تقارير
الجوع يلتهم اليمنيين والحوثيون يحوّلون المولد النبوي إلى موسم للجبايات
في الوقت الذي يواجه فيه ملايين اليمنيين أوضاعًا معيشية مأساوية بلا رواتب، ويعاني معظم السكان من الفقر وانعدام الأمن الغذائي، شرعت مليشيا الحوثي في تخصيص مبالغ مالية ضخمة للتحضير لاحتفالاتها السنوية بذكرى المولد النبوي، مثيرة موجة واسعة من الاستياء بين المواطنين.
وتؤكد مصادر محلية في صنعاء أن الجماعة بدأت هذا العام مبكرًا بفرض جبايات واسعة على التجار وأصحاب المحلات، وإرغام السكان على تعليق الأضواء الخضراء والشعارات الطائفية، في وقت تتحدث فيه تقارير أممية عن وصول معدلات الجوع إلى مستويات حرجة غير مسبوقة.
وبحسب معلومات حصلت عليها قناة بلقيس، فقد عقدت لجان حوثية اجتماعات فرعية في عدد من المديريات بصنعاء، خصصت خلاله ملايين الريالات للفعاليات والأنشطة ذات الطابع الطائفي، في حين تستمر عمليات جمع الأموال من التجار والسكان تحت مسمى “دعم المناسبة”.
خلال الأعوام الماضية، اعتادت المليشيا إنفاق موازنات ضخمة من إيرادات الدولة والضرائب المفروضة على المواطنين، من أجل تزيين الشوارع والمؤسسات الحكومية باللون الأخضر، وتنظيم عشرات الفعاليات في العاصمة ومناطق أخرى، في وقت حرج تعاني فيه البلاد من أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
سكان في صنعاء عبروا عن استيائهم مما وصفوه “إهدارًا للمال العام في مناسبات طائفية دخيلة”، بينما يفتقد الموظفون رواتبهم منذ سنوات، ويواجه اليمنيون أزمات متفاقمة بسبب انهيار الخدمات الأساسية وكوارث السيول المتكررة.
ويقول ناشطون إن الحوثيين حولوا ذكرى المولد النبوي من مناسبة دينية روحانية إلى “موسم للجبايات والحشد”، حيث يجبرون التجار على دفع مبالغ مالية، ويستغلون الأجواء للترويج لمشروعهم السياسي والعسكري، واستقدام مقاتلين جدد إلى الجبهات.
ويأتي ذلك بالتزامن مع تقارير أممية حديثة تؤكد أن أكثر من 79% من السكان في مناطق سيطرة الحوثيين يعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي، بينما تدخل أربع مناطق مرحلة حرجة للغاية من سوء التغذية.
توظيف سياسي
وعن فكرة احتفال الحوثيين بالمولد النبوي، يقول الباحث في الفكر الإسلامي، عبدالله القيسي: "إن أغلب اليمنيين في حالة استياء كبيرة مما تقوم به مليشيا الحوثي".
وأضاف القيسي في حديث لقناة بلقيس أن "هذا الاستياء يتضاعف كل عام بدرجة أكبر، كون هذا الاحتفال تمّت المغالاة فيه، وتم توظيفه سياسياً كذلك".
ويفيد أن "التوظيف السياسي، وقهر الناس، واستغلالهم، ونهب أموالهم من قِبل الحوثيين باسم المولد النبوي، ولدت ردة فعل سلبية من قِبل الكثير من الناس".
وفيما يتعلق بالدلالات التي حملتها مظاهر احتفاء الحوثيين بالمولد النبوي، يوضح القيسي أن "هناك رسائل يُراد إيصالها من خلال هذا الاحتفاء، أولها تثبيت وتعزيز مشروعيتهم بربط الحوثي بالنبي".
ويضيف القيسي أن "من أهداف الحوثيين من وراء هذا الاحتفاء هو جمع الناس في مختلف المحافظات وتحشيدهم للقتال".
ويردف: "من أهداف الحوثيين أيضا هو استغلال تجمع الناس في هذه المناسبة من أجل إيصال رسالة للمجتمع الدولي بأن لديهم مشروعية جماهيرية".
ويفيد أن "مليشيا الحوثي تركّز على شيئين بشكل كبير، وهما تغيير أفكار الناس عبر مناهج التعليم، ونهب أكبر قدر من المال، لضمان استمرارها في الحكم".
رسائل الحوثي
من جهته، يقول الصحفي محمد القليصي: "إن الحوثيين يهدفون من خلال هذا الاحتفاء إلى إرسال رسائل للداخل والخارج، وأولها معرفة مدى خضوع الناس لهم، ومدى قدرتهم على تدجين المجتمع كذلك".
ويضيف القليصي أن "من أهداف الحوثيين أيضا، من وراء هذا الاحتفاء، هو تسليط الأضواء بأن لهم قاعدة جماهرية وشعبية".
ويلفت القليصي إلى أن الحوثيين "أثقلوا كاهل الشعب بالمناسبات التي يقيمونها بين الحين والآخر".
ويفيد الصحفي القليصي أن الحوثيين "يصبغون الاحتفاء بالمولد النبوي بصبغة طائفية بزعمهم أنهم ينتسبون إلى الرسول".
ويرى أن الاحتفاء بالمولد من قبل الحوثيين هو مرحلة "تمهيدية لإيصال الناس إلى الحسينيات والبكائيات وغيرها من المناسبات الطائفية".
وتحدث القليصي عن ما حدث للمواطن عبدالباري الكرمدي من أبناء وصاب السافل، الذي قام الحوثيون بقتله نتيجة منعه للحوثيين من تعليق شعاراتهم على منزله في حي 'شميلة' في صنعاء.
ويفيد القليصي أن الحوثيين "يفرضون على الناس جميعا تعليق الشعارات، وصبغ المحلات والمنازل باللون الأخضر، كما يعِاقبون مَن يخالف ذلك".
ويوضح القليصي أن "هناك حالات من الانتهاكات المختلفة تتشابه مع الذي حدث للمواطن الكرمدي، كما أن هناك انتهاكات مختلفة يمارسها الحوثيون في هذا الإطار".
من جهته، يؤكد الصحفي همدان العليي أنه "لا مشكلة في الاحتفال بذكرى المولد النبوي بقدر ما المشكلة في تحويل هذه المناسبة إلى احتفالية سياسية، بهدف تركيع الناس".
ويوضح العليي أن "مليشيا الحوثي تهدف -من خلال إقامة هذه المناسبة- إلى تحقيق أهداف سياسية، تُشرعن من خلالها جرائمها التي ترتكبها بحق اليمنيين، وكذلك شرعنة خطواتها السياسية والعسكرية".
ويفيد أن "من الأهداف التي يسعى الحوثيون إلى تحقيقها -من وراء الاحتفال بالمولد النبوي- اختزال شخصية الرسول في شخص عبدالملك الحوثي".
ويتابع موضحا: "بناءً على ذلك، يتعامل الحوثيون مع الشخص الذي يرفض الانصياع للحوثي وتوجيهاته باعتباره يرفض الانصياع والولاء للرسول".
ويشير العليي إلى أن "الإشكالية الآن تتجاوز انتهاك أو استهداف اليمنيين كمجتمع إلى استهداف الدين الإسلامي برمّـته".