد: "السابع من أكتوبر فضح الجميع، ووضعهم أمام حقيقة لا يمكن التملص منها، وعندما دخلوا في حرب ما يسمى بحرب الإسناد، هنا الكيان الصهيوني قرر أن يتخذ منهجية مختلفة تماما، فدخل الجميع في هذه الحرب، التي أدت إلى تفكيك حلف الممانعة، ولم يبقَ من هذا الحلف الإيراني سوى الساحة اليمنية، التي لا يزال الإيرانيون يراهنون عليها".
- مصير خارطة الطريق
يقول الباحث الأول في مركز صنعاء للدراسات، عبد الغني الإرياني: "من باب الخلفية، أريد أن أشير إلى أن قبل السابع من أكتوبر كانت خارطة الطريق، التي فاوض السعوديون الحوثيين عليها، كانت عمليا تسليم اليمن للحوثي؛ لأنها تعني أن السعودية تخرج من هذا الصراع، وتترك حلفاءها دون دعم، بينما إيران ستستمر في دعم حليفها، وبالتالي سيسيطر الحوثي، ولن يقبل بالشراكة مع الأطراف اليمنية الأخرى".
وأضاف: "تحاورت مع المجتمع الدولي عدة مرات قبل السابع من أكتوبر، وكنت أقول لهم السعودية ستسلم اليمن للحوثي، ولم يبدوا أنهم منزعجون، وكان واضحا أنهم مدركون ذلك، وكان لسان حالهم يقول: هذه مشكلتكم أنتم ومشكلة السعوديين، نحن لا يهمنا ما الذي تفعله السعودية، وهي حُرة".
وتابع: "بعد السابع من أكتوبر، تواصلت مع نفس الأشخاص، قلت لهم يبدو أنها لم تعد مشكلتنا وحدنا فقط، فقد أصبحت الآن مشكلة الجميع، فأكدوا لي أنهم لن يسمحوا بتنفيذ خارطة الطريق، بمعنى أنهم سيضغطون على السعودية لتعطيلها أو تغييرها على الأقل؛ لكي تكون الحكومة موجودة ومشاركة بشكل فعّال في المفاوضات، ويكون هناك توازن في القوة بين الطرفين".
وأردف: "فرض التوازن بين الطرفين حتى يشعر الحوثي أن الحكومة أصبحت رادعا، وأنه لن يتمكن من تنفيذ ما يريده بقوة السلاح، وهو بحاجة إلى استقرار وتنمية، وبحاجة إلى دعم خارجي، لأن اقتصاد المناطق، التي يسيطر عليها، منهار، وهذا سيدفعه إلى الشراكة مع باقي الأطراف اليمنية، ويضع يده في أيدي إخوانه اليمنيين".
وزاد: "يمكننا أن نقول الآن إن خارطة الطريق بشكلها الحالي (الطريق السعودية) قد انتهت، لم يعلن السعوديون عن ذلك حتى الآن لكن يصعب عليّ أن أتصور أن هذه الخارطة، وما فيها من تسليم اليمن للحوثي، يمكن تمريرها، رغم معارضة المجتمع الدولي كاملا، وطبعا المجتمع اليمني أيضا".
وقال: "واضح بالنسبة للسعوديين الآن أنهم، بالرغم من أنهم قدموا اليمن على طبق من ذهب للحوثيين، إلا أن التزام الحوثي لإيران أقوى من أي مغريات، وبالتالي كان ممكنا أن يعمل الشيء الذي عمله الآخرون في محور المقاومة، لمساندة إخواننا في غزة، لكنه ذهب إلى هذا المستوى الذي نشاهده، وبالرغم من أننا نتشرف بدعم إخواننا في غزة، لكن الحوثي بالنسبة للسعودية جزء لا يتجزأ من تحالف إيران، لذا عليهم أن يحسبوا حسابهم قبل أن يسلموا له اليمن".
وأضاف: "بالنسبة لإيران فهي ستستخدم الحوثي لأطول فترة ممكنة، حتى وإن أدى ذلك إلى إحراق اليمن؛ لأنه خط الدفاع الأول عن طهران، بعد تحييد قوة حزب الله في لبنان".
وتابع: "لو كان الأمر كما كنا نفهمه، بأن هذا المحور حلفاء لإيران وليسوا تابعين لها، لكانت إيران جاءت لإغاثة حزب الله في لحظات الشدة، وبما أنها لم تفعل ذلك مع حزب الله في لبنان لن تفعله مع الحوثيين في اليمن".