تقارير
العلاقة بين روسيا والحوثيين.. إيران والسعودية شوكة الميزان
ما أُثير خلال الأسابيع القليلة الماضية بشأن دعم روسيا للحوثيين بالأسلحة، والتنسيق معهم لإرسال مقاتلين يمنيين للقتال إلى جانب الروس في أوكرانيا، يشير إلى تعقيدات جديدة قد يشهدها الملف اليمني من خلال تأثره بتطورات الصراعات العالمية، بعد أن كان يتأثر بأزمات الإقليم فقط، حتى وإن كان تأثير الصراعات العالمية على أزمات الإقليم محكوما بمعادلات وعلاقات معقدة تسيّرها المصالح وليس الأيديولوجيا أو الانقسامات الطائفية السائدة في المشرق العربي.
وكان موقف روسيا من الحرب في اليمن قد اتسم بالغموض منذ اندلاع عملية "عاصفة الحزم" في أواخر مارس 2015، بالرغم من تدخلها العسكري في صراعات المنطقة المتزامنة مع اندلاع الصراع في اليمن، مثل دعمها للرئيس السوري بشار الأسد وخليفة حفتر في ليبيا، وأيضا تحالفها مع إيران، التي تعد طرفا رئيسيا في صراعات المنطقة من خلال دعم وكلائها (المليشيات الشيعية) في البلدان التي تشهد صراعات طائفية.
- هل موسكو تدعم الحوثيين فعلا؟
في أكتوبر الماضي، اتهم مسؤولون أمريكيون وبعض الصحف الأمريكية روسيا بالتورط في تزويد مليشيا الحوثيين بأسلحة متقدمة لمهاجمة السفن الأمريكية في البحر الأحمر ردا على الدعم الأمريكي المتواصل لأوكرانيا، لكن روسيا نفت تلك الاتهامات، في حين أفادت عدة مصادر بأن إيران تتوسط في محادثات سرية جارية بين روسيا ومليشيا الحوثيين لنقل صواريخ مضادة للسفن إلى المليشيا.
ويسلط هذا التطور الضوء على العلاقات المتنامية بين طهران وموسكو، وسط مخاوف من أن يؤثر ذلك على معادلات الصراع في اليمن، لا سيما في ظل ضعف الدعم السعودي للسلطة اليمنية الشرعية ضد الحوثيين، بينما قد تدعم روسيا مليشيا الحوثيين بأسلحة متقدمة لشن هجمات نوعية ضد السفن والقطع الحربية الأمريكية في البحر الأحمر، لكن تلك المليشيا قد تدخر جزءا كبيرا منها لاستخدامه في معاركها المؤجلة ضد اليمنيين أو ضد السعودية في حال فشلت تفاهماتها معها.
وفي 25 نوفمبر الجاري، أفادت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية بأن روسيا بدأت في تجنيد مئات المرتزقة من اليمن للقتال في أوكرانيا بالتنسيق مع الحوثيين في وقت مبكر من شهر يوليو الماضي، وأن روسيا وعدتهم بأجور عالية وحتى بالجنسية الروسية.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسيين أمريكيين قولهم إن المصلحة بين الكرملين والحوثيين أمر لم يكن من الممكن تصوره قبل الحرب في أوكرانيا. ولفتت الصحيفة إلى أن المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيم لاندركينغ، قال إن روسيا "تتفاوض بالفعل بنشاط مع الحوثيين، ونعلم أن هناك فريقا روسيا في صنعاء يتولى هذه القضية". وأضاف: "أنواع الأسلحة التي تُناقَش مثيرة للقلق، وستسمح للحوثيين باستهداف السفن بشكل أفضل في البحر الأحمر وربما خارجه".
- محطات في الموقف الروسي من حرب اليمن
بالرغم من أن روسيا امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، الذي دعا الحوثيين إلى الانسحاب من الأراضي التي سيطروا عليها، ونزع سلاحهم من جانب واحد، وانتقدت التدخل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، فإن موقفها من طرفي الصراع اتسم بالتوازن الدبلوماسي، فمن جهة ظلت معترفة بالسلطة اليمنية الشرعية، ومن جهة ثانية ظلت محتفظة بتمثيل دبلوماسي في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الانقلابيون (تحالف علي صالح والحوثيين)، قبل أن يقتل الحوثيون حليفهم علي صالح إثر توتر العلاقة بين الطرفين.
