تقارير
ألطاف.. سيدة خمسينية تواجه ظروف العيش ببيع 'الزعتر'
تعرض الخمسينية ألطاف بضاعتها من 'الزعتر' المطحون، المعبأ يدوياً في عُلب بلاستيكية وأكياس حرارية صغيرة، حيث تجلس عند مدخل إحدى الأسواق الشعبية في صنعاء، من لحظة وصولها عند تمام الثامنة صباحاً، وحتى مغادرتها عند الثانية ظهراً، بصورة يومية.
تقول ألطاف لبلقيس: "أخرج من بيتي يوميا في الصباح إلى السوق، بين أبيع زعتر مطحون، بعدي جهال أدّي لهم مصاريف". قُرابة 6 ساعات يومية تقضيها "ألطاف" مُعيلة أسرتها في واجهة السوق، وأمامها عُلب وأكياس مملوءة بالزعتر. يتفاوت السعر بحسب كمية 'الزعتر' المطحون المعبأ في العلب أو الأكياس، تقول لبلقيس: "أبيع الكيس الصغير بـ300 ريال، والعلبة بألف ريال"، ما يعادل "0.5 دولار، و1.5 دولار" سعر الصرف في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي الانقلابية.
تُبدي ألطاف قناعتها بالفائدة المالية التي تحققها من عملية البيع، خصوصاً وهي تقوم بشراء أعشاب 'الزعتر' من مزارعين في ضواحي العاصمة صنعاء، فتعمل على تجفيفها وطحنها فقط. إضافةً إلى محاولتها الجيّدة لطحن قليل من فُصوص 'الثوم' و'البسباس' وخلطها مع 'الزعتر'، حيث يصبح ذا مذاقٍ لذيذ ومميّز، يحظى باستحسان الزبائن وقبولهم، وتحديداً الأشخاص ذوي الألآم المعوية، الذين يبحثون عن تطبيبها بواسطة بعض الأعشاب، إذ يعتبر عُشب 'الزعتر' إحداها.
المواطن "حمود المُدعي"، يبلغ من العمر 60 عاماً، يقول لبلقيس: "عندي مشاكل صحيّة في المعدة والقولون، وما أستطيع لأي مأكولات حارة، أجي أشتري لي زعتر مطحون من هنا، وأضيفه إلى الأكل، هو علاج باهر وحالي مع الأكل". تتكِئ ألطاف على الفوائد الطبية الجمّة لعشبة 'الزعتر'، المعروفة شعبياً، لتكن باب رزقها الوحيد، الذي طرقته قبل أكثر من 5 أعوام بصورة اضطرارية بحتة.
*الطريق إلى الزعتر
لم تخرج ألطاف لبيع 'الزعتر' المطحون بإرادتها، ولم يكن خروجها بحثاً عن المال وادّخاره، بل كان تحت ضغط الحاجة، وفقدان العائل، إذ كان سبباً أساسياً للبحث عن مصدر دخل معيشي للأسرة. تقول بائعة الزعتر لبلقيس: "أنا أرملة، ومعي مكالِف في البيت، كان معي ابني الوحيد يشقي علينا، مات قبل 5 سنوات، وخلف لي أطفاله وزوجته، رجعت أنا أبيع زعتر، وأشقى عليهم كلهم". تأتي قسوة الظروف المعيشية وصعوبتها كسبب إضافي في خروج ألطاف من المنزل، وبيع 'الزعتر' المطحون، لتتمكن من توفير المتطلبات الضرورية للأسرة، التي يصل تعدادها 8 أشخاص من النساء والأطفال. وتتحمّل ألطاف مسؤوليتهم المعيشية، التي ورثتها عن ابنها وعائل الأسرة الوحيد الذي كان جُندياً في الجيش، بعد وفاته قبل أزيد من خمسة أعوام. وكان والده قد سبقه إلى الموت قبل نحو 15 عاماً. تضيف ألطاف لبلقيس: "زوجي مات، وابني كان يشقى علينا، وكان معه راتب، لما مات تحمّلت انا".
فقدت ألطاف الزوج والابن والراتب، لتصبح الأسرة بكاملها في مواجهة مع ظروف الحياة المعقّدة، خصوصاً في المرحلة الراهنة شديدة القسوة، نتيجة لعدة عوامل مثل: أسعار المواد الغذائية العالية، والبقاء وسط بيئة معيشية تغمرها الأزمات بمختلف تصنيفاتها بصورة دائمة، تحديداً في صنعاء الواقعة تحت سيطرة مليشيات الحوثي الانقلابية مُذ قرابة 7 أعوام، إذ ألحقت بالسكان أقسى المعاناة معيشياً. وتعتبر ألطاف وأسرتها ضمن ملايين المعدَمين الذين أٌجبروا على اعتماد مصادر بسيطة لدخلهم المعيشي اليومي في مناطق سيطرة الحوثيين، حينذاك شقت ألطاف طريقها في بيع 'الزعتر' المطحون بإلهام من إحدى النساء المُسنات التي تتجاور معها في المسكن.
تقول ألطاف لبلقيس: "جارتي امرأة كبيرة في السنّ، هي التي نصحتني كيف أكون أفعل، وأنه الزعتر فيه رزق، الحمد لله بين أمشّي".
وبحكم إقامتها الدائمة في صنعاء، تقوم بشراء عشب 'الزعتر'، وهو ما يزال أخضر، من بعض الأشخاص الذين يجلبونه من الجبال في مناطقهم الريفية.
تقول ألطاف لبلقيس: "أشتريه وعاده أخضر من ناس يدخلوه لصنعاء من البلاد، وأجففه لفترة في الشمس، ثم أطحنه مع الثوم والبسباس، وبعضه بدون، وأبيع".
*القيمة الصحية لعشبة 'الزعتر'
تعتبر أعشاب 'الزعتر' من فصيلة النباتات الشفوية، ويعرف باسم 'السعتر' أو 'الصعتر'. ويستخدمه كثيرون بصورة شبه يومية في العديد من الأطباق المنزلية.
الأربعينية أفراح تقول لبلقيس: "أنا مدمنة على الصعتر، أفعله بين الأكل في بيتي، هو علاج، واشتري لي دائماً من هذه المرأة".
إضافة إلى مذاقه المفضّل لدى البعض، فالزعتر يتميّز بمجموعة من الفوائد الصحية ذات الأثر المجرب.
"هدوان" يعمل في التطبيب الشعبي بواسطة استخدام الأعشاب، يقول لبلقيس: "أوراق الزعتر وزيوته تحتوي على معادن وفيتامينات مهمة لصحة الإنسان، فهو علاج للسعال الدّيكي، والتهابات الحلق، والمغص، واضطرابات المعدة".
إضافةً إلى ذلك، يستطبّ به لألآم البطن، والإسهال، والتبول الليلي اللا إرادي، وكذلك في العديد من الاستخدامات الصحية.
وعشبة 'الزعتر' تتواجد في مناطق مختلفة ومتعددة في ربوع اليمن السعيد، وغالبيتها تنبت دون الحاجة إلى الرعاية أو الاهتمام.