تقارير
الشتاء القاتل.. مبيدات مميتة تهدد حياة اليمنيين
لا ينكر عبدالله الحربي -أحد مزارعي القات في منطقة "أرحب" بصنعاء، إفراط كثير من المزارعين في استخدام المبيدات الخاصة، خلال فصل الشتاء، وبيعه بعد فترة غير كافية لانتهاء مفعول السموم.
يؤكد الحربي، وهو بائع قات في إحدى الأسواق شمال العاصمة صنعاء، أن بعض المزارعين يسارعون في قطف أغصان القات بعد رش المبيدات بأيام قلائل، إذا كان السوق نشطا، والأسعار مرتفعة، غير مبالين بصحة الناس، الذين سيشترونه.
يضيف الحربي لـ"بلقيس": "هناك نوعان من المبيدات، التي تستخدم لتفتيح القات في فصل الشتاء، الأول يخلط مع الماء وتسقى به أشجار القات، أبرزه المعروف باسم الحديدي، الذي يحوِّل لون الماء إلى اللون الأحمر، والثاني يُرش على الأوراق والأغصان والساق".
- أرقام مخيفة
يُعد موسم الشتاء فترة قاتلة لليمنيين، الذي يتعاطون القات، والذين يمثلون ما يقارب 90% من الذكور، و50% من الإناث، بحسب تقديرات منظمات محلية ودولية، حيث تدفع الرغبة في تحقيق الأرباح العالية المزارعين إلى استخدام مبيدات مهربة ومحرّمة، لتفتيح أوراق القات، التي يجعلها الطقس البارد جافة، وغير مهيأة للنمو.
ولا توجد أرقام دقيقة عن أرقام وأنواع المبيدات المحرُمة، التي تدخل إلى اليمن، إذ أكدت منظمة "يمن بلا قات" دخول أكثر من 700 نوع من المبيدات المحرّمة دوليا لرش القات، فيما أوردت منظمة "إرادة لوطن بلا قات" أن أكثر من 300 نوع من السموم المحرَّمة دوليا، و400 نوع آخر من السموم والمبيدات المهربة، تدخل اليمن لرش شجرة القات.
وهذا ما تؤكده دراسة أكاديمية بعنوان "علاقة بعض مبيدات الآفــــات المستخدمـــة على شجرة القات بتشوهات المواليد في اليمن"، للباحثة منى الكبزري، التي كشفت أن عدد المبيدات المستخدمة على أشجار القات، والمسببة للسرطان بناء لقائمة PAN الدولية للمبيدات شديدة الخطورة بين "2009 و 2019"، وصل إلى 105 أسماء تجارية، وتقع تحت 27 مادة فعالة.
وأوضحت الدراسة أن عدد الأسماء التجارية للمبيدات، المستخدمة على أشجار القات، وصلت إلى 348 اسما تجاريا تقع تحت 105 مواد فعالة، منها "97" اسما تجاريا ممنوع التداول، بالإضافة إلى "39" مبيدا مقيد التداول بشدة على المحاصيل الزراعية في اليمن، بناء على القائمة الصادرة عن الإدارة العامة لوقاية النباتات بوزارة الزراعة عام 2007.
- سوق منفلت
احتلت زراعة القات أكثر من نصف المساحة الزراعية في اليمن، بنسبة تزيد على 58% من الأراضي الصالحة للزراعة؛ نظرا للأرباح الكبيرة، التي تدرها على المزارعين، مقارنة بالمزروعات الأخرى، وعدم حاجة شجرة القات إلى مجهود كبير للاعتناء بها، وزيادة انتشارها بين المواطنين، كما يؤكد المهندس الزراعي محمد الهلالي.
يقول الهلالي لـ"بلقيس": "سوق المبيدات في اليمن منفلت، وليس هناك رقابة حقيقية عليه، على الرغم من أننا نسمع عن ضبط ومصادرة كميات مهربة، وهذا يرجع إلى دخول شخصيات نافذة للاستثمار في هذا القطاع".
ويضيف: "المبيدات المحرّمة لا تتوقف خطورتها عند الأضرار الصحية، أو على حياة الشجرة، وإنما يمتد مداها إلى تدمير التربة والبيئة بشكل عام، خاصة أن بعضها تخلط مع الماء لري الأرض".
ويؤكد الهلالي أن 80% من المبيدات، التي تدخل اليمن، تستخدم لرش القات، وخاصة في فصل الشتاء، معتبراً أنه على الرغم من أن جميع المبيدات تخصص لقتل الحشرات، ومكافحة الآفات الزراعية، إلا أن المزارعين يستخدموها لحث شجرة القات على النمو، وبناء أوراق وأغصان جديدة وطرية.
وتتفق معه دراسة الباحثة منى الكبزري، التي توصلت إلى أن 52.75 بالمائة من مزارعي القات يستخدمون المبيدات الحشرية في التوقيت الخطأ خلال فصل الشتاء، الذي يقل فيه نشاط جميع الحشرات، وتدخل في فترة سكون وبيات شتوي.
- مخاطر صحية
المخاطر الصحية لمضغ شجرة القات، التي ترش بالمبيدات، وخاصة المحرّمة، قد تظهر على المدى القريب، وتتمثل بالقيء والإسهال والدَّوار والتسمم وغيرها، أو تتراكم السموم على المدى المتوسط والبعيد، وتقتل أجهزة الحماية، كما يقول طبيب الباطنية محمود حسان لـ"بلقيس".
ويوضح: "الناس تعتقد أن غسل القات يطهره من السموم، ولكن الحقيقة أن الماء والمطهرات قد تخفف من نسبة السمية، لكنها لا تجعل القات خاليا من السموم".
ويؤكد حسان أن "القات يسبب أنواعا مختلفة من السرطانات، أبرزها سرطان الفم، والجهاز الهضمي، والكبد، بالإضافة إلى أن غياب الوعي بكيفية الرش، واستخدام وسائل الوقاية، يتسبب بسرطان وأمراض الجلد".
ويشير إلى أن "الإحصائيات تبيّن إصابة أكثر من 20 ألف شخص بالسرطان سنوياً، بسبب تعاطي القات المرشوش بالمبيدات الحشرية".