فضلا عن ذلك، تجاهلت موسكو مطالب الانقلابيين لها بالتدخل العسكري إلى جانبهم، ولم تعلق عليها ولو بمجرد تعليق، كما أنها لم تعترف بأيٍّ من الإجراءات الأحادية التي اتخذها الانقلابيون، مثل تشكيل حكومة إنقاذ وغير ذلك، ولم تسحب دبلوماسييها من صنعاء إلا بعد اندلاع المواجهات بين طرفي الانقلاب، علي صالح والحوثيين، في ديسمبر 2017، وسقوط قذائف بالقرب من مبنى سفارتها بصنعاء.
وبالرغم من تأكيد روسيا الدائم على دعم الحكومة اليمنية الشرعية، كان لافتا تحذيرها من خطط التحالف العربي بقيادة السعودية لتحرير مدينة الحديدة، في مارس 2017، أي قبل معركة الحديدة بعدة أشهر، بذريعة أن ذلك سيقطع وصول المساعدات الإنسانية إلى صنعاء، وسيجبر السكان على الهروب، وفق تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زخاروفا. وفي أواخر عام 2021، عارضت موسكو تصنيف الولايات المتحدة للحوثيين منظمة إرهابية.
وفي 25 يناير الماضي، استقبلت موسكو وفدا من مليشيا الحوثيين، واجتمع الوفد مع مسؤولي وزارة الخارجية الروسية، لإجراء محادثات حول التصعيد العسكري في البحر الأحمر، والحرب في اليمن، والعدوان الصهيوني على قطاع غزة.
وقال الجانبان، في بيانين منفصلين، إن المتحدث باسم الحوثيين، محمد عبد السلام، الذي ترأس الوفد، اجتمع مع نائب وزير الخارجية والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف.
وفي الثاني من يوليو الماضي، استضاف نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، وفدا من مليشيا الحوثيين في موسكو، وذكر تقرير لوزارة الخارجية الروسية أن بوغدانوف ناقش مع وفد الحوثيين تفاقم الوضع في البحر الأحمر، والحاجة إلى حوار بين اليمنيين تحت رعاية الأمم المتحدة.
- دعم أعداء واشنطن
وبعد فشل روسيا في تحقيق أهدافها في الحرب على أوكرانيا، بسبب الدعم المستمر لأوكرانيا من جانب حلف الناتو، هددت موسكو بتزويد الأطراف المعادية للغرب بأسلحة متطورة. ففي يونيو الماضي، ذكر موقع "في زد" الروسي أن موسكو تفكر في إمكانية تزويد الدول التي تشهد حالة صراع مع الغرب بأسلحة متطورة بعيدة المدى، ردا على استمرار إمدادات الأسلحة الغربية لأوكرانيا.
وقال موقع "في زد" إن الرئيس فلاديمير بوتين أشار، خلال لقاء على هامش منتدى سانت بطرسبرج الاقتصادي الدولي، إلى أن موسكو ستدرس الخيارات المتاحة للرد على قرار حلف الناتو بتزويد أوكرانيا بأسلحة بعيدة المدى لضرب روسيا، لافتا إلى أن روسيا قد تتخذ إجراءات مماثلة كرد فعل. ووفقا للموقع الروسي، فإن الخبراء يرون أن لكل دولة من دول الناتو الرئيسية نقاط ضعف يمكن استغلالها ضدها، وأشار إلى أن روسيا يمكن أن تستفيد من دعمها للحوثيين في اليمن الذين يستهدفون القواعد والمعدات الأمريكية.
وفي يوليو الماضي، أفادت مصادر إعلامية بأن روسيا تراجعت عن تزويد مليشيا الحوثيين بصواريخ ومعدات عسكرية، بعد ضغوط دبلوماسية من السعودية وأمريكا، وكان لرفض الرياض لهذه الخطط دور كبير في دفع موسكو إلى العدول عن قرارها، مع أنها كانت قد أرسلت أفرادا عسكريين لتقديم استشارات لمليشيا الحوثيين.
