تقارير

الدور السعودي والإماراتي في اليمن.. هل يستمر التوافق؟

14/05/2022, 12:29:11
المصدر : قناة بلقيس - خاص - عبد السلام قائد

اتسم دور السعودية والإمارات في اليمن، منذ اندلاع عملية "عاصفة الحزم"، بالتنافس أحيانا والتكامل أحيانا أخرى، ليصل مؤخرا إلى التوافق، كما هو واضح من خلال تركيبة مجلس القيادة الرئاسي الذي كان تشكيله حصيلة لتوافقهما على تقاسم النفوذ في اليمن، لكن انعكاس دور الدولتين على القضية اليمنية ظل سلبيا على الدوام، خصوصا في ظل استجابة معظم الفاعلين المحليين لذلك الدور، ولا يبدو أن ذلك النفوذ سيقف عند حد معين ما دام كل الطرق مفتوحة أمامه بدون اعتراض من أي طرف في السلطة الشرعية وحلفائها.

وإذا كان صمت السلطة الشرعية والمكونات المساندة لها أو المناهضة للحوثيين إزاء الدور السعودي والإماراتي التخريبي في اليمن وكأنه من المسلّمات، أو لا مجال للاعتراض بشأنه على الأقل في الوقت الحالي، فإن ما يثير الاهتمام هو مستقبل ذلك الدور وتحولاته من التكامل إلى التنافس الذي يصل إلى حافة الصدام بين الأطراف المحلية التي يتحالف بعضها مع السعودية والبعض الآخر مع الإمارات، وتلافي ذلك من خلال إجراءات شكلية واتفاقيات لا تُنفذ غالبا، ولعل ما يعيق الصدام المباشر بين المكونات المحلية المتحالفة مع الرياض أو أبو ظبي، عدم رغبة كل طرف في تكبد خسائر وخوض مواجهة لا يضمن نتائجها.

- تنسيق وتكامل

عندما اندلعت ثورات الربيع العربي، كان حكام السعودية والإمارات من أبرز الحكام العرب الذين خشوا أن تعصف بهم رياح التغيير، وبدأ التحالف بين الدولتين في إطار الثورات المضادة لثورات الربيع العربي، وهو تحالف اقتضى في بدايته التنسيق والتكامل.

ونظرا لأن الإمارات دولة صغيرة وقدراتها العسكرية والبشرية محدودة ولا تؤهلها للعب دور إقليمي أكبر من حجمها، فإنها اتخذت في بادئ الأمر من تحالفها مع السعودية مظلة لتحركاتها لتحقيق مكاسب إقليمية، فشاركت مع السعودية ضمن قوات "درع الجزيرة" التي دخلت إمارة البحرين في مارس 2011، لوأد احتجاجات المواطنين الشيعة هناك، تحت لافتة مواجهة المد الإيراني في المنطقة، وبنفس الوقت شاركت في عمليات حلف الناتو ضد قوات الرئيس الليبي معمر القذافي.

كما شاركت في عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" إثر سيطرته على مساحات واسعة في العراق وسوريا، وقدمت الدعم للعملية العسكرية التي شنتها فرنسا، في العام 2013، ضد الجماعة الإسلامية في مالي وفي أفريقيا الوسطى، وكان لها دور كبير في الترتيب للإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، يضاف إلى ذلك دعمها لمليشيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا.

وفيما يتعلق باليمن، فإن الإمارات تعد أبرز حليف للسعودية في إطار عملية "عاصفة الحزم"، غير أن دورها الفعلي كان قد بدأ قبل ذلك، فهي كانت ضمن الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية، وبعد ذلك بدأت سرا بدعم مساعي علي عبد الله صالح للعودة إلى السلطة، ثم قدمت دعما ماليا كبيرا للحوثيين لشن حرب على حزب الإصلاح، وفق ما كشف عنه اللواء أنور عشقي، ضابط الاستخبارات السعودي السابق ورئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية، الذي قال إن "الحوثيين وعدوا دولة من دول مجلس التعاون الخليجي بأنهم سيضربون فئة معينة وأخذوا منها أموالا طائلة ولم يفعلوا شيئا"، ويقصد بذلك الإمارات التي أعطت أموالا للحوثيين للحرب على حزب الإصلاح، ويعني ذلك أن الإمارات كانت الممول والمحرض الرئيسي للحوثيين على التقدم نحو العاصمة صنعاء.

