تقارير
الجبايات وأزمة الوقود كابوس يؤرِّق حياة سائقي الباصات في صنعاء
يتذمّر السائق الثلاثيني "خالد الزليل" من استمرار مليشيات الحوثي الانقلابية في فرض الإتاوات اليومية على جميع سائقي باصات نقل الركاب بنظام "الأُجرة"، داخل العاصمة صنعاء.
حيث ينتشر مندوبو المليشيات في نقاط متعددة بطول امتداد الخطوط الرئيسية لحركة الباصات في الشوارع المختلفة.
قال الزليل لبلقيس: "نشقى لهم، يشتوا على الباص حقي وهو صغير يحمل 7 ركاب في اليوم الواحد 600 ريال"، ما يعادل دولار واحد، سعر الصرف في مناطق سيطرة المليشيات.
ويشكو السائقون لبلقيس من أساليب البلطجة التي يمارسها الأشخاص المكلفون من الحوثيين بحقهم، تصل أحياناً إلى العراك بالأيدي، وتهشيم الباصات.
الخمسيني "هادي مياس"، سائق باص أُجرة (التحرير ـ الحصبة)، يقول لبلقيس: "اختلفت مع واحد من المندوبين على 200 ريال، لأني كنت عادني ما قد استفتحت، قفز يضاربني، وكسر عليَّ الفريم والمرايا حق الباص".
وفرضت مليشيات الحوثي الانقلابية الإتاوات على الباصات بحسب أحجامها، قياساً بحمولتها في عدد الرُّكاب عبر عدد كبير من المندوبين أو المتعهّدين بجمع المبالغ لصالح المليشيات، دون أن يعرف السائقون تحت أي بند تُفرض.
وليد عيسى، سائق باص أجرة في فرزة "التحرير ـ الجامعة" يقول لبلقيس: "ولا إحنا داريين حق أيش يشلوا مننا فلوس يومياً، لا يسفلتوا الخط، قد كله مطبّات، ما غير ينهبونا بلاش أبلشي".
وشكا غالبية سائقي الباصات، ممن التقتهم 'بلقيس'، من عدم حصولهم على أي جدوى مالية بقولهم: "نشقى بدون ما نلاقي فائدة، ندفعها قيمة وقود، بسبب الأزمات حقهم، والباقي ندفعها للمندوبين حق الفرزات، برضه لهم".
الإتاوات لتمويل أنشطتهم فقط
تصرُّ مليشيات الحوثي الانقلابية على تجاهل كافة الخدمات التي من شأنها تعود بالنفع على المواطنين في مناطق سيطرتها، برغم تحويلها غالبية السكان إلى مصدر لجباية الأموال، كلاً بحسب مجال عمله.
يعتبر سائقو الباصات في عموم مناطق الحوثيين مصدراً مهماً لجباية الأموال، وتحديداً سائقي الباصات في صنعاء الذين يعدون مصدراً رئيسياً لدخل المليشيات اليومي، قياساً بالعدد المهول لباصات الأجرة المتواجدة، وتعمل داخل العاصمة. عبدالفتاح الحميدي، موظّف في قسم جمركة السيارات في مصلحة الجمارك بصنعاء، يقول لبلقيس: "يصل عدد الباصات داخل صنعاء إلى أكثر من 16 ألف باص بأحجام مختلفة، وجميعها مُرسمة جمركياً".
وتعتمد مليشيات الحوثي الانقلابية نظام الجبايات المالية مورداً أساسياً لحركتها المالية.
الناشط الاقتصادي "م. د" يقول لبلقيس: "الحوثيون يفرضون الجباية عسفاً على المواطنين المغلوبين على أمرهم، يعتبرونها حقاً لهم دون القيام بالواجبات المناطة بهم تجاه الناس".
ويواجه آلاف السائقين الجباية والإتاوات المفروضة عليهم بمعاناة المسلوب من الحق، لتصبح حياتهم اليومية أشبه بحالات النّهب والإفقار بعمد.
يحصد الحوثيون الأموال من سائقي الباصات دون عناء أو تعب، بقوة المغتصب لبلاد ليست أهلةً له ولمليشياته.
حيث السلب والابتزاز وفرض الإتاوات على أصحاب الأعمال البسيطة لا تثمر إلا مزيداً من الإنهاك والإفقار لمجتمع برمّته، إضافةً إلى إذلال المجتمع.
أزمة الوقود.. المعاناة المُزمنة
يتكبّد سائقو باصات الأُجرة معانات مختلفة في مناطق سيطرة الحوثيين، خصوصاً العاملين في خطوط نقل الرّكاب داخل العاصمة.
حيث استمرار أزمة الوقود واختفائها إضافةً إلى ارتفاع أسعارها في السوق السوداء، التي تديرها المليشيات، الأمر الذي يجعل السائقين في مواجهة مباشرة مع الأزمات في سبيل البقاء على قيد الحياة طلباً للرزق.
الأربعيني محمد العبيدي، سائق باص أجرة يعمل بالغاز، يقول لبلقيس: "يعدموا الغاز عنوة، من شان يبيعوه بأسعار السوق السوداء، لأن معظم الباصات تستخدم الغاز وقوداً لها، والسائق بالكاد يحصل على غاز من السوق السوداء من أجل يطلب الله على أسرته".
ويصل سعر أسطوانة الغاز الواحدة، عُبوة 20 لتراً، نحو 13000 ألف ريال (22 دولارا، سعر الصرف في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي الانقلابية). وقياساً لحجم المعاناة التي يتلقاها سائقو باصات الأجرة بفرض الإتاوات الإجبارية واستمرار أزمة الوقود وارتفاع أسعاره فإن مبلغ أجرة الراكب للمشوار الواحد 100 ريال فقط.
يضيف العبيدي لبلقيس: "قد الناس كلهم في صنعاء أوضاعهم المالية سيِّئة، كم عاد نزيد نرفع أجرة الراكب، والمشكلة ليست بالأجرة بل في ممارسات الحوثيين ضدنا".
تبقى رغبة الحوثيين الجامحة بمضاعفة البُؤس الجماعي للسكان في أوضاعهم المعيشية حتى تسهِّل عليهم عملية السيطرة على المجتمع كلياً، من خلال تأزيم الوضع الاقتصادي أكثر مما هو عليه.
يشير أحد المتخصصين في الاقتصاد بحديثه لبلقيس: "الحوثيون يستخدمون سياسة تجويع المجتمع ليسهل عليهم إخضاعه وإذلاله في مصدر رزقه".
من فرض الإتاوات واتباع أساليب الجباية إلى خلق الأزمات في المواد الضرورية للحياة، حيث يديرون شؤون الناس بالأزمات، ويصبح تفكير المواطن كيف يتدبّر أمور معيشته الأساسية ليبقى حياً.