تقارير
العطش في كل بيت.. أزمة مياه تخنق تعز وتفجر الغضب الشعبي
تفاقمت أزمة المياه في مدينة تعز نتيجة تراكم عوامل متعددة، على رأسها انهيار البنية المؤسسية وتوقف مشاريع المياه الحكومية، التي كانت عاجزة عن تلبية احتياجات السكان حتى قبل اندلاع الحرب. ومع اشتداد الصراع عام 2014، تعطلت خطوط الإمداد من الحقول الرئيسية، إمّا بسبب وقوعها تحت سيطرة مليشيا الحوثي، أو نتيجة الدمار الذي طال شبكات الضخ والتخزين.
امتدت آثار الأزمة إلى كل بيت، إذ باتت الأسر تنفق ما يفوق طاقتها على شراء المياه من الصهاريج الخاصة (الوايتات)، فيما تقضي النساء والأطفال ساعات طويلة يوميًا في جلب كميات محدودة من مصادر غير آمنة، وسط انتشار للأمراض المرتبطة بتلوث المياه.
في المقابل، فشلت مؤسسة المياه في تعز في تنفيذ خطة طوارئ فعالة، واقتصر دور السلطات المحلية على تعميمات شكلية، دون حلول عملية.
المياه سلاح بيد المليشيا
يقول الناشط الحقوقي راشد محمد إن الأزمة تعود إلى استخدام مليشيا الحوثي المياه كسلاح ضد المدنيين، ضمن سياسة العقاب الجماعي. ويوضح أن اعتماد المدينة على “الحوض الإسعافي” الداخلي ساهم في تأخير الانفجار، لكنه لم يصمد أمام نضوب الآبار والجفاف المتزايد.
ويضيف: “أنا شخصيًا أقف في طوابير طويلة لتعبئة 40 لترًا فقط من البقالة، لأن البائع يحد الكمية لكل أسرة بسبب ندرة المياه. الأطفال توقفوا عن الذهاب للمدارس، والنزاعات داخل الأحياء السكنية في تزايد، بسبب الانقطاعات وارتفاع أسعار الوايتات إلى أرقام جنونية”.
يشير راشد أيضًا إلى فشل مؤسسة المياه في استعادة آبار ومقرات سيطر عليها أفراد أو نازحون، رغم تدخل وساطات محلية قادتها نساء لإعادتها، دون أن تتمكن المؤسسة من تحويل ذلك إلى خدمة حقيقية للسكان.
من جانبها، تقول د. سوسن الحضرمي، أستاذة القانون الدولي بجامعة تعز، وأحد الأصوات النسوية المشاركة في الاحتجاجات: “خرجنا للمطالبة بحقوقنا الأساسية، وفي مقدمتها الماء، فالأزمة ليست وليدة اليوم بل تراكمت لعقود، إلى أن وصل الحال بنا للبحث عن قطرة ماء في كل مكان”.
وتضيف: “نساء أُجهضن من شدة حمل الدبب، وأطفال تقوست ظهورهم بسبب الانتظار في الطوابير، وسعر وايت الماء وصل إلى 60 ألف ريال، بينما الرواتب لا تكفي حتى للغذاء. نحن نعيش مأساة حقيقية، يقابلها صمت وقرارات سطحية من السلطات المحلية”.
وتحمّل الحضرمي مؤسسة المياه مسؤولية الفشل، وتصفها بأنها “مؤسسة منهارة وغير قادرة حتى على الرد على اتصالات المواطنين، فضلاً عن تأمين الخدمة”.
عوامل متفرقة
من جانبه، قال مدير عام مؤسسة المياه والصرف الصحي بتعز، المهندس سمير عبد الواحد، إن المدينة كانت تعتمد على أربعة حقول رئيسية تم تدميرها بالكامل، ولم يتبق سوى الحقل الإسعافي داخل المدينة، الذي يغطي أقل من 20% من الاحتياج.
وأضاف أن المؤسسة تسعى، بالتعاون مع السلطة المحلية، إلى استكمال مشروع مياه الضباب، الممول من خلية الأعمال الإنسانية الإماراتية، والذي يتضمن حفر 10 آبار، ومد خطوط ناقلة بطول 14 كيلومترًا، إضافة إلى خزانات ومحطة ضخ تعمل بالطاقة الشمسية.
وأشار إلى أن المشروع، الذي يُتوقع اكتماله خلال ثمانية أشهر، سيغطي نحو 20% من الاحتياج الكلي، لكن الوضع العام لا يزال هشًا، مع عجز مائي مزمن تجاوز 60% حتى قبل الحرب.
وأكد عبد الواحد أن الحل الاستراتيجي يكمن في مشروع تحلية مياه البحر، الذي استُكملت دراساته سابقًا، بدعم من المملكة العربية السعودية، لكن لم يُنفذ حتى الآن.