لكن بعد اندلاع عملية "عاصفة الحزم"، شاركت الإمارات إلى جانب السعودية في العملية العسكرية ضد الحوثيين وحليفهم السابق علي عبد الله صالح، واتسم دورها في بداية الحرب بالتنسيق والتكامل مع السعودية، باعتبار المعركة موجهة ضد المد الإيراني في اليمن والمنطقة عموما، وأسهمت الإمارات في معركة تحرير مدينة عدن، وقدمت الدعم للمقاومة الشعبية والجيش في معارك تحرير لحج وأبين والضالع، وتولت مهام التخطيط والقيادة لعمليات تحرير بعض المدن الجنوبية التي كان يسيطر عليها الانقلابيون.

لم يقتصر التنسيق والتكامل بين السعودية والإمارات في اليمن على الحرب ضد الحوثيين، وإنما شمل جوانب أخرى لا علاقة لها بالحرب على الحوثيين والمد الإيراني في المنطقة، مثل السيطرة المشتركة لكل من الإمارات والسعودية على جزيرتي سقطرى وميون. وفي حال كان هناك رفض شعبي للتواجد العسكري الإماراتي في بعض المحافظات البعيدة عن مسرح العمليات العسكرية ضد الحوثيين، فإن السعودية تقدم نفسها كوسيط لتهدئة الوضع، ثم تفرض سيطرتها بعد انسحاب الإمارات، كما حدث في جزيرة سقطرى في الأشهر الأولى من الحرب، وكما حدث أيضا في محافظة المهرة، واشتراك الدولتين في تشكيل ألوية العمالقة الجنوبية في العام 2016 بدون إشراف وزارة الدفاع اليمنية، وتلك الألوية تتداخل ولاءاتها للرياض وأبو ظبي.

- التنافس وسباق النفود

بدأت الإمارات مبكرا بتأسيس نفوذ خاص بها في جنوب اليمن، ورغم أنه من المفترض أن ذلك النفوذ يثير قلق السعودية، لا سيما أن علاقتها مع الإمارات مفخخة بخلافات قديمة مما يبعث على الشكوك إزاء ذلك النفوذ، لكن السعودية ظلت تتغاضى عن الإجراءات الأحادية التي تتخذها الإمارات، وذهبت لاستنساخ نفس تلك الإجراءات في مناطق أخرى. فمثلا، عندما بدأت الإمارات بتأسيس نفوذ خاص بها من خلال إنشاء وتدريب مليشيا أطلقت عليها "الحزام الأمني" في بعض المحافظات الجنوبية، بعيدا عن إشراف الحكومة اليمنية الشرعية، فإن السعودية أقدمت هي الأخرى على تشكيل ألوية عسكرية ترابط في حدودها الجنوبية مع اليمن، بعيدا أن أنظار وزارة الدفاع أو إشراف الحكومة اليمنية، وتتكون تلك الألوية من مقاتلين معظمهم من السلفيين، ومن أهمها "لواء الفتح" في صعدة.

غير أن الإمارات بدت أكثر اندفاعا وتهورا، وحققت مكاسب كبيرة من خلال سيطرتها على أهم الموانئ والمطارات والجزر، امتدادا من الساحل الغربي على البحر الأحمر، وانتهاء بالشريط الساحلي على خليج عدن والبحر العربي. ولعل السعودية تنظر إلى مكاسب الإمارات في اليمن باعتبارها مكاسب مشتركة لهما، أما عدا ذلك فهو يعني أن السعودية تائهة ولا تدرك عواقب ما يحدث في البلاد، أو أنها وصلت إلى مرحلة من الضعف تعيقها عن القيام بدور فاعل وكبير في الأزمة، أو أنها توظف "المخلب الإماراتي" للعبث في اليمن، كون ذلك سيحقق مصالح آنية مشتركة لهما.