- طهران والرياض.. محور التوازن
تعد السعودية وإيران أبرز الفاعلين الإقليميين في الملف اليمني، وهو ما جعل اليمن نقطة التقاء للسياسات المتضاربة. وفي حين تتخذ إيران من اليمن ساحة لتصفية حسابات إقليمية، فإنها تستغل تحالفها مع موسكو لتحويل اليمن إلى ساحة تصفية حسابات عالمية، أملا في أن يخدم ذلك حلفاءها الحوثيين بشكل أو بآخر، خصوصا أن السعودية تبدو في موقف متذبذب، حيث تخلت جزئيا عن دعم السلطة اليمنية الشرعية، وتصالحت مع إيران والحوثيين، وهو ما تحاول طهران استغلاله لتشكيل موازين جديدة في المشهد اليمني، سواء من خلال التسويات الإقليمية أو الاصطفافات الدولية.
وفي المقابل، تعمل السعودية على تنويع علاقاتها ومحاولة الابتعاد جزئيا من المظلة الأمنية الأمريكية، بعدما استشعرت أن واشنطن بدأت تتخلى عنها، فاتجهت للمصالحة مع إيران والحوثيين وتقوية علاقتها مع روسيا من خلال صفقات السلاح وتنسيق السياسات النفطية ضمن تحالف "أوبك+"، وذلك لإحداث توازن دقيق في علاقاتها مع مختلف القوى الإقليمية والدولية، وبنفس الوقت ستظل حذرة من تعزيز إيران نفوذها في اليمن أكثر مما هو قائم الآن، ونجحت في الضغط على روسيا للتراجع عن تسليح الحوثيين في يوليو الماضي، وما زالت حريصة على عدم خروج الوضع عن سيطرتها، لكن ليس هناك ما يضمن أن تمضي الأمور كما تريد لها أن تكون.
أما روسيا، فستظل هي الأخرى تسعى للموازنة بين علاقاتها مع طهران والرياض، وفق ما تقتضيه المصلحة مع كل منهما. ففيما يتعلق بالسعودية، فقد تحسنت العلاقة معها كثيرا، لا سيما بعد زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو، عام 2017، وتوقيعه عدة عقود أسلحة بين البلدين. وبعد تجميد بعض المبيعات العسكرية الأمريكية للسعودية، عام 2021، بسبب إعادة تقييم العلاقات الدفاعية بين الطرفين، نظرت الرياض إلى روسيا كفرصة لتعزيز تعاونها العسكري، وتم الاتفاق على مزيد من صفقات الأسلحة.
ثم تعززت العلاقات أكثر بين الطرفين بعد توتر العلاقات السعودية الأمريكية، عام 2022، بسبب قرارات تحالف "أوبك+" المتعلقة بخفض إنتاج النفط، وهو ما أثار غضب واشنطن، واعتبرت الرياض أن موسكو تعد شريكا موثوقا في العديد من القضايا الدولية، وساهم ذلك في تقوية العلاقات بين السعودية وروسيا.
وبشأن إيران، فقد تحسنت علاقتها بروسيا كثيرا بعد أن تبين أن إيران تعد مصدرا مهما لتغطية العجز الروسي في بعض الأسلحة خلال حربها على أوكرانيا، مثل الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية. وبالرغم من أن هذا الدعم قد يقرب إيران أكثر من روسيا، ويُعقّد علاقات موسكو ببعض الدول العربية، مما يفاقم التوترات في الشرق الأوسط، فإنه سيكون على روسيا الموازنة بين علاقاتها مع إيران والسعودية، حتى وإن كان ذلك سيضعها في موقف حساس في حال تفاقمت التوترات في الإقليم، وقد يكون الخيار الوحيد أمام موسكو هو العمل على المصالحة بين الأطراف المتصارعة.
وهكذا يتضح أن دور روسيا في اليمن ودعمها المحتمل للحوثيين يرتبط بشكل وثيق بعلاقاتها مع إيران والسعودية، فروسيا ستسعى للحفاظ على توازن دقيق بين الطرفين لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط، وبالتالي فموقفها من حرب اليمن أو تسليح الحوثيين يعكس تعقيدات المشهد السياسي في المنطقة، ومع ذلك يظل اليمن مسرحا لتجاذبات قد تعيد رسم خريطة التحالفات والنفوذ، وسيظل الموقف الروسي في اليمن انعكاسا لمعادلات أوسع تتجاوز حدود الصراع اليمني، وسيظل التوازن في اليمن والإقليم هشا وسيتأثر بأي تصعيد بين الرياض وطهران مستقبلا.