لكن الحقيقة هي أن الإمارات نافست السعودية وصنعت نفوذا خاصا بها من العدم، من خلال تشكيل ودعم مليشيا انفصالية موالية لها، وبنفس الوقت شنت حربا بلا هوادة على حزب الإصلاح في بعض المدن الجنوبية، رغم أنه حليف رئيسي للسعودية في الحرب على الحوثيين، ويقيم بعض قادته في الرياض، كما أنها -أي الإمارات- ظلت تحرض "المجلس الانتقالي" ضد الرئيس عبد ربه منصور هادي والجيش الوطني وحزب الإصلاح، وهذه الأطراف كانت أبرز حلفاء السعودية، بينما الإمارات كانت تصنع حلفاء لها من العدم، وتشيطن وتحرض الجميع ضد حلفاء السعودية الرئيسيين، ما يعكس رغبتها في تقليص ومحاصرة الدور والنفوذ السعودي في اليمن لصالحها.

- ماذا بعد التوافق؟

رغم أن الدور السعودي والإماراتي في اليمن اتسم بالتكامل أحيانا والتنافس أحيانا أخرى، لكنه لم يكن يخلو من توافق في بعض الملفات، لعل أهمها طي صفحة السلطة الشرعية وتشكيل مجلس قيادة رئاسي، نصف أعضائه من حلفاء الإمارات، والنصف الآخر من حلفاء السعودية، وتكشف تركيبته المدروسة أنه روعي فيه التوازن بين الرياض وأبو ظبي، بما يضمن استمرار نفوذ كل منهما، وضمان استمرار مصالحهما، لكن هل يمكن الجزم بأن ذلك يعكس توافقا حقيقيا بين الرياض وأبو ظبي أم لا؟

من المحتمل أن تكون الإمارات هي من طرح فكرة تشكيل المجلس الرئاسي، ليس فقط رغبة منها في التخلص من الرئيس هادي ونائبه، ولكن لتجريد السعودية من "ورقة الشرعية" خشية من استخدامها لإضعاف أبو ظبي عندما تقتضي الضرورة ذلك، خصوصا أن الإمارات تستند في نفوذها على مكونات هشة وليس لها أي صفة شرعية وقانونية وليس لها حاضنة شعبية، ولذا فهي تكون قد نجحت في تقاسم "ورقة الشرعية" مع السعودية، بعد أن كانت تلك "الورقة" حصرية بيد السعودية وحدها.

وهذا يشير إلى أن التوافق الظاهري بين الدولتين مجرد وجه آخر من أوجه سباق النفوذ بينهما، وسيظل خاضعا للتفاهمات المستمرة، لكنه لن يدوم طويلا، لأن التنافس سيظهر أيضا في ملفات أخرى، مثل التوجهات السعودية الجديدة لإنشاء اقتصاد خدمي وسياحي منافس للإمارات، والسباق على اجتذاب المستثمرين وإقامة مراكز تجارية إقليمية، وغير ذلك من أوجه التنافس التي ستظهر تباعا.

تقارير

في ظل الأزمات والمعاناة.. إلى متى يستمر الصراع داخل مجلس القيادة الرئاسي؟

من بين كل الوعود والمهام المناطة بمجلس القيادة الرئاسي، سواء بموجب إعلان نقل السلطة أو بموجب برامج العمل المُعلَن عنها خلال الأيام التالية لإعلانه، لم يتمكن المجلس من حل أي مشكلة، ولا ساهم في الحد من آثارها.

تقارير

بسبب خلافات الداخل وضغوط الخارج.. اليمن في قلب تحولات المنطقة من دون مكسب

كثير من التحولات التي طرأت على المنطقة خلال الفترة الماضية، ورغم أن اليمن كانت على اتصال بها، إلا أنها لم تنعكس بالإيجاب عليها، للكثير من الأسباب، أهمها أن الأطراف المناوئة لميليشيا الحوثي لا تريد الحسم، لأنه ضد مصالحها الآنية والاستراتيجية